السياسة النقدية البريطانية عكس التيار

اتجاه عالمي لخفض الفائدة... ولندن إلى الرفع

مقر بنك إنجلترا المركزي في لندن (رويترز)
مقر بنك إنجلترا المركزي في لندن (رويترز)
TT

السياسة النقدية البريطانية عكس التيار

مقر بنك إنجلترا المركزي في لندن (رويترز)
مقر بنك إنجلترا المركزي في لندن (رويترز)

على عكس تلميحات البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بخفض أسعار الفائدة ما لم تتحسن توقعات الاقتصاد العالمي، اتخذ بنك إنجلترا نبرة أكثر تشدداً؛ حيث صوت البنك بالإجماع على إبقاء أسعار الفائدة من دون تغيير عند مستوى 0.75 في المائة. وتمسك بخطابه الذي يؤيد حاجة أسعار الفائدة للارتفاع، طالما تحاول بريطانيا تفادي انفصالها عن الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق.
إلا أنه على الرغم من ذلك، فإنه من المتوقع أن يتراجع النمو الاقتصادي إلى الصفر في الربع الثاني، وفقاً لبنك إنجلترا؛ حيث «يبدو أن النمو الأساسي في المملكة المتحدة قد تراجع قليلاً في النصف الأول من العام، مقارنة بعام 2018، إلى معدل أقل بقليل من التوقعات».
في المقابل، قال تقرير صادر عن دائرة الأبحاث الاقتصادية العالمية في بنك الكويت الوطني، إن الاقتصاد البريطاني لا يزال مرناً بشكل ملحوظ في مواجهة حالة عدم اليقين المصاحبة لانفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي.
ففي ظل ارتفاع معدلات التوظيف ونمو الأجور إلى حد كبير مقارنة بمعدلات التضخم، يستشعر الاقتصاديون دلائل قليلة على تراكم الضغوط التضخمية إلى الحد الذي يبرر الإسراع في رفع أسعار الفائدة في وقت مبكر. وعلى صعيد الأسواق المالية التي يبدو أنها تتجاهل إلى حد كبير تطورات انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي، فإنها تعاني أيضاً من تبعات توترات التجارة العالمية. وبحسب بوريس جونسون المرشّح الأوفر حظاً لتولي رئاسة الحكومة البريطانية، فإن المملكة المتحدة ستنفصل عن الاتحاد الأوروبي بحلول الموعد النهائي المقرر في 31 أكتوبر (تشرين الأول)، سواء توصلت إلى اتفاق أم لم تتوصل، مؤكداً التزامه بتقديم اتفاق يعتقد أن الاتحاد الأوروبي سوف يوافق عليه. إلا أنه على الرغم من ذلك، فقد أثار الاتحاد الأوروبي مراراً وتكراراً عدم رغبته في إعادة التفاوض، تاركاً المجال أمام الوصول إلى نتائج غير مرضية. من جهة أخرى، يواصل الجنيه الإسترليني تعرضه للضغوط بلا هوادة، منذ إجراء استفتاء انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي في عام 2016، وتراجع خلال الأسبوع الماضي مقابل الدولار الأميركي إلى أدنى مستوياته المسجلة منذ بداية العام، وصولاً إلى 1.2504، إلا أنه تعافى منذ ذلك الحين وبلغ 1.2742.
- منطقة اليورو
على صعيد منطقة اليورو، قال التقرير إن السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي تشبه إلى حد ما سياسة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في دعم الاقتصاد المحلي. إلا أنه على الرغم من ذلك، كانت الاستجابة للسياسات التحفيزية في أوروبا أكثر حذراً منها في الولايات المتحدة؛ حيث أشار رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي إلى زيادة الصراعات التجارية لتفسير ذلك الوضع. ويؤكد دراغي أن تلك المشكلات لا تزال وثيقة الصلة بالموضوع؛ حيث تسببت التوترات القائمة في تباطؤ التجارة العالمية بوتيرة حادة امتدت إلى منطقة اليورو، بالنظر إلى اقتصاداتها الموجهة نحو التصدير إلى حد كبير (خصوصاً في ألمانيا)، حيث تراجع الإنتاج الصناعي الألماني بنسبة 1.9 في المائة خلال الربع الثاني من عام 2019، فيما يعد أسوأ بكثير من التوقعات بانخفاضه بنسبة 0.4 في المائة فقط. ونظراً لما قد يخلفه عدم اليقين التجاري من تأجيل الشركات لاستثماراتها، يكمن عامل القلق هنا في انتشار مسببات ضعف الأنشطة التصنيعية إلى أجزاء أخرى من الاقتصاد. وبالنظر إلى التضخم، تباطأ المعدل في منطقة اليورو إلى 1.2 في المائة في مايو (أيار)، منخفضاً من 1.7 في المائة في أبريل (نيسان). إلا أن سوق العمل لا تزال قوية؛ حيث بلغت معدلات البطالة أدنى مستوياتها منذ الأزمة المالية وصولاً إلى 7.6 في المائة، مع ارتفاع ملحوظ في الأجور. من جهة أخرى، تراجع اليورو إلى ما دون مستوى الدعم النفسي البالغ 1.12 دولار؛ حيث بلغ 1.1179 على خلفية تعليقات دراغي بصفة مبدئية، إلا أنه على الرغم من ذلك فقد تعافى منذ ذلك الحين، ويتداول حالياً حول مستوى 1.1366.
- اليابان
في اليابان، انضم البنك المركزي إلى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي، فيما يتعلق بإعطاء تلميحات بتطبيق مزيد من الإجراءات التيسيرية في ظل تصاعد ضغوط الحرب التجارية على الاقتصاد المتباطئ. وبذل هاروهيكو كورود، محافظ البنك المركزي الياباني جهوداً حثيثة لتبديد الشائعات التي تزعم نفاذ الأسلحة المالية لبنك اليابان، قائلاً إن البنك المركزي سيجمع بين خفض أسعار الفائدة وشراء الأصول على نطاق أوسع إذا لزم الأمر. وقال بنك اليابان في بيانه المتعلق بإعلان قرار سياسته النقدية: «ترتفع المخاطر السلبية متعلقة بالاقتصادات الخارجية، لذا يجب علينا أن نراقب عن كثب كيفية تأثير ذلك على معنويات الشركات والأسر اليابانية».
وفي ظل تراجع معدلات التضخم ومحاولة بنك اليابان مجابهة تلك الظروف، اضطر الأخير إلى الحفاظ على برامج التحفيز الهائل الذي يتبعه، على الرغم من تأثير انخفاض معدلات الفائدة بشكل كبير على أرباح المؤسسات المالية. ونظراً لانخفاض أسعار الفائدة بالفعل دون الصفر، هذا بالإضافة إلى البرنامج الضخم لشراء السندات، يرى المحللون أن بنك اليابان لديه أدوات قليلة متبقية لمواجهة شبح الكساد الاقتصادي المرتقب. وعلى الرغم من تطبيق السياسات التحفيزية على مدى سنوات كثيرة فإن معدل التضخم الأساسي السنوي قد بلغ 0.9 في المائة في أبريل، فيما يعد بعيداً كل البعد عن المستوى المستهدف من قبل بنك اليابان البالغ 2 في المائة.
ويذكر أن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أبقى على أسعار الفائدة ثابتة دون تغيير في اجتماعه المنعقد الأربعاء الماضي، وذلك على الرغم من الإشارات الدالة على إمكانية خفض أسعار الفائدة بنسبة تصل إلى 0.5 في المائة خلال الفترة المتبقية من عام 2019.
وذكر مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي في بيانهم أن النشاط الاقتصادي الأميركي ارتفع بمعدل «معتدل» وليس «بمستويات قوية»، مع توقع تسجيل نمو بنسبة 2.1 في المائة خلال العام الجاري و2 في المائة في عام 2020.
وفي الوقت الحاضر، يعد احتمال تثبيت أسعار الفائدة ضئيلاً جداً حتى في ظل ادعاء الاحتياطي الفيدرالي انتظاره لصورة أوضح عن المخاطر الحالية التي تواجه الاقتصاد قبل اتخاذ تلك الخطوة. وبصفة عامة، تشير التوقعات إلى ارتفاع احتمالات تخفيض أسعار الفائدة؛ حيث تسجل العقود الآجلة لصندوق الاحتياطي الفيدرالي فرصة بنسبة 80 في المائة لتخفيض بمقدار 25 نقطة أساس في يوليو (تموز) المقبل. وبالتزامن مع ذلك اتخذت البنوك المركزية في أستراليا والفلبين وإندونيسيا توجهات مماثلة، ملمحة إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة.
ويشير ازدياد حالة عدم اليقين الاقتصادي وتراجع معدلات التضخم بصورة غير متوقعة، إلى أن خطوة خفض أسعار الفائدة كانت تلوح في الأفق. إلا أنه على الرغم من ذلك، فمن غير المؤكد بعد ما إذا كان البنك المركزي سيتخذ خطوة وقائية من خلال تبني سياسة التيسير النقدي للحفاظ على قوة التوسع الاقتصادي. وقد نتجت عن تلك المعنويات التيسيرية ردة فعل إيجابية من قبل الأسهم، وأدت إلى إضعاف قوة الدولار الأميركي. علماً بأن الدولار يتوجه حالياً نحو تسجيل أعلى معدل تراجع يشهده منذ أواخر مارس (آذار)، فاقداً أكثر من 1.4 في المائة من قيمته، مقابل الين الياباني كعملة من عملات الملاذ الآمن.
- اتجاهات الأسهم
وأكد التقرير أنه بفضل تبني معظم البنوك المركزية سياسة التيسير النقدي بصفة عامة، أنهت الأسهم تداولات الأسبوع عند مستويات قياسية بعد الإعلان عن تلك السياسات؛ حيث ارتفع المؤشر المرجعي الأميركي «ستاندرد أند بورز» إلى أعلى مستوياته المسجلة منذ بداية العام، وصولاً إلى 2.964.00 نقطة، فيما يعكس توجه الاحتياطي الفيدرالي الحذر نحو اتباع سياسة نقدية تيسيرية، قبيل اجتماع مجموعة العشرين الشهر المقبل؛ حيث من المقرر عقد لقاء يجمع ما بين الرئيس الأميركي ونظيره الصيني لمناقشة التوصل إلى صفقة تجارية.
واستمرت أدوات الدين الحكومي الأميركية في الارتفاع؛ حيث أدى الطلب على الأصول الأكثر أماناً إلى دفع العائد على سندات الخزانة القياسية لأجل 10 سنوات دون مستوى 2 في المائة، للمرة الأولى منذ عام 2016، وصولاً إلى 1.9740 في المائة، كما عكست أسعار الذهب التسابق على اقتناء أصول الملاذ الآمن، مسجلة أعلى مستوياتها منذ خمسة أعوام، عند مستوى 1.410 يوم الجمعة الماضي.



«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه، يوم الأربعاء المقبل، مع احتمال أن يسلط المسؤولون الضوء على كيفية تأثير البيانات الاقتصادية الأخيرة على قراراتهم بشأن أسعار الفائدة في العام المقبل.

وتضع الأسواق المالية في الحسبان احتمالات بنسبة 97 في المائة أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح النطاق بين 4.25 في المائة و4.5 في المائة، وفقاً لأداة «فيد ووتش».

ومع ذلك، تضاءل مبرر بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة مؤخراً بعد التقارير التي تشير إلى أن التضخم لا يزال مرتفعاً بشكل مستمر مقارنةً بالهدف السنوي لـ«الفيدرالي» البالغ 2 في المائة، في حين أن سوق العمل لا تزال قوية نسبياً. وكان البنك قد خفض أسعار الفائدة في سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) بعد أن أبقاها عند أعلى مستوى في عقدين طوال أكثر من عام، في محاولة للحد من التضخم المرتفع بعد الوباء.

ويؤثر سعر الأموال الفيدرالية بشكل مباشر على أسعار الفائدة المرتبطة ببطاقات الائتمان، وقروض السيارات، وقروض الأعمال. ومن المتوقع أن تكون أسعار الفائدة المرتفعة في الوقت الحالي عقبة أمام النشاط الاقتصادي، من خلال تقليص الاقتراض، مما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد لتخفيف الضغوط التضخمية والحفاظ على الاستقرار المالي.

لكن مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي لا تقتصر فقط على مكافحة التضخم، بل تشمل أيضاً الحد من البطالة الشديدة. وفي وقت سابق من هذا الخريف، أدى تباطؤ سوق العمل إلى زيادة قلق مسؤولي البنك بشأن هذا الجزء من مهمتهم المزدوجة، مما دفعهم إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر. ورغم ذلك، تباطأ التوظيف، فيما تجنب أصحاب العمل تسريح العمال على نطاق واسع.

توقعات الخبراء بتخفيضات أقل في 2025

تدور الأسئلة المفتوحة في اجتماع الأربعاء حول كيفية موازنة بنك الاحتياطي الفيدرالي بين أولويتيه في مكافحة التضخم والحفاظ على سوق العمل، وكذلك ما سيقوله رئيس البنك جيروم باول، عن التوقعات المستقبلية في المؤتمر الصحفي الذي سيعقب الاجتماع. وبينما تبدو التحركات المتعلقة بأسعار الفائدة في الأسبوع المقبل شبه مؤكدة، فإن التخفيضات المستقبلية لا تزال غير واضحة.

وعندما قدم صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي آخر توقعاتهم الاقتصادية في سبتمبر، توقعوا خفض المعدل إلى نطاق يتراوح بين 3.25 في المائة و4.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025، أي بتقليص بنسبة نقطة مئوية كاملة عن المستوى المتوقع في نهاية هذا العام.

وتوقع خبراء الاقتصاد في «ويلز فارغو» أن التوقعات الجديدة ستُظهر ثلاثة تخفيضات ربع نقطة فقط في عام 2025 بدلاً من أربعة، في حين توقع خبراء «دويتشه بنك» أن البنك سيُبقي على أسعار الفائدة ثابتة دون خفضها لمدة عام على الأقل. فيما تتوقع شركة «موديز أناليتيكس» خفض أسعار الفائدة مرتين في العام المقبل.

التغيير الرئاسي وتأثير التعريفات الجمركية

يشكّل التغيير في الإدارة الرئاسية تحدياً كبيراً في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد، حيث يعتمد مسار التضخم والنمو الاقتصادي بشكل كبير على السياسات الاقتصادية للرئيس المقبل دونالد ترمب، خصوصاً فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية الثقيلة التي تعهَّد بفرضها على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في أول يوم من رئاسته.

وتختلف توقعات خبراء الاقتصاد بشأن شدة تأثير هذه التعريفات، سواء كانت مجرد تكتيك تفاوضي أم ستؤدي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة. ويعتقد عديد من الخبراء أن التضخم قد يرتفع نتيجة لنقل التجار تكلفة التعريفات إلى المستهلكين.

من جهة أخرى، قد تتسبب التعريفات الجمركية في إضعاف الشركات الأميركية والنمو الاقتصادي، مما قد يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة لدعم الشركات والحفاظ على سوق العمل. كما يواجه البنك تحدياً في فصل تأثيرات التعريفات الجمركية عن العوامل الأخرى التي تؤثر في التوظيف والتضخم.

وتزداد هذه القضايا غير المحسومة وتزيد من تعقيد حسابات بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما قد يدفعه إلى اتباع نهج أكثر حذراً بشأن تخفيضات أسعار الفائدة في المستقبل. كما أشار مات كوليار من «موديز أناليتيكس» إلى أن التغيرات المحتملة في السياسة التجارية والمحلية تحت إدارة ترمب قد تضيف طبقة إضافية من عدم اليقين، مما يدعم الحاجة إلى نهج الانتظار والترقب من لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية.