الأزمة في فنزويلا تدفع المزيد من المواطنين للجوء في أوروبا

طائرة عسكرية روسية تحط في كراكاس في «مهمة صيانة معدات»

الطائرة الروسية التي حطت في كراكاس يوم الاثنين (رويترز)
الطائرة الروسية التي حطت في كراكاس يوم الاثنين (رويترز)
TT

الأزمة في فنزويلا تدفع المزيد من المواطنين للجوء في أوروبا

الطائرة الروسية التي حطت في كراكاس يوم الاثنين (رويترز)
الطائرة الروسية التي حطت في كراكاس يوم الاثنين (رويترز)

لا تتوقع إيستيفانيا أن يتفهم أي شخص في أوروبا المأساة التي تواجه بلادها. فهي تبدو حزينة وغاضبة. ولكن كلماتها لها صدى كبير. وقالت الفنزويلية لوكالة الأنباء الألمانية: «لا يهم إذا كنت غنيا أم فقيرا: الأزمة صفعة قاسية على الوجه كل يوم». ففي سبتمبر (أيلول) الماضي قررت إيستيفانيا، 25 عاما، أنه فاض الكيل بها، فاض الكيل من الافتقار للطعام والأدوية والمياه بالإضافة إلى الجريمة المنتشرة، والبيروقراطية القسرية وانقطاع الكهرباء وغالبا الطوابير التي تمتد لكيلومترات أمام المحال. سعت إيستيفانيا للحصول على تأشيرة سفر للدراسة وتوجهت إلى إسبانيا. وبقلب حزين، تركت والديها في دولة «لا يستطيع المرء أن يعيش فيها بعد الآن». وتقول إيستيفانيا إنها كانت واحدة من بين الأخيرين في مجموعتها بالنسبة لمغادرة فنزويلا.
وفي أوروبا، تتحمل إسبانيا وطأة تدفق اللاجئين حتى الآن، كما أنها تتعامل ببطء مع طلبات اللجوء. فقد حصل 400 فنزويلي فقط على اللجوء «لأسباب إنسانية». وطالبت كاثرين وولارد، مديرة المجلس الأوروبي للاجئين والمقيمين في المنفى، الاتحاد الأوروبي بالتركيز على العمل على استقرار المنطقة، ولكن قالت إن الاتحاد الأوروبي «عليه أيضا الاستمرار في السماح للمواطنين بطلب اللجوء هنا». فقد تقدم نحو 19 ألفا من بين 22500 طالب لجوء فنزويلي بطلب اللجوء في إسبانيا. كما سعى نحو 90 في المائة من طالبي اللجوء خلال أول ثلاثة أشهر من هذا العام للجوء في إسبانيا. وبالإضافة للغة المشتركة، أشارت وولارد إلى أن الكثير من الفنزويليين لديهم أقارب في إسبانيا أو لهم أصول إسبانية. الحياة بالنسبة لإيستيفانيا، التي ليس لديها أقارب أو أصول إسبانية، غامضة. ولكن عندما تتذكر قصص زملائها الطلاب، الذي تم اقتيادهم من أحيائهم وتعذيبهم لأيام، ظاهريا بسبب آرائهم السياسية، تدرك أنها اتخذت القرار الصحيح.
عندما يناقش الأوروبيون أزمة الهجرة، نادرا ما يفكرون في أشخاص مثل إيستيفانيا، التي تبحث حاليا عن مستقبل أفضل في مدريد. ومع ذلك تؤثر الأزمة التي تشهدها هذه الدولة الواقعة في أميركا اللاتينية على أوروبا أيضا.
تضاعف عدد طالبي اللجوء من فنزويلا في دول الاتحاد الأوروبي الـ28 بالإضافة إلى سويسرا والنرويج وآيسلندا وليختنشتاين خلال عام 2018 ليصل إلى 22500 مواطن، بحسب ما قاله المكتب الأوروبي لدعم اللجوء ومقره بروكسل، والذي عرض تقريره السنوي لعام 2018 الاثنين. تلك الأعداد ارتفعت باطراد على مدار الأعوام القليلة الماضية. وعلى الرغم من أن عدد مواطني فنزويلا الذين سعوا للجوء في أوروبا خلال شهر يناير (كانون الثاني) 2015 بلغ 25 مواطنا، تجاوز عدد طلبات اللجوء ألف طلب في مارس (آذار) 2017 ووصل إلى 3500 طلب في أبريل (نيسان). وبلغ عدد طلبات اللجوء في الفترة من يناير حتى مايو (أيار) الماضيين 18400 طلب. ويشار إلى أن سبب اللجوء هو الأزمة الاقتصادية والسياسية التي دفعت أربعة ملايين مواطن فنزويلي، من بين السكان الذين يبلغ تعدادهم 31 مليون نسمة، لمغادرة بلادهم. وقالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن نحو مليون مواطن غادروا البلاد منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ومعظم الذين تركوا بلادهم سعوا للجوء في دول مجاورة، حيث استقر نحو 3.‏1 مليون شخص في كولومبيا. ولا يبدو أن هناك نهاية للأزمة تلوح في الأفق، ففنزويلا تعاني من الجمود في ظل صراع مرير على السلطة بين الرئيس نيكولاس مادورو ورئيس الجمعية الوطنية الذي أعلن نفسه رئيسا خوان غوايدو. وتقول كاثرين وولارد، إنه على الرغم أن الموقف «مقلق» بالنسبة لفنزويلا وأميركا الجنوبية، فإن تأثيره على أوروبا محدود. فقد بلغت نسبة طالبي اللجوء القادمين من فنزويلا العام الماضي 4 في المائة فقط. وحذرت وولارد من أن الأمور يمكن أن تتغير في حال ارتفع هذا العدد: «هناك خطورة من اندلاع ذعر سياسي».
ومن المقرر أن تنتهي تأشيرة دراسة إيستيفانيا الشهر الجاري، وهي لا تريد التقدم بطلب للجوء. بدلا من ذلك، تأمل تمديد تأشيرة الدراسة أو الحصول على تأشيرة عمل من خلال عملها الصحافي. وإذا لم تفلح في ذلك، فسوف تعود لأميركا الجنوبية، وربما تشيلي - أو إلى أي مكان ولكن ليس العودة إلى بلدها.
حتى الآن، تجري مناقشات محدودة في إسبانيا حول مستويات الهجرة. هذا يرجع جزئيا لأن المجموعات الأولى التي فرت لإسبانيا كانت نخبة المجتمع الفنزويلي واندمجت سريعا في إسبانيا، بعدها الطبقة الوسطى التي تنكمش سريعا، والتي تضم أفرادا مثل إيستيفانيا، التي يدعمها والداها ماليا. وتشير تقارير إعلامية إلى أن هذا الاتجاه تغير خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث إن الأكثر فقرا في فنزويلا يتطلعون الآن للذهاب للاتحاد الأوروبي.
ومن بين هذه المجموعة الجديدة أندريس، 28 عاما، الذي ترك زوجته وطفليه ويعمل بصورة غير قانونية في ضاحية مدريد. فهو يعيش في شقة مع سبعة مهاجرين آخرين، ويقول إنه يقوم بالادخار من أجل إرسال أكبر قدر من الأموال لأسرته. ويقول للوكالة الألمانية: «أنا أبكي كل ليلة».
وفي سياق متصل أعلن مسؤول كبير في موسكو أمس الثلاثاء أن طائرة عسكرية روسية قد وصلت إلى فنزويلا ليقوم متخصصون بصيانة معدات اشترتها كراكاس من روسيا قبل ذلك. وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في تصريحات نقلتها وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء: «هذا ليس وجودا رسميا روسيا. إنه لا ينطوي على عناصر تزعزع استقرار الوضع». وأوضح ريابكوف أن روسيا مطالبة بموجب عقد بيع المعدات بتقديم مثل هذه الصيانة الدورية للمعدات، دون تحديد. وقال: «لا يوجد سبب لإثارة ضجة بهذا الشأن».
وتعد روسيا واحدة من أقوى مؤيدي الحكومة الفنزويلية التي تعاني من أزمة، حيث قدمت مليارات الدولارات في صورة ائتمان لفنزويلا في السنوات الأخيرة. وفي مارس زار مسؤولون عسكريون روس فنزويلا لإجراء محادثات حول التعاون في مجال صناعة الدفاع، حسبما ذكر الإعلام الرسمي الروسي في ذلك الوقت. وأثار هذا الأمر غضب الولايات المتحدة، التي تدعم زعيم المعارضة الفنزويلية خوان غوايدو الذي أعلن نفسه رئيسا مؤقتا. وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في ذلك الوقت إن الولايات المتحدة «لن تقف مكتوفة الأيدي» بينما تقوم روسيا بإدخال قوات إلى فنزويلا. ونفت روسيا هذا الاتهام.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟