جدل في دمشق بعد انتقاد وزير الإعلام لـ«سياسة الصمت»

حملة «ساعدونا لنصير أحسن» تكشف مقاطعة الجمهور السوري للإعلام المحلي

حوار مطول مع وزير الإعلام السوري عماد سارة على القناة الرسمية
حوار مطول مع وزير الإعلام السوري عماد سارة على القناة الرسمية
TT

جدل في دمشق بعد انتقاد وزير الإعلام لـ«سياسة الصمت»

حوار مطول مع وزير الإعلام السوري عماد سارة على القناة الرسمية
حوار مطول مع وزير الإعلام السوري عماد سارة على القناة الرسمية

انتهت في سوريا مؤخراً حملة «ساعدونا لنصير أحسن» التي قام الإعلام السوري الرسمي بترتيبها، وتضمنت حواراً مطولاً مع وزير الإعلام عماد سارة، رد خلاله على انتقادات الجمهور المحلي التي وردت ضمن الحملة، عبر فواصل تلفزيونية وتقارير صحافية استطلعت آراء الشارع.
وزير الإعلام الذي اعترف بضعف وتردي الإعلام في بلاده بشر بإلغاء قريب للخطوط الحمراء في الإعلام الرسمي السوري، لكن الصحافي النائب بمجلس الشعب نبيل صالح رد متحدياً بمنشور عبر حسابه على «فيسبوك» بأنه لا الوزير «ولا حكومته مجتمعة قادرة على إلغاء خطوط الرقابة الحمر في بلادنا»، وقال: «لن نتمكن من إلغاء الخطوط التي يحلم بها وزير الإعلام دون أن يتقرب هو ذاته للخطوط الحمراء التي يعلم الشعب السوري جميعاً أين تكمن».
المفارقة أن حوار وزير الإعلام الذي بثته القنوات الرسمية لم يكن يبث مباشرة، فقد استغرق تسجيله 10 ساعات، بث منها 49 دقيقة فقط، مما يعني خضوعها لعملية «فلترة» صارمة، حسب صحيفة عربية حليفة للنظام السوري.
كلام سارة عن الخطوط الحمراء جاء متزامناً مع منع الممثلة أمل عرفة من الظهور في الإعلام الرسمي، عقوبة على اعتذارها من جمهور المعارضة لمشاركتها بلوحة تمثيلية كوميدية تسخر من ضحايا الهجمات الكيماوية في سوريا، مما دفع أمل إلى إعلان اعتزال التمثيل، والبحث عن مهنة أخرى، تماماً كما حدث مع الصحافي علي حسون، رئيس تحرير جريدة «الأيام» الذي اعتزل العمل الصحافي، وراح يبحث عن مهنة أخرى بعد اعتقال زميله الصحافي رئيف سلامة.
وشهد الإعلام الرسمي السوري تراجعاً كبيراً خلال سنوات الحرب، مع طغيان الإعلام الحربي على غالبية برامجه التي باتت مادة للسخرية والتندر في وسائل التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، عندما تعرض مطار المزة العسكري، غرب العاصمة دمشق، لضربة إسرائيلية العام الماضي، تناقلت وسائل الإعلام العربية والدولية والسوشيال ميديا الخبر لساعات، قبل أن يقرر التلفزيون الرسمي بث تصريح مصدر عسكري بأن سبب الانفجارات في المطار «ماس كهربائي»!
وتزايدت الانتقادات للإعلام الرسمي العام الجاري، مع تفاقم الأزمات الاقتصادية في سوريا التي راحت تشتد تباعاً، فبدأت بافتقاد حليب الأطفال، ومن ثم الغاز والبنزين، وغيرها من أزمات لم يصمت الإعلام المحلي عن توضيح أسبابها فحسب، بل فبرك تقارير ميدانية عن ابتهاج السوريين بساعات الانتظار الطويلة أمام محطات الوقود، وتحويلها إلى وقت للترفيه وتدخين الأركيلة ورقص الدبكة. سذاجة مهنية اعتاد عليها مراسلو التلفزيون خلال جولاتهم الميدانية وتغطياتهم للحوادث المحلية، حتى المفجعة منها، كالحريق الذي أودى بحياة 7 أطفال في دمشق؛ حينها سارعت قناة الإخبارية إلى تغطيه مباشرة لزيارة رئيس الحكومة إلى موقع الحادث فوراً، وراح المراسل يسأل والد المفجوع بأطفاله السبعة عما ستقدمه له الحكومة من تعويضات لأثاث البيت المحترق، في تصرف يفتقد إلى الحد الأدنى من الحس الإنساني!
وعلى صعيد البرامج الأخرى، كأفلام الكارتون للأطفال، فإن الوضع ليس أفضل، إذ أثارت لقطة تظهر صدر فتاة عارٍ في مسلسل «ساسوكي» أزمة كبيرة داخل التلفزيون، بعد عاصفة من النكات في السوشيال ميديا، وصلت أصداؤها إلى وسائل إعلام دولية.
إعلامي سوري متوقف عن العمل بسبب التضييق الأمني قال لـ«الشرق الأوسط» إن الإعلام الرسمي السوري وجد نفسه في مأزق بعد تراجع العمليات الحربية، واستعادة النظام لمعظم المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة، فخلال سنوات الحرب «ظهرت مجموعة كبيرة من المراسلين الحربيين الذين دخلوا إلى العمل الإعلامي على متن الدبابة». وبعد تراجع العمليات الحربية، وتضاؤل مساحة تغطياتها في الإعلام، نشأ فراغ كشف ضحالة ما آل إليه الإعلام السوري الرسمي، والضعف الذي ضرب كوادره البشرية لأسباب كثيرة معروفة، في «مقدمتها المحسوبيات، وغياب حرية التعبير، وتدني العائد المالي، وسيطرة الأجهزة الأمنية على الإعلام»، وظهرت تأثيرات ذلك على الشاشة، وعلى شبه غياب للصحف عن منافذ البيع. ويتابع الإعلامي، تعليقاً على حملة «ساعدونا حتى نصير أحسن»، أنه لاحظ هروب الناس من الكاميرا، إذ لم تعد مثار فضول المارة، حتى الأطفال والمراهقين لم يهتموا للتحلق حول المذيعة واقتحام كادر التصوير، كما كان يجري سابقاً، لإرسال تحيات لملايين المشاهدين المفترضين، إذ لم يعد سؤال «شفتني بالتلفزيون» مدعاة للتفاخر؛ كاميرا التلفزيون الرسمي «غدت بعبعاً، وأسئلة معدي البرامج تطفلاً وغلاظة، بل نذير شؤم قد يعرض لمساءلة الجهات الأمنية». ويرد الإعلامي على ذكر موقف حصل مع صديقته بينما كانت تتأمل فترينا محل ألبسة في شارع الحمرا، وسط دمشق، حين داهمها ميكرفون التلفزيون الرسمي دون سابق إنذار، وسلط المصور العدسة على وجهها و«كأنها ضبطت بجرم مشهود، لم ينبس ببنت شفة، فقط أشاحت بيدها أن ابتعدوا عني، ما أثار غضب المصور الذي قال لها محتجاً: نحن لسنا ذباباً كي تشيحي بيدك هكذا».
ويقول الإعلامي السوري السابق: «المشكلة أن العاملين في الإعلام الرسمي يعانون من ازدراء الشارع، لكن لا يدركون أن السبب هو جهلهم بأبسط أدبيات الإعلام، كاحترام الخصوصية، وعدم تصوير أي شخص دون أذن مسبق».
الفواصل الترويجية لحملة «ساعدونا لنصير أحسن» التي أطلقتها وسائل الإعلام الرسمية السورية أواخر الشهر الماضي لاستطلاع آراء الجمهور المحلي حول أداء الإعلام الرسمي أظهرت هروب الناس من الكاميرا، حتى أن المذيعة أخفت شعار التلفزيون عن الميكروفون، عساها تستميل أحداً لقبول الحديث معها، علماً بأن غالبية الذين قبلوا قالوا إنهم لا يتابعون التلفزيونات الرسمية، أحدهم أكد أنه يتابع، ثم تراجع معتذراً بأنه من سنوات لم يشاهد التلفزيون السوري، سيدة أخرى وبعد إظهارها الاعتزاز بمتابعة الفضائية السورية، سألت المذيعة أي قناة تقصد «قناة سما أم قناة لنا»، والقناتان محليتان خاصتان بدأتا بالبث خلال سنوات الحرب (سما 2012، ولنا 2018)، في حين أن التلفزيون السوري يعد أوائل التلفزيونات العربية، فقد بدأ بثه عام 1960.
معظم الآراء التي انتزعها فريق حملة «ساعدونا لنصير أحسن» من الشارع جاءت على شكل جمل مبعثرة، من جمهور غير متابع، وجد نفسه فجأة أمام الكاميرا، وليس لديه ما يقوله عن شيء لا يتابعه، ولا يعرف إلى من سيصل كلامه. ومع ذلك، لم تخلُ الآراء من انتقادات عائمة تصح على الإعلام الرسمي السوري في زمان ومكان، كالابتعاد عن هموم الناس، وضعف الجاذبية البصرية، وغياب التشويق، والمضامين النمطية، وعدم الاهتمام ببرامج الأطفال والرياضة.
جريدة «تشرين» الرسمية التي نشرت نتائج الاستطلاع الذي أجرته ضمن الحملة ذاتها قالت إنها ركزت في العينة التي اختارتها على أساتذة وطلاب كلية الإعلام، لكنها لم تعثر بينهم على من يتابع الصحف السورية الرسمية الثلاث (تشرين والثورة والبعث).
ربما تلك النتائج كانت متوقعة، لكن ما لم يكن متوقعاً طرحها للنقاش كدليل على الجرأة، والنية الصادقة لتطوير الإعلام المحلي، لا سيما وقد اختتمت الحملة بلقاء مطول مع وزير الإعلام عماد سارة، قدم فيه جرد حساب لعمل وزارته التي قال إنها تتحمل جزءاً من المسؤولية عما يرتكب من أخطاء في الإعلام، فثمة أخطاء حصلت ليست مسؤولة عنها، متوقفاً عند أمرين: الأول التردي التقني، وسببه شح التمويل، فحزم الإرسال والتجهيزات اللازمة للحصول على صورة بدقة عالية يحتاج إلى «مليوني دولار»، طلب من المذيع أن يحسب قيمتها بالليرة السورية ليدرك حجم الرقم المطلوب (الدولار يعادل نحو 600 ليرة)، بينما البلد في حالة حرب و«الأولوية للقوات المسلحة، ودعم أسر الشهداء، وتأمين القمح»، مشيراً إلى الصعوبات التي تواجهها وزارته في تأمين حد أدنى من تمويل مستلزمات المذيعين والمذيعات من ملابس ومكياج.
الأمر الثاني الذي توقف عنده الوزير، ويتسبب في «فقدان الثقة بالإعلام الرسمي» برأيه، هو «سياسة الصمت» المتبعة في الإعلام السوري، مؤكداً أنها «لم تعد ناجحة»، وضرب نموذجاً بيان المصدر العسكري حول تعرض مطار المزة لضربة إسرائيلية، وقال حينها تريثنا ببث النبأ، بينما كانت وسائل التواصل الاجتماعي تتداوله على نطاق واسع؛ التريث «أدى لتشكيل رأي عام، وسمح لوسائل التواصل الاجتماعي بالتأثير على الرأي العام، لذلك لا يجب ترك هذه المساحة ليتم اللعب بها بعد الآن». الوزير سارة الذي استخدم كلمة «كُبحنا»، بصيغة المبني للمجهول، لدى حديثه عن وجود أخطاء لا تتحمل مسؤوليتها وزارته، لم يمتلك في حديثه «الصريح» جرأة تسمية الجهات التي تتدخل وتكبح العمل الإعلامي في سوريا، ولا الجهات التي تقبض بيد من حديد على الحريات العامة، محولة البلاد بكاملها إلى بقعة حمراء لا مكان فيها لخطوط حمراء كانت أم أي لون آخر عدا الخضراء.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».