تجاوزت وزارة المالية الروسية حجم الاقتراض الخارجي المحدد في الميزانية لعام 2019 حين نجحت للمرة الثانية هذا العام في طرح إصدارين جديدين من سندات الدين العام (يورو بوند)، وسط مستويات طلب على تلك السندات تجاوزت بكثير مستوى العرض. ويُجمع المراقبون على أن الوزارة استفادت من الوضع الجيوسياسي وبصورة خاصة تراجع المخاوف من العقوبات الأميركية المتشددة، وكذلك من الوضع المالي عالمياً، حيث تزايد اهتمام المستثمرين بسندات الدول الناشئة، على خلفية تخفيض «المركزي» الأوروبي سعر الفائدة، ونتائج الاجتماع الأخير لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي فيما يخص السياسات النقدية وسعر الفائدة.
وطرحت وزارة المالية الروسية خلال الأيام الماضية إصدارين جديدين من سندات اليورو بوند (الدين الحكومي) بقيمة إجمالية بلغت 2.5 مليار دولار أميركي، موزعة ما بين 1.5 مليار مستحقة السداد بعد عشر سنوات، وأخرى بقيمة مليار دولار مستحقة السداد بعد 16 عاماً. وكان لافتاً الطلب الكبير على تلك السندات والذي تجاوز العرض بثلاث مرات، وبلغ 7.5 مليار دولار. وحسب خطة الاقتراض الحكومي وفق قانون الميزانية الروسية لعام 2019 يُفترض أن يكون حجم الديون للعام الحالي بقدر 3 مليارات دولار أميركي. ونفّذت وزارة المالية الروسية خطة الاقتراض كاملة حين قررت في شهر مارس (آذار) الماضي طرح سندات بقيمة 3 مليارات دولار دفعة واحدة، كانت الأكبر التي يتم طرحها منذ عام 2013.
ويُجمع المراقبون على أن وزارة المالية الروسية استفادت من «الظروف المثالية» في طرح إصدارين جديدين من سندات اليورو بوند. ويشيرون بصورة خاصة إلى أن الخطوة جاءت بعد الاجتماع الأخير لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والتراجع الحاد على عائدات سندات الخزانة الأميركية وسندات الدول الناشئة، وسط توقعات بأن تعود وترتفع مجدداً خلال قمة العشرين المرتقبة نهاية الشهر الجاري، في حال وردت من هناك أي أنباء إيجابية حول الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة. فضلاً عن ذلك أسهم استقرار الروبل نسبياً خلال الفترة الماضية، وخروجه من حالة التقلبات الحادة، في توفير المزيد من العوامل الإيجابية لطرح الإصدارين الجديدين من السندات والإقبال الكبير من جانب المستثمرين الأجانب عليها. وأخيراً يشير مراقبون إلى أن صدور نتائج التحقيق حول الاتهامات لروسيا بالتدخل في الانتخابات الأميركية، كانت أيضاً ضمن العوامل التي خلقت ظروفاً مثالية للسندات الروسية، ذلك أن تلك النتائج أبعدت إلى حد كبير شبح العقوبات الأميركية المتشددة، التي كانت ستشمل سندات الدين العام الروسي لو تبنتها الإدارة الأميركية.
وفي طرحها الإصدار الأول من السندات هذا العام، في شهر مارس الماضي، انطلقت وزارة المالية الروسية من المخاوف من تلك العقوبات، وتحت تأثير قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وفق ما يقول مراقبون، ويشيرون إلى أن المجلس أعلن حينها أن سعر الفائدة لن يرتفع خلال عام 2019، الأمر الذي أسهم في زيادة طلب المستثمرين على أصول الدول النامية، وبصورة خاصة على السندات الروسية. وبعد ذلك الإصدار لم تستبعد وزارة المالية الروسية العودة مجدداً إلى السوق بإصدارات جديدة، الأمر الذي أكده قسطنطين فيشوكوفسكي مدير دائرة الدين العام في وزارة المالية، حين أشار إلى أنه «لم يلغِ أحد برنامج الاقتراض، وهو كبير»، وأضاف: «لذلك، وبغية تنويع المصادر، وفي ظل ظروف مناسبة، بالطبع يمكن أن نعود إلى سوق الاقتراض الخارجي مجدداً عام 2019».
يقول المحلل المالي ألكسندر لوسويف، إن زيادة روسيا ديونها الخارجية لم تأتِ نتيجة حاجتها إلى مصادر تمويل، ولفت إلى أن طرح السندات الأخير جاء في وقت سجّلت فيه الميزانية الروسية فائضاً بمعدل 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تنمو مدخرات صندوق الرفاه الوطني، ويفترض أن تتجاوز سيولته 7% من الناتج المحلي الإجمالي. لذلك يرى أن هذه الخطوة مرتبطة بالرغبة في الوجود في سوق رأس المال العالمية. من جانبه يرى دميتري دوروفييف، الخبير الاقتصادي في «ألفا كابيتال»، أن «الوضع التنافسي بات مثالياً للغاية بعد اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي، والاقتراض من السوق الخارجية لفترة طويلة بنسبة 4%، فرصة جيدة للغاية». وحسب معطيات البنك المركزي الروسي، بلغ إجمالي ديون وزارة المالية عن سندات اليورو بوند 38.5 مليار دولار بحلول 1 يونيو (حزيران) الجاري، وهناك حالياً 14 إصداراً سيادياً يجري تداولها، منها اثنان اسميان باليورو والباقي بالدولار.
«المالية» الروسية تستغل «الظروف المثالية» وتعود للاقتراض الخارجي
«المالية» الروسية تستغل «الظروف المثالية» وتعود للاقتراض الخارجي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة