شبح الحرب مع أميركا وتردي الاقتصاد يزيدان معاناة الإيرانيين

مارة في شارع بالعاصمة الإيرانية طهران (أ.ف.ب)
مارة في شارع بالعاصمة الإيرانية طهران (أ.ف.ب)
TT

شبح الحرب مع أميركا وتردي الاقتصاد يزيدان معاناة الإيرانيين

مارة في شارع بالعاصمة الإيرانية طهران (أ.ف.ب)
مارة في شارع بالعاصمة الإيرانية طهران (أ.ف.ب)

سعى الإيرانيون، وسط طهران، اليوم (السبت)، إلى متابعة يومياتهم رغم خشيتهم من حرب بين دولتهم والولايات المتحدة، وإحباطهم إزاء واقع اقتصادي يزداد صعوبة.
كما في كل يوم، كانت الشاحنات في شارع كريم خان تفرّغ حمولاتها من علب الورق الأبيض الكبيرة وصناديق الحبر المرسلة إلى عشرات المطابع، يتفاوض الباعة والزبائن بشق الأنفس حول الأسعار في ظل حرارة تلامس 36 درجة مئوية، فيبدون لوهلة كأنّهم نسوا مخاطر وقوع نزاع مفتوح بين طهران وواشنطن.
غير أنّ مهراد فرزانغان صاحب متجر، يقول إنّ المخاطر تبقى ماثلة في الأذهان، ويضيف متنهداً أنّ «الناس والطبقة الوسطى هم من يعاني من الضغوط، قولوا لنا فقط إذا كانت الحرب ستقع». ويتابع: «نحن نجهل ما سيحدث، الواقع الاقتصادي يتدهور يوماً تلو آخر، العقوبات تشتد ومستوى معيشتنا يتأثر تدريجياً، كل ذلك لأنّ التوترات تتصاعد بين الحكومتين».
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أكد، أمس (الجمعة)، أنّه تراجع عن ضرب طهران قبل «عشر دقائق» من الموعد المحدد للضربة رداً على إسقاط طهران طائرة مسيّرة أميركية.
وأمس (السبت)، حذّرت طهران واشنطن من أنّ «إطلاق رصاصة واحدة باتجاه إيران سيشعل مصالح أميركا وحلفائها في المنطقة»، وتزيد هذه التطورات من منسوب التوتر لدى سكان العاصمة الإيرانية.
لم تبلغ العلاقات الثنائية هذا المستوى من التوتر منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الدولي الموقع مع إيران بشأن برنامجها النووي في 2018. وإعادة فرض عقوبات أميركية قاسية ضدّ طهران تحرمها من المكاسب الاقتصادية المتوخاة.
وبعد نحو عام من ذلك التاريخ، عززت واشنطن في مايو (أيار) 2019 حضورها العسكري في الشرق الأوسط لمواجهة «التهديد الإيراني»، ثم اتهمت الولايات المتحدة إيران بقيادة هجمات، خلال شهر، ضدّ ناقلات وسفن في الخليج، وهو ما تنفيه الأخيرة.
ولا تضع التوترات بين طهران وواشنطن الإيرانيين وحدهم في وضع هش وصعب، إذ إنّ اقتصادهم الذي يعرف مرحلة سيئة، سيعاني بدوره.
ويقول شاهرام بابايي (38 عاماً) إنّ «الوضع غير مستقر وثمة مخاطر لاندلاع حرب، حياتنا تأثرت بذلك»، ويروي مثال على ذلك: «كنا نتناول العشاء حين حلّقت طائرة على ارتفاع منخفض جداً، لم تكن طائرة حربية ولكنّ الجميع أصيبوا بالهلع لأننا سمعنا أنّ الحرب قد تندلع».
ويشرح شاهرام بابايي أنّ الواقع الحالي يصعّب اتخاذ بعض القرارات: «أصبح قرار شراء منزل كمن يقرر الدخول في مضمار سباق الحواجز بالنظر إلى دوامة التضخّم التي يغذيها، من بين أسباب أخرى، تصاعد التوتر بين البلدين.
حين تمكّن بابايي من شراء منزله المستقبلي، علم أنّ دونالد ترمب ألغى لتوّه ضربات عسكرية ضدّ طهران، ويقول: «فكرنا أنّها ليست بالضرورة الفكرة الأمثل لناحية شراء منزل في هذه الظروف».
من جانبه، يعتبر اليزيرا، قريب مهراد فرزانغان، أنّ مواجهة عسكرية مع واشنطن غير مرغوب فيها، ويشرح الشاب ذو الـ26 عاماً والعامل في إصلاح الحواسيب، أنّ «الحرب ليست حلاً، ليس بعد الآن».



بعد ضرباتها في سوريا... إسرائيل تفترض «السيناريو الأسوأ»

دبابات إسرائيلية تتنقل بين السياجين داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا (إ.ب.أ)
دبابات إسرائيلية تتنقل بين السياجين داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا (إ.ب.أ)
TT

بعد ضرباتها في سوريا... إسرائيل تفترض «السيناريو الأسوأ»

دبابات إسرائيلية تتنقل بين السياجين داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا (إ.ب.أ)
دبابات إسرائيلية تتنقل بين السياجين داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا (إ.ب.أ)

يرى محللون أن إسرائيل بتنفيذها ضربات واسعة على أهداف عسكرية سورية، وسيطرتها على المنطقة العازلة الخاضعة لمراقبة الأمم المتحدة في مرتفعات الجولان، تسعى إلى «تجنّب الأسوأ» بعد سقوط حكم آل الأسد.

وقال يوسي ميكيلبرغ، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في معهد تشاتام هاوس في لندن، إن «الحكومة الإسرائيلية... تتصرف على أساس أسوأ السيناريوهات»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وأشار محللون إلى أن بقاء بشار الأسد في السلطة كان أهون الشرور بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رغم تحالفه مع إيران، العدو اللدود للدولة العبرية، وحليفها «حزب الله» اللبناني، وذلك خوفاً من أن تؤدي إطاحته إلى فوضى.

وبُعيد سقوط الأسد، الأحد، شنّت إسرائيل خلال 48 ساعة مئات الضربات من الجو والبحر، قالت إنها طالت «أغلبية مخزونات الأسلحة الاستراتيجية في سوريا؛ خشية سقوطها بيد عناصر إرهابية».

واحتلت إسرائيل معظم هضبة الجولان السورية خلال حرب يونيو (حزيران) عام 1967. وبعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، أُقيمت منطقة عازلة منزوعة السلاح تحت سيطرة الأمم المتحدة، عقب اتفاق لفض الاشتباك بين القوات الإسرائيلية والسورية عام 1974. وضمت إسرائيل القسم المحتل من الجولان عام 1981، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي باستثناء الولايات المتحدة.

ومنذ اتفاق فض الاشتباك، لم تشهد جبهة الجولان أي تحرك عسكري من جانب سوريا.

والآن، يبدو أن القادة الإسرائيليين يخشون أن تكون الفوضى قد حلّت في سوريا أصلاً، ويتصّرفون وفقاً لذلك.

وفي يوم سقوط الأسد، أعلن نتنياهو أن اتفاق 1974 انهار، وأمر قواته بالسيطرة على المنطقة العازلة.

وقالت الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي للدولة العبرية، إن انتشار القوات الإسرائيلية في المنطقة العازلة يجب أن يكون «مؤقتاً»، بعدما قالت الأمم المتحدة إن إسرائيل تنتهك اتفاق الهدنة عام 1974.

ومذاك، شن الجيش الإسرائيلي مئات الضربات ضد أصول عسكرية سورية، مستهدفاً خصوصاً مخازن أسلحة كيميائية ودفاعات جوية تابعة للبحرية السورية؛ لإبعادها عن أيدي المقاتلين.

وقد دعا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن إلى وقف فوري لعمليات القصف الإسرائيلية.

من جهته، قال المحلّل داني سيترينوفيتش، من معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، إنه يتوقع أن توسّع إسرائيل ضرباتها، موضحاً: «كل شيء استراتيجي في سوريا (...) الصواريخ والطائرات، وكذلك مركز البحوث العلمية (التابع لوزارة الدفاع)، كل شيء سيقصف».

وأضاف: «لا نعرف من سيتصدى لنا من الجانب السوري، سواء كان تنظيم (القاعدة) أو (داعش) أو أي تنظيم آخر، لذلك علينا أن نكون مستعدين لحماية مدنيينا».

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إنه مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أصدر تعليمات للجيش «بإقامة منطقة خالية تماماً من السلاح والتهديدات الإرهابية في جنوب سوريا من دون وجود إسرائيلي دائم».

وقال أفيف أوريغ، المحلل في مركز المعلومات مئير عميت، إن مصدر القلق الرئيسي على المدى القصير بالنسبة إلى إسرائيل هو المخزونات المتبقية من الأسلحة الكيميائية، وغيرها من الأسلحة الاستراتيجية.

وذكّر بالماضي الجهادي لبعض فصائل المعارضة السورية، موضحاً: «إذا وقعت هذه الأسلحة بين أيديهم فمن يدري ماذا سيفعلون بها؟».

لكنّ ميكلبرغ رأى أن تلك الطريقة «ليست الأفضل لبناء الجسور مع الحكومة الجديدة»، لافتاً إلى كثافة الضربات الإسرائيلية وحجمها.

الأكراد والدروز

وفي وقت يسود فيه تفاؤل في سوريا بشأن مستقبل البلاد، يتوقع بعض المحللين الإسرائيليين أن تكون البلاد مجزأة.

وقال إيال بينكو، وهو ضابط بحري متقاعد وخبير أمني، إنه يتوقع أن تنقسم سوريا إلى مجموعات إثنية - دينية، موضحاً: «أعتقد أنه لن تعود هناك سوريا».

من هذا المنطلق، يمكن لإسرائيل أن تختار مجموعات دون أخرى للعمل معها.

والاثنين، قال وزير الخارجية جدعون ساعر إن أكراد سوريا الذين وصفهم بأنهم «قوة الاستقرار»، يجب أن يتمتعوا بحماية المجتمع الدولي، فيما تحدث سابقاً عن العمل مع الأكراد في شمال شرقي البلاد والدروز في الجنوب.

وقال بينكو: «لا أعتقد أنهم سيحكمون سوريا... لكن إسرائيل ستحاول الدخول في سلام مع من يرغب فيه».

من جهته، رأى ميكيلبرغ أن العمل العسكري في الجولان، وتفضيل مجموعات على أخرى، سيشكلان خطأ من شأنه أن يضر بأي علاقة مستقبلية.

محادثات نووية

على مدى عقود، كانت سوريا حليفاً وثيقاً لطهران، والركيزة الأساسية للجسر البري الذي كانت تصل عبره الأسلحة الإيرانية إلى «حزب الله».

وبعدما تضرر بشدّة خلال حربه الأخيرة مع إسرائيل، قد يجد «حزب الله» الآن صعوبة في إعادة تسليحه دون روابط بسوريا.

وقال سيترينوفيتش إن سوريا «أساسية» بالنسبة إلى «حزب الله»، «وأنا أقول إنه دون سوريا تحت تأثير إيران، فلن يكون هناك في الواقع محور مقاومة».

وأيّده بينكو في ذلك قائلاً: «الخطر المرتبط بالمحور، (حزب الله) وسوريا وإيران والميليشيات العراقية أيضاً، أقل بكثير» الآن.

لكن السؤال الأهم هو: كيف يمكن لإيران أن ترد بينما أصبح موقفها أضعف؟ وقال سيترينوفيتش إن طهران قد «تسارع لإنتاج قنبلة (نووية)».

وهو ما قاله أيضاً أوريغ، مشيراً إلى أن ذلك يشكّل مصدر القلق الاستراتيجي الرئيسي لإسرائيل؛ «لأنه عندما تتعامل مع إيران مسلّحة نووياً، فإن الأمر سيكون مختلفاً تماماً».

إذا بدأت إيران تصنيع أسلحة ذرية، فقد تقرر إسرائيل القيام بعمل عسكري كما يتوقع البعض، لكنّ آخرين قدموا فرضية بديلة، وهي أنه يمكن جعل إيران تتفاوض بعدما أُضعفت الآن.