محمود جبريل: لا حل للأزمة الليبية إلا باستيعاب الجميع

رئيس «تحالف القوى الوطنية» قال إن ما يحدث في ليبيا «حرب بالوكالة» بين قوى تتصارع على مصالحها

محمود جبريل
محمود جبريل
TT

محمود جبريل: لا حل للأزمة الليبية إلا باستيعاب الجميع

محمود جبريل
محمود جبريل

لا يزال رئيس «تحالف القوى الوطنية» الليبي محمود جبريل، يأمل أن يعلو صوت العقل على صوت المدافع والرصاص، وأن تتغلب مصلحة الوطن على غيرها من المصالح والأهداف حتى تعبر ليبيا إلى بر الأمان، مشدداً في هذا الإطار على أن الحل في ليبيا لن ينجح إلا باستيعاب الجميع.
وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية، أمس، قال جبريل: «نحن لا ندعم أي طرف على حساب الآخر... بل نطالب طرفي الصراع بأن يسألا نفسيهما عن السر وراء مسارعة قوى ودول إقليمية وغربية لدعمهما»، مضيفاً أن «ما يحدث الآن هو حرب بالوكالة بامتياز بين تلك القوى والدول... إنهم يتصارعون على مصالحهم ببلادنا، ومكمن الخوف لدينا هو تصاعد الوضع، وتحوله لمواجهة مباشرة مسلحة بينهم على أراضينا، وحينها لن نكون بعيدين أبداً عن سيناريو التقسيم، وحينها أيضاً سنخسر ليبيا كوطن».
وكان «تحالف القوى الوطنية» الليبي، قد أطلق مؤخراً، بالمشاركة والتشاور مع قوى سياسية وشخصيات وطنية ليبية، مبادرة تهدف إلى إيقاف الاقتتال الراهن بالعاصمة طرابلس، والدعوة لاستئناف العملية السياسية. وتقترح هذه المبادرة عدة خطوات، «تبدأ بخلق منطقة عازلة في مناطق القتال بطرابلس، وتنتهي بعقد ملتقى جامع يتم التوافق فيه على وثيقة شاملة لتكون بمثابة برنامج عمل لحكومة تأسيسية، تمهد لإجراء الانتخابات».
واعتبر جبريل أن «تناقض المواقف الأوروبية، وتحديداً مواقف الدول صاحبة التأثير المباشر على طرفي الصراع، كفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وغيرهم، إزاء مبادرة تحالفه، تعزز قناعته بأن هناك من لا يريد إنهاء الصراع». وشدد بهذا الخصوص على أهمية أن تتضمن أي دعوة للحوار «الأطراف التي تمتلك قوة على الأرض، من سياسيين وعسكريين ورجال قبائل، والأهم قادة الميليشيات، الذين لم يتم استيعابهم من قبل في أي عملية سياسية، رغم أنهم هم من يمتلك القوة الفعلية».
يقول جبريل موضحاً: «لقد تقابل حفتر والسراج في أكثر من عاصمة، لكن الصراع عاد مجدداً. وبالتالي فإن الحل هو استيعاب الجميع ومراعاة حقوقهم وطمأنة مخاوفهم. فكثير من عناصر الميليشيات تريد فعلاً إلقاء السلاح. لكنها تتخوف من ملاحقتها قضائياً. وهناك عناصر أخرى اتخذت من حمل السلاح مصدراً للرزق في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية. فلماذا إذن لا نقدم عفواً عاماً يشمل الجميع، مع عدم إسقاط حق ولي الدم، وتعويض المتضررين؟ ولماذا لا نضمن حق الجميع في تقاسم عادل للثروات؟».
وأضاف جبريل مستدركاً: «بالطبع هناك أطراف ليبية سترفض السلم لنجاحها في استثمار الفوضى التي نجمت عن حالة الانقسام السياسي... كتجار الهجرة غير الشرعية أو لوبيات الفساد وغيرهم... لكن متى اتفقت القوى الحقيقية سيتحول هؤلاء تدريجياً إلى أقلية يسهل حصارها؟».
ورغم إقراره بوجود تحديات جمة أمام استجابة طرفي الصراع للمبادرة، فقد عاد جبريل ليؤكد وجود أوراق ضغط يمكن اللجوء إليها بقوله: «سنضع مصداقية الرجلين (السراج وحفتر) على المحكّ أمام الشعب، فيما يتعلق بتصريحاتهما المتكررة بمحاربة الإرهاب... ذلك أن المبادرة تقترح تشكيل قوة مشتركة من عناصرهما لمحاربة الجماعات الإرهابية، وهذا في حد ذاته هدف مشترك ربما يؤدي إلى توحيد المؤسسة العسكرية في المستقبل».
مضيفاً: «سنضع مصداقية قيادات الدول الغربية أيضاً على المحك أمام شعوبهم، بإثارة التساؤلات حول جدوى خياراتهم بدعم هذا الطرف أو ذاك».
في سياق ذلك، أعرب رئيس المكتب التنفيذي (الحكومة) الأسبق في ليبيا عن تخوفه من أن دول الجوار ستكون في طليعة الدول المتضررة، وقال موضحاً: «الجميع لا يفكر في مصير تلك الترسانة المليونية من السلاح الموجودة بحوزة أطراف الصراع. فإلى أين ستتجه لو توقف القتال اليوم؟ وإلى أين ستتجه الخلايا والمجموعات الإرهابية التي قَدِمت إلينا من سوريا والعراق ومن دول أفريقيا؟ ليبيا قد تكون بالنسبة إليهم مجرد مقر مؤقت أو دولة عبور لكن دول الجوار وتحديداً مصر وباقي دول الإقليم الكبرى هي الرأس المطلوب استهدافه، ولذا ندعوهم لدعمٍ أكبر لحوار ليبي - ليبي».
وبخصوص الدورين التركي والقطري في مساندة ودعم حكومة الوفاق والميليشيات المتحالفة معها بالسلاح، أكد جبريل أن «الدور التركي بات واضحاً للجميع جراء مصالح اقتصادية، فضلاً عن أهداف أخرى. أما الدور القطري فأصبح خافتاً مقارنةً بالتركي، وبما كان عليه داخل ليبيا خلال الأعوام الماضية».
وحول التهم الموجهة إلى السراج وحكومته برعاية جماعات إرهابية، والسماح لعناصرها بالقتال ضمن صفوفهم، قال جبريل: «هذا الحديث يحمل جانباً من الصحة، ولكن من الخطأ تصنيف كل الميليشيات المسلحة بكونها ميليشيات إرهابية. الحقيقة هي أن في المدينتين ميليشيات عديدة تعد نفسها الممثل الحقيقي لثورة 17 فبراير (شباط)، وقد حملت السلاح وحاربت الإرهاب... وكانت ميليشيات العاصمة قد عملت فعلياً قبل فترة على طرد أغلب الميليشيات الإرهابية، ولكن من أجل محاربة حفتر تم السماح بعودة هذه الميليشيات إلى العاصمة».
واستنكر جبريل الأصوات التي تحاول تفسير حديثه على أنها محاولة للتأليب على الجيش، أو قائده حفتر في إطار المنافسة على الزعامة بالمستقبل، وقال: «كنا من أبرز الداعمين للجيش الوطني في بداية انطلاق معركة الكرامة، ونطمح لتطويره إلى جيش عصري يدافع عن سيادة ليبيا ويحمي دستورها. لكننا نخشى أن يؤدي خطأٌ ما لتدميره عبر تدخل خارجي مسلح أو عبر تشويه صورته، واتهامه بجرائم حرب ضد إخوة له بالوطن».
واستطرد موضحاً: «حفتر بذل مجهودات كبيرة جداً في التصدي للإرهاب، وتحديداً في بنغازي حين كانت المدينة مدمَّرة والاغتيالات في كل مكان، وبالتالي لا أحد يستطيع إغفال حقه. كل ما نقوله هو أن الجيش كمؤسسة وطنية يجب ألا يُختزل في شخص المشير... ودعوتنا خالصة لله، ولا هدف لها سوى حقن الدماء».
أما فيما يتعلق بالمبعوث الأممي غسان سلامة، فيرى جبريل أن عدم فهم الليبيين لطبيعة عمل الأمم المتحدة، ونظرتها إلى كل أطراف المعركة على أنها أطراف متصارعة، دون التركيز على قضية الشرعية مثلما يفعل الليبيون، هو ما أدى إلى اتهام الرجل بعدم الحيادية.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.