مؤتمر مانحي «الأونروا» يجمع تعهدات بـ113 مليون دولار

كراينبول: غير كافٍ لتلافي تهديد الخدمات لملايين اللاجئين الفلسطينيين

TT

مؤتمر مانحي «الأونروا» يجمع تعهدات بـ113 مليون دولار

عشية وصول عجزها المالي إلى مستويات حادة، تعهدت الدول والجهات المانحة تقديم 113 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم في الشرق الأدنى «الأونروا»، في خطوة وصفها مفوضها العام بيار كراينبول بأنها «دعم قوي للغاية»، لكنه غير كافٍ لتجاوز «الوضع الخطير» في الوكالة التي تقدم الخدمات التعليمية والصحية والإنسانية لنحو 5.4 مليون من اللاجئين الفلسطينيين مسجلين لديها في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وغزة.
وكان كراينبول يتحدث في مؤتمر إعلان التعهدات لدعم «الأونروا»، في المقر الرئيسي للأمم المتحدة بنيويورك، بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيسة الجمعية العامة للمنظمة الدولية ماريا فيرناندا أسبينوزا، والطالبين حنان أبو عصبة، وحاتم حمدونة، ممثلين عن برلمان طلاب «الأونروا» في غزة والضفة الغربية.
وفي مستهل المؤتمر، قال غوتيريش إنه «على مدار نحو 7 عقود أوفت الأونروا بشكل فعال بولايتها لمساعدة لاجئي فلسطين إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم»، آسفاً لـ«عدم التوصل حتى الآن إلى حل سياسي يفي بحاجات وتطلعات كل من الفلسطينيين والإسرائيليين». وأكد أن «هناك أهمية لمواصلة بذل جهود السلام لتحقيق حل الدولتين، إسرائيل وفلسطين، اللتين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن». وقال: «يجب النظر إلى استمرار عمل الأونروا، ليس فقط على أنه مسؤوليتنا المشتركة، ولكن أيضاً باعتباره نجاحنا المشترك»، مشيراً إلى الإصلاحات الكبرى وتدابير الحد من التكاليف التي قامت بها الأونروا لتقليص الإنفاق، إذ إنها «تمكنت خلال السنوات الخمس الماضية من توفير 500 مليون دولار عبر هذه التدابير الداخلية. كما استطاعت تنويع قاعدة مانحيها».
وكانت الأزمة بلغت حداً قاسياً بعدما قطعت الولايات المتحدة مساعداتها عن الوكالة، ما هدد تعليم نصف مليون طفل وتقديم 8 ملايين زيارة طبية سنوياً والإغاثة الطارئة لمليون و500 ألف شخص. وقال كراينبول إن الوكالة جمعت خلال مؤتمر نيويورك نحو 113 مليون دولار أميركي من زهاء 35 دولة، أكثرها من العالم العربي والاتحاد الأوروبي، للمساعدة في استمرار عمليات الوكالة الدولية التي تصل ميزانيتها السنوية إلى نحو مليار و200 مليون دولار أميركي. وأَمِل في أن «يتيح هذا المبلغ تسديد كثير من الحاجات لدينا في الأشهر الثلاثة أو الأربعة المقبلة». وإذ أفاد بأنه «لم تكن هناك إعلانات عن مساهمات جديدة من دول الخليج»، أكد أن «هناك تعبيراً قوياً عن دعم عمل الوكالة». وأوضح أنه «في العام الماضي، اعتمدت الأونروا على أموال إضافية من الدول الأعضاء والمدخرات الداخلية لتغطية فجوة في الميزانية بلغت 446 مليون دولار». وأضاف أنه لا يوجد أي تناقض بين فعالية جمع الأموال في نيويورك، والمؤتمر الذي تنظمه الولايات المتحدة في البحرين، لكون «الأونروا تتعامل مع حقائق اليوم».
وأفادت البعثة السعودية الدائمة لدى الأمم المتحدة بأن السفير عبد الله المعلمي ألقى كلمة قال فيها إن المملكة «أحد أكبر الدول دعماً للشعب الفلسطيني، وأكبر الدول المانحة لوكالة الأونروا تجسيداً لدورها المشرف في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني»، مضيفاً أن «المملكة قدمت لوكالة الأونروا منذ عام 2000 حتى عام 2019 ما يقارب مليار دولار، لدعم برامجها النبيلة وتوفير المساعدات الإنسانية والحاجات الأساسية للاجئين الفلسطينيين؛ حيث بلغ مجموع المساعدات المقدمة من المملكة لفلسطين ما يقارب 7 مليارات دولار خلال هذه الفترة، عبر دعم أكثر من 200 مشروع (إنساني، تنموي، خيري)». ودعا المجتمع الدولي إلى «دعم حاجات وكالة الأونروا، وأن تضاعف الدول والجهات المانحة والمؤسسات المالية المتخصصة مساهماتها وتبرعاتها المالية، لتتمكن الوكالة من القيام بتمويل برامج خدماتها المتزايدة، في ظل الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة».
وخلال المؤتمر أيضاً، تحدثت رئيسة برلمان «الأونروا» حنان أبو عصبة (15 عاماً) عن تجارب «الأونروا» مع اللاجئين في كل من الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وغزة. وقالت: «أحياناً أستيقظ من نومي مرعوبة على أصوات طرقات عالية على بابنا، تطلب من أبي أن يفتح الباب من أجل تفتيش المنزل في منتصف الليل. أما بالنسبة لي ولأقراني، فإن حواجز التفتيش المذلة بكل ما للكلمة من معنى، تعد جزءاً اعتيادياً من حياتنا». وأضافت أنه «بمجرد دخولي المدرسة، أنسى كل هذه الأمور، لأن التعليم الذي تقدمه لنا الأونروا يمنحني الأمن والأمل». وأكدت أنها «تؤمن بشدة بحقيقة أن هذا التعليم هو الأداة الوحيدة لديّ من أجل مستقبل أفضل». وقالت إنه «في مدارس الأونروا لا تدرس اللغة العربية والرياضيات والعلوم والفن فقط، بل تتعلم أيضاً الاحترام وحقوق الإنسان والديمقراطية والقيادة». وأملت في أن «تتمكن الوكالة من فتح مدارسها في الوقت المحدد في العام الدراسي الجديد».
أما نائب رئيس برلمان «الأونروا» حاتم حمدونة (15 عاماً) فقال: «أنا مجرد طفل لا يعرف في السياسة شيئاً، لم أختر أن أعايش الحرب والحصار». ومع ذلك «منذ ولادتي عايشت 3 حروب، في سن الرابعة والثامنة والعاشرة». وأكد «أن التعليم الذي تقدمه مدارس الأونروا هو أملي الوحيد من أجل مستقبل ناجح». وأضاف: «نحن أطفال غزة عايشنا كثيراً من الأحداث المؤلمة، أنا لم أختر العيش في ظل الحرب والحصار، لكنني اخترت أن أدرس بجد كل يوم، وأن أصبح قائداً شاباً، من خلال الانضمام إلى برلمان الأونروا الطلابي». وشدد على أن «التعليم في الأونروا أتاح له التعرف على حقوقه ومحاولة ممارستها، على رغم الحرمان من بعض هذه الحقوق، والتعرف على المسؤوليات تجاه العالم».
وأنشأت «الأونروا» برلمانها المركزي (22 عضواً) عام 2017، ليمثل أكثر من 500 ألف طفل من لاجئي فلسطين. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أنشأت «الأونروا» عام 1949 وفوضتها تقديم المساعدة الإنسانية والحماية للاجئي فلسطين المسجلين في الأردن وسوريا ولبنان وغزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
ومن المقرر أن يأتي موعد تمديد تفويض الوكالة لاحقاً هذا العام، ولكن إدارة الرئيس دونالد ترمب عبّرت خلال الأشهر القليلة الماضية عن اعتقادها أن لا حاجة بعد الآن لـ«الأونروا» التي تحظى بتأييد قوي داخل الجمعية للأمم المتحدة.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.