«طالبان» تهدد وسائل الإعلام الأفغانية

باكستان: محادثات سلام حول أفغانستان بغياب الحركة

مسؤولو الأمن الأفغان يُظهرون متحدثاً باسم طالبان عن منطقة غزني لوسائل الإعلام بعد اعتقاله في عملية عسكرية الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)
مسؤولو الأمن الأفغان يُظهرون متحدثاً باسم طالبان عن منطقة غزني لوسائل الإعلام بعد اعتقاله في عملية عسكرية الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)
TT

«طالبان» تهدد وسائل الإعلام الأفغانية

مسؤولو الأمن الأفغان يُظهرون متحدثاً باسم طالبان عن منطقة غزني لوسائل الإعلام بعد اعتقاله في عملية عسكرية الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)
مسؤولو الأمن الأفغان يُظهرون متحدثاً باسم طالبان عن منطقة غزني لوسائل الإعلام بعد اعتقاله في عملية عسكرية الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)

أصدرت «طالبان» تهديداً لوسائل الإعلام الأفغانية، قائلة إنه سيتم استهداف الصحافيين ما لم تتوقف وسائل الإعلام عن بث ما يصفونه بالدعاية الحكومية ضد المتمردين. وجاء في بيان للجنة العسكرية للحركة نشره المتحدث باسم «طالبان» ذبيح الله مجاهد في تغريدة، إن هناك يوما واحدا أمام الوكالات، بما في ذلك القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية ودور نشر، التي تبث إعلانات ضد «طالبان» للتوقف عن ذلك وإلا فلن يتم تصنيفها بعد الآن كوسائل إعلام ولكن كـ«أهداف عسكرية». يذكر أن الإعلانات الحكومية المدفوعة ضد «طالبان» يتم بثها ونشرها في أنحاء أفغانستان، إما لمطالبة المواطنين بإبلاغ القوات الأمنية عن أي أنشطة مثيرة للشبهات أو لتحريض المواطنين على عدم دعم الحركة. وقالت الحركة إن «العدو (الحكومة الأفغانية) يستخدم مثل هذه الوكالات الإعلامية لأغراض استخباراتية». وأعلنت «طالبان» أن وسائل الإعلام الأفغانية التي ترفض القيام بذلك ستعتبر أعشاشاً استخباراتية للعدو ولن يكون صحافيوها وغيرهم من الموظفين آمنين. وقد استهدفت «طالبان» وسائل الإعلام والإذاعة والتلفزيون الأفغانية في الماضي، لكن هذا هو التهديد الأول للمتمردين بشأن قضية محددة مثل الإعلانات الممولة من الحكومة.
وفي يناير (كانون الثاني) 2016 اندفع انتحاري من جماعة «طالبان» الأفغانية بسيارته عمدا ليصدم حافلة تقل موظفين بقناة «تولو» التلفزيونية الخاصة ذات الشعبية الكبيرة في البلاد، ما أسفر عن مقتل سبعة صحافيين. وكانت «طالبان» قد زعمت أنها فجرت الحافلة لأن محطة «تولو» اعتادت بث دعايات للجيش الأميركي وحلفائه. وذكرت «طالبان» في بيان أصدرته في ذلك الوقت إن محطة «تولو» تعرضت للهجوم بسبب «تشجيعها على الفحش والتبرج والترويج للثقافة الأجنبية». جدير بالذكر أن الصحافيين في أفغانستان يتعرضون للتهديد والاعتداءات ليس فقط من قبل «طالبان»، ولكن أيضاً من قبل مقاتلي تنظيم «داعش» الإرهابي ومن قبل مسؤولين حكوميين وشخصيات محلية قوية غير راضين عن التغطية الإخبارية. وقد صنفت أفغانستان على أنها المكان الأكثر دموية للصحافيين عام 2018 من قبل «لجنة حماية الصحافيين» التي أشارت إلى مقتل 13 صحافيا في ذلك العام وكذلك «الاتحاد الدولي للصحافيين» الذي ذكر أن العدد 16، وتقاتل حركة «طالبان» قوات الأمن الأفغانية التي تساعدها قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) والقوات الأميركية، في الوقت الذي يتفاوض فيه ممثلوهم في قطر حول إبرام اتفاقية سلام مع مبعوث الولايات المتحدة زلماي خليل زاد. كما أجرت «طالبان» محادثات مع المفاوضين الأوروبيين. من المقرر أن تبدأ الجولة التالية من المحادثات، وهي الجولة السابعة، في 29 يونيو (حزيران) في الدوحة. وقال خليل زاد إن «طالبان» وافقت على إطار لاتفاق يتكون من أربعة أجزاء مترابطة: ضمانات مكافحة الإرهاب، وانسحاب القوات، ومفاوضات بين الأفغان تفضي إلى تسوية سياسية، ووقف شامل ودائم لإطلاق النار.
إلى ذلك، استضافت باكستان أول من أمس مؤتمرا ضم أكثر من 50 من قادة أفغانستان منهم ساسة وشيوخ قبائل في إطار مبادرة جديدة لدعم عملية السلام المتعثرة الرامية إلى إنهاء الحرب الأهلية التي طال أمدها في أفغانستان. لكن لم يحضر ممثلون عن حركة «طالبان» التي تقاتل منذ سنوات لإخراج القوات الأجنبية من البلاد ولهزيمة الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في كابل. وتوترت العلاقات بين أفغانستان وباكستان في السنوات الأخيرة بسبب مزاعم كابل وواشنطن عن أن باكستان تؤوي متشددين من «طالبان» منذ أن أطاحت القوات الأميركية بحكمهم في 2001، وتقول باكستان إن نفوذها على «طالبان» وهن بمرور السنين. وتضغط الولايات المتحدة على باكستان لاستخدام نفوذها على «طالبان» لبدء مفاوضات مباشرة مع الحكومة في كابول التي تقول «طالبان» إنها غير شرعية ومفروضة من الخارج.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟