اختتمت في العاصمة البحرينية أمس ورشة «السلام من أجل الازدهار»، بالتأكيد على أن الحلّ السياسي يمثل الركيزة الضرورية لخلق الاستقرار في منطقة تعاني من الصراعات الطويلة.
وفي حين أكد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير أن المنطقة بحاجة إلى تحقيق سلام قائم على حلّ الدولتين يشكل أساساً لازدهار اقتصادي، أكدت السعودية على حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، مشيرة إلى أن هذا «الحقّ غير قابل للتصرف»، كما أكدت أن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي «جوهر القضية الفلسطينية».
من جانبه، قال جاريد كوشنر مستشار الرئيس دونالد ترمب وصهره، إن الإدارة الأميركية تود إبقاء الباب مفتوحا أمام الفلسطينيين، رغم مقاطعتهم ورشة المنامة، متّهما السلطة الفلسطينية بالفشل في مساعدة شعبها. وقال: «لو أرادوا فعلا تحسين حياة شعبهم، فإننا وضعنا إطار عمل يستطيعون الانخراط فيه ومحاولة تحقيقه». وأضاف أن الإدارة الأميركية ستبقى «متفائلة»، مضيفا: «لقد تركنا الباب مفتوحا طوال الوقت».
وقال «إننا نسعى لمساعدة الشعب الفلسطيني وإسرائيل والمنطقة وليس لمعاقبة القيادة الفلسطينية على تخلفها عن هذا المؤتمر». وأشاد بـ«نجاح» الورشة وردود الفعل الإيجابية التي تلقاها، واعتبر أن الورشة تظهر أن مشكلة الشرق الأوسط يمكن حلّها اقتصاديا. وبحسب المستشار الأميركي، فإن إدارة دونالد ترمب ستطرح الجانب السياسي من خطة السلام في «الوقت المناسب»، مضيفا أن «أحد الموضوعات المشتركة في ورشة العمل هذه كما يقول الجميع هي أن هذه الإصلاحات ممكنة» في إشارة إلى توصيات بتحسين الاقتصاد الفلسطيني. ورأى كوشنر أنّ «ما قامت به القيادة (الفلسطينية) هو لوم إسرائيل والآخرين على كافة مشاكل شعبهم، بينما في الحقيقة الموضوع المشترك هو أن كل هذا قابل للتحقيق إن كانت الحكومة ترغب في إجراء هذه الإصلاحات».
واختتمت أمس أعمال اليوم الثاني من جلسات النقاش حيث شارك فيها رجال أعمال ورؤساء مصارف دولية، وصناديق استثمار لبحث فرص نجاح الشق الاقتصادي من خطة السلام الأميركية الجديدة لإنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
وكان كوشنر، أكد مساء أول من أمس، أن الخطة التي أشرف عليها لحل النزاع في الشرق الأوسط من بوابة الاقتصاد. ودعا كوشنر، الذي تحدث بكثير من التفاؤل عما وصفها بـ«فرصة القرن»، الفلسطينيين إلى الاطلاع على الخطة واغتنام الفرص التي تقدمها. وتقترح خطة إدارة ترمب جذب استثمارات تتجاوز قيمتها خمسين مليار دولار على مدى عشر سنوات، بهدف إيجاد مليون فرصة عمل، ومضاعفة إجمالي الناتج الفلسطيني المحلّي، وتقليص البطالة ودعم دول الجوار - لبنان ومصر والأردن.
إلا أن الفلسطينيين قاطعوا الورشة، معتبرين أنّه لا يمكن الحديث عن الجانب الاقتصادي قبل التطرق إلى الحلول السياسية الممكنة للنزاع المستمر لعقود. وامتنع كوشنر عن الخوض في أي تفصيل سياسي خلال أعمال الورشة التي امتدت على يومين، وسط توقعات بأن يتم تأجيل الإعلان عن خطة ترمب للسلام حتى نوفمبر (تشرين الثاني) وألا تنصّ على قيام دولة فلسطينية مستقلّة.
بلير: الحل السياسي أولاً
وفِي حوار له مع كوشنر، في اختتام أعمال ورشة «السلام من أجل الازدهار» قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير إن الشق الاقتصادي لخطة السلام يمكن أن تكون لها فوائد كبيرة للشعب الفلسطيني. لكنه شدد على أن هذه الخطة ينبغي ألا تكون بديلا عن الحل السياسي. وأكد بلير أنه «لن يكون هناك سلام اقتصادي بل سيكون هناك سلام سياسي يشمل الجانب الاقتصادي». وأضاف: السياسة تعمل إذا ما تعمقت (في حلّ القضايا) وكانت قائمة على توفير الثقة وتحقيق الاستقرار الضروري لنمو الاقتصاد. وتابع: «من الحماقة أن نسعى نحو حل اقتصادي دون بناء استقرار سياسي».
ودعا بلير إلى تحقيق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يقوم على حل الدولتين واحترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وقال: إذا ما تم إعداد الإطار السياسي المناسب فسوف نوفّر فرصة للإطار الاقتصادي، حيث يشعر الناس بالتحسن ويكون لديهم أمل في المستقبل.
السعودية: اللاجئون «جوهر القضية الفلسطينية»
إلى ذلك أكدت السعودية أن حق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم غير قابل للتصرف، وأكدت أن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي «جوهر القضية الفلسطينية»، ودعت إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس.
وقال السفير عبد الله بن يحيى المعلمي، مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة، إن حق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، هو «من الحقوق الثابتة والراسخة ولا ينقضي بمرور الزمان ولا يسقط بالتقادم، وإنه فضلاً عن كونه حقاً إنسانياً وأخلاقياً، فهو حق قانوني وسياسي كفلته لهم القرارات الدولية». وكان السفير المعلمي يتحدث أمام مؤتمر دعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى «الأونروا» الذي أقيم أول من أمس بمقر الأمم المتحدة في نيويورك.
وقال المعلمي إن قضية اللاجئين الفلسطينيين «هي جوهر القضية الفلسطينية، وأن نعي تماماً أن أزمة اللاجئين الفلسطينيين ليست أزمة إنسانية بقدر أنها أزمة سياسية لن يتم معالجتها إلا بمعالجة السبب الرئيسي وهو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية وبقية الأراضي العربية وفقاً للقرارات الدولية والمبادرة العربية، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وتمكين أبناء الشعب الفلسطيني من العودة إلى وطنهم الأصلي وفق قرارات الأمم المتحدة وخاصة قرار الجمعية العامة رقم 194 لعام 1948».
ولفت السفير عبد الله المعلمي إلى أن المملكة العربية السعودية هي إحدى أكبر الدول دعماً للشعب الفلسطيني، وأكبر الدول المانحة لوكالة الأونروا تجسيداً لدورها المشرف في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني من أجل تحقيق آماله وطموحاته المشروعة، وهذا ما أكدت عليه قمم مكة الثلاث «الخليجية، والعربية، والإسلامية» التي استضافتها المملكة الشهر الماضي.
وقال: «قدمت السعودية لوكالة الأونروا منذ العام 2000 وحتى العام 2019 ما يقارب المليار دولار لدعم برامجها النبيلة وتوفير المساعدات الإنسانية والاحتياجات الأساسية للاجئين الفلسطينيين، وإن مجموع المساعدات المقدمة من المملكة لفلسطين بلغ ما يقارب الـ7 مليارات دولار خلال نفس الفترة عبر دعم أكثر من 200 مشروع إنساني وتنموي وخيري».
من جانبه، ذكر وزير المالية السعودي محمد الجدعان، أمس، خلاله مشاركته في إحدى جلسات ورشة المنامة أن المملكة ستؤيد أي خطة اقتصادية تحقق الازدهار للفلسطينيين. فيما قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون المالية عبيد حميد الطاير إنه ينبغي إعطاء فرصة لهذه المبادرة.
الازدهار مرهون بأمل السلام والأمن
أجمع المستثمرون العرب والغربيون على أنه لا ازدهار في غياب استقرار سياسي وأمني، لكن غالبية المشاركين عبّروا عن تفاؤل كبير حيال الطاقات الاقتصادية الفلسطينية. وقالت مدير عام صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد إن تحسن الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية وغزة قد يحدث «ولكن بثلاثة شروط». وأشارت إلى أن تلك الشروط هي «إجراء السلطة الفلسطينية إصلاحات شاملة، وقيام إسرائيل بتخفيف القيود على حركة السلع والأفراد ورأس المال، وقيام المانحين الدوليين والإقليميين بزيادة دعمهم المالي لضمان الاستثمارات الصحيحة».
وقالت بعد حضور ورشة المنامة: «يعتمد تحسين الأوضاع الاقتصادية وجذب الاستثمارات الدائمة إلى المنطقة على القدرة على التوصل إلى اتفاقية سلام. فالسلام والاستقرار السياسي واستعادة الثقة بين كل الأطراف المعنية هي عوامل ضرورية لنجاح أي خطة اقتصادية للمنطقة»، كما نقلت عنها وكالة «رويترز».
وأضافت لاغارد في جلسة افتتحت أعمال أمس أن النمو في الضفة الغربية وغزة يجب أن يركز على توفير الوظائف. واعتبرت أن «إحدى النواحي الجيدة حقا لهذه الخطة تتمثل في أنها تحدد بعض القطاعات، الصناعية والاقتصادية، التي ستكون مواتية لخلق الوظائف». وأضافت أن «النمو الاقتصادي في الضفة الغربية وغزة يجب أن يركز على توفير فرص عمل مناسبة»، مشيرة إلى قطاعات الزراعة والسياحة والبناء والبنية التحتية باعتبارها قطاعات «ستستوعب الكثير من العمالة». وجاءت تصريحات لاغارد ضمن إحدى جلسات العمل التي بحثت ركائز الخطة الأميركية الثلاث، لدعم الاقتصاد الفلسطيني، وتمكين الأشخاص وتعزيز الحكامة.
من جهته، ربط محمد آل الشيخ وزير الدولة السعودي عضو مجلس الوزراء فرص نجاح الخطة الاقتصادية الأميركية بإعطاء أمل حقيقي للفلسطينيين بإمكانية تحقيق السلام وازدهار مستدام، معتبرا كذلك أن القطاع الخاص ينبغي أن يكون في مقدمة المنخرطين في تنفيذها. وأوضح أنه يعتقد أن من الممكن تنفيذ الخطة «إذا آمن الناس بأن من الممكن تنفيذها»، مشيرا إلى أن السبيل لإقناع الناس بها هو منحهم الأمل بأنها ستكون مستدامة وباقية وستؤدي إلى الرخاء والتنمية في نهاية المطاف.
وقال الوزير السعودي إنه شهد جهودا مماثلة لخطة كوشنر في الفترة التي تلت توقيع اتفاق أسلو، شارك خلالها المجتمع الدولي بين 1995 و2000 بتبرعات وبرامج اقتصادية شبيهة بتلك المستهدفة في الخطة الجديدة، بما يشمل بناء آلاف كيلومترات الطرق والمصحات والمدارس. ويقول إن تلك الجهود أتت آنذاك بثمارها، وشهدت الأراضي الفلسطينية انخفاضا في مستويات البطالة، ونمو الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع مستويات التعليم. ولفت آل الشيخ إلى أن الفرق الجوهري بين الجهود السابقة والخطة الحالية يتمثّل في أن القطاع الخاص يلعب دورا جوهريا في تنفيذ أهداف الرؤية الاقتصادية الحالية، مشددا في المقابل على ضرورة ترسيخ والتأكيد على الأمل بتحقيق السلام.
وضمت لاغارد صوتها إلى صوت آل الشيخ، معتبرة أن ديمغرافية المنطقة تمثل فرصة كبيرة، لكنها قد تطرح مشكلة كبيرة كذلك في حال لم تتوفر فرص العمل المناسبة لملاين الشباب الجاهزين لدخول سوق العمل. وشددت لاغارد على جودة التعليم ونوعيته، معتبرة أن التعليم والتدريب ينبغي أن يواكب حاجات سوق العمل.
من جانبها، قدمت هالة محمد جابر الأنصاري، الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة في البحرين، مشاركة في إحدى جلسات ورشة العمل الاقتصادي استعرضت خلالها تجربة البحرين فيما يتعلق برفع نسبة مساهمة المرأة في القطاع العام والقطاع الخاص وفي مجال يتعلق بريادة الأعمال. وتركزت المداخلات على تحقيق تقدم لمساعدة النساء الفلسطينيات على المشاركة في تحقيق الازدهار الاقتصادي، من خلال تمكين المرأة ورفع مشاركتها في الناتج العام.
واستعرضت الأنصاري تجربة البحرين في تمكين المرأة، معتبرة أن ذلك قد يمثل نموذجاً بالنسبة للمرأة في الأراضي الفلسطينية. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن المرأة الفلسطينية كونت خبرة تراكمية في العمل والمشاركة في مجال تمكين المرأة والمساهمة في الجهود المدنية، لكن هناك الكثير من الصعوبات تعاني منها بيئة المرأة الفلسطينية. وأكدت الأنصاري أن الاستقرار وخلق بيئة آمنة ومستقرة يشكل ضرورة لتمكين المرأة الفلسطينية. وأضافت، أنه في ظل انعدام الاستقرار ترتفع نسب البطالة التي تعاني منها المرأة على نحو الخصوص.
من جانبه، شدد خالد الرميحي، الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية البحريني، على أن «الكرامة الإنسانية أساسية لتحقيق الاستقرار»، مضيفا أنه ينبغي على الفلسطينيين أن يعيشوا بكرامة في أراضيهم. ومتحدثا حول تخوف المستثمرين الدوليين من المخاطر السياسية والاقتصادية المرتبطة بالاستثمار في الأراضي الفلسطينية، قال الرميحي إن «الخطر السياسي ليس جديدا على منطقة الشرق الأوسط، ورغم ذلك فإن الاستثمارات تدفقت على المنطقة»، مشيرا إلى أن عائدات الاستثمار في المنطقة «رائعة. فالمنطقة تعلمت مواكبة المخاطر». كما ذكر أن العائدات في المنطقة أعلى من مناطق أخرى عبر العالم، ما يعوّض عن المخاطر المرتبطة بها.