زعماء أوروبا «قلقون» من تطورات الأزمة الإيرانية

ألمانيا وبريطانيا تدعوان إلى تسوية الأزمة بالطرق السلمية... وموسكو تحذر: خطر النزاع ما زال موجوداً

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تعقد مؤتمراً صحافياً في نهاية قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل أمس (أ.ف.ب)
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تعقد مؤتمراً صحافياً في نهاية قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل أمس (أ.ف.ب)
TT

زعماء أوروبا «قلقون» من تطورات الأزمة الإيرانية

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تعقد مؤتمراً صحافياً في نهاية قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل أمس (أ.ف.ب)
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تعقد مؤتمراً صحافياً في نهاية قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل أمس (أ.ف.ب)

أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمس، عن قلق زعماء دول الاتحاد الأوروبي بشأن الأزمة الإيرانية في المنطقة بعد تقارير أفادت بأن الولايات المتحدة كانت على وشك توجيه ضربات عسكرية ضد إيران. وفي الوقت نفسه حثت الحكومة الألمانية على تسوية الأزمة بـ«الطرق السلمية». ودعت بريطانيا إلى نزع فتيل التوتر على كل الجبهات في الشرق الأوسط، مؤكدة أنها على تواصل مستمر مع حليفتها الولايات المتحدة بشأن الأوضاع وحث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أطراف النزاع إلى تجنب التصعيد حفاظا على أمن المنطقة وفي موقف مشابه، في حين دعا الكرملين إلى ضبط النفس في الخلاف بين طهران وواشنطن.
وقالت ميركل بعد قمة للاتحاد الأوروبي استغرقت يومين في بروكسل «يساورنا القلق بشأن الوضع ونؤيد المفاوضات الدبلوماسية والتوصل إلى حل سياسي لموقف متوتر للغاية»، بحسب «رويترز».
وذكرت ميركل أن مستشاري شؤون السياسة الخارجية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ناقشوا الوضع على هامش القمة.
في برلين، قالت نائبة المتحدث باسم الحكومة الألمانية، مارتينا فيتس، إن ألمانيا تسعى إلى التأثير من هذا المنطلق على أطراف النزاع كافة، وبخاصة إيران، ودعت إلى تسوية النزاع الحالي في الخليج بالطرق السلمية.
وبحسب تقديرات الحكومة الألمانية، يريد الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجنب نزاع حربي. وقالت فيتس، إن الحكومة الألمانية ترحب بذلك.
ولم يتضح من تصريحات المتحدث الألمانية ما إذا كانت برلين تجري اتصالات بعد تصاعد التوتر، وبخاصة بشأن تحذيرات محتملة من الولايات المتحدة.
وأتى حادث إسقاط طائرة الدرون بعد نحو أسبوع من زيارة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى طهران بهدف خفض التوتر، وذلك بعد أيام قليلة من هجوم استهدف ناقلتي نفط في خليج عمان.
وقالت فيتش عن هجمات الأخيرة في مضيق هرمز، إن مثل هذه الأعمال لا تعرض فقط الأفراد للخطر، بل قد تساهم أيضاً في تصعيد النزاع، مؤكدة ضرورة ضمان حماية السفن التجارية، موضحة أن هذا مهم بالنسبة لألمانيا أيضاً بصفتها دولة تجارية.
وبحسب بيانات وزارة الدفاع الألمانية، فإن مهمة التدريب التي تقوم بها القوات الألمانية في دولة العراق المجاورة لإيران تسري على نحو طبيعي حتى الآن. ووفقاً للبيانات، يوجد بالقرب من العاصمة العراقية بغداد وفي إقليم كردستان العراق 150 جندياً ألمانياً لتدريب قوات أمن هناك.
وقالت متحدثة باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، أمس، إن لندن تتابع باستمرار مع واشنطن الأوضاع مع إيران، وأفادت «رويترز» عن المتحدثة «قلنا مراراً وتكراراً إننا ندعو إلى نزع فتيل التوتر على كل الجبهات، ولطالما أوضحنا مشاكلنا مع الأنشطة الإيرانية». وأضافت: «لا نعتقد أن التصعيد سيصب في مصلحة أي طرف، ونواصل الحوار مع الولايات المتحدة وشركائنا».
وقبل بدء أعمال القمة دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أطراف النزاع كافة إلى ضبط النفس، وقال: «لن يكسب أحد شيئا من التصعيد، لا سيما من التصعيد العسكري»، مضيفا أن الأمر يتعلق بالحفاظ على أمن المنطقة.
ومن جانبه، قال رئيس المفوضية الأوروبية دونالد توسك: «أحيانا يكون من الأفضل عدم التدخل»، مضيفا أن أكبر المشكلات في التاريخ تأججت في الغالب بسبب السياسة النشطة وليس بسبب السياسة السلبية، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية.
ومن المرجح أن تعود بريطانيا وألمانيا إضافة إلى فرنسا والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا إلى طاولة مباحثات نووية حساسة في فيينا لبحث سبل إنقاذ الاتفاق النووي في 28 يونيو (حزيران)، وذلك قبل عشرة أيام من مهلة تضمنها قرار صادر من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني وخفضت إيران بموجبه تعهدات تتعلق بمخزون اليورانيوم المخصب والمياه الثقيلة.
وهددت إيران في وقت سابق من هذا الأسبوع برفع نسبة تخصيب اليورانيوم وإعادة أجزاء أزالتها بموجب الاتفاق النووي من منشأة أراك للمياه الثقيلة.
والأسبوع الماضي، قال الاتحاد الأوروبي في البيان، إن الاجتماع سيبحث كيفية «التعامل مع التحديات الناجمة عن انسحاب الولايات المتحدة وإعادة فرض العقوبات على إيران». وأضاف أن مسؤولين كباراً سيبحثون أيضاً «الإعلانات التي صدرت في الآونة الأخيرة من إيران بشأن تنفيذ التزاماتها النووية».
وقالت منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني، أول من أمس «من المهم لنا الحفاظ على وفاء إيران بالتزاماتها بالكامل». وتعهدت أيضاً بتهدئة التوتر بين إيران والولايات المتحدة «لضمان تجنب التصعيد».
إلى ذلك، دعا المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أمس، الأطراف كافة لضبط النفس في الموقف المتعلق بإيران، وقال: إن موسكو قلقة من تفاقم التوتر بين واشنطن وطهران.
بدوره، قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، إن خطر النزاع بين الولايات المتحدة وإيران ما زال موجوداً، مشدداً على واشنطن «التفكير في العواقب وعدم اتخاذ خطوات متهورة».
ونقلت وكالة «إنترفاكس» الروسية عن ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي قوله أمس إن بلاده مستعدة لمساعدة إيران بشأن صادرات النفط وقطاعها المصرفي إذا لم يتم تدشين نظام المدفوعات الأوروبي انستكس.
وأنشأت دول أوروبية آلية انستكس في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي في مسعى للحفاظ على الاتفاق النووي والالتفاف على العقوبات الأميركية.
واتهم ريابكوف الولايات المتحدة بارتكاب أخطاء أدت إلى «إشعال أغلب الحرائق في الشرق الأوسط»، محذراً من أن «خطر النزاع ما زال قائماً، ونحن ندعو مرة أخرى الشخصيات المسؤولة، إذا كانوا موجودين في واشنطن، إلى التفكير في العواقب وعدم اتخاذ خطوات متهورة»، حسبما ذكرت أمس وكالة سبوتنيك الروسية.
وأضاف ريابكوف أن «الولايات المتحدة تتعمد اتباع نهج تصعيد الموقف. إنها تثير الموقف وتدفعه إلى هاوية النزاع المفتوح».



عودة ترمب للبيت الأبيض... فرصة للحوار أم تهديد لإيران؟

ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)
ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)
TT

عودة ترمب للبيت الأبيض... فرصة للحوار أم تهديد لإيران؟

ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)
ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)

منذ فوزه في الانتخابات الرئاسية، تباينت آراء الخبراء والسياسيين الإيرانيين حول عودة دونالد ترمب للمكتب البيضاوي، وتأثيرها على إيران. ويراها البعض فرصة للتفاوض بناءً على ميول ترمب للحوار، بينما يرى آخرون أن عودة سياسة «الضغط الأقصى» بما فيها العقوبات الاقتصادية والخيار العسكري، لا تزال احتمالاً قائماً.

ويعتقد مؤيدو التفاوض المباشر مع واشنطن أن غياب إيران عن أولويات ترمب الأولى يمثل فرصة لتخفيف الضغوط وفتح باب للحوار، خصوصاً في ظل فتوى تحظر الأسلحة النووية في إيران.

في المقابل، يحذِّر منتقدو الحوار من «تغلغل» أميركي واستغلال التفاوض لفرض تنازلات، ويشيرون إلى انعدام الثقة وتجارب الماضي، بما في ذلك انسحاب ترمب من الاتفاق النووي.

وأشارت صحيفة «شرق» الإيرانية إلى «قلق» بين غالبية الخبراء، وقالت إن احتمالية عودة سياسة «الضغط الأقصى»، مثل تقليص صادرات النفط الإيراني، وتحريك آلية «سناب باك»، وعودة القرارات الأممية، وحتى احتمال اللجوء إلى الخيار العسكري، لا تزال قائمة.

وفي المقابل، هناك فئة ترى أن عودة ترمب قد تخلق فرصاً أكبر لإيران للتفاوض والوصول إلى اتفاق، نظراً لميول ترمب للتفاوض. وقال علي مطهري، نائب رئيس البرلمان الإيراني السابق، إن عودة ترمب قد تمثل فرصة وليس تهديداً لإيران، خصوصاً إذا أظهر ترمب رغبة في التفاوض.

ودعا مطهري إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع الحكومة الأميركية بدلاً من الاعتماد على الوسطاء؛ لأن «التجربة السابقة أظهرت أن المفاوضات غير المباشرة لم تحقق النتائج المرجوة».

ورأى أن «تطوُّر الوضع في منطقة الشرق الأوسط، مثل الاتفاقات مع روسيا ووقف إطلاق النار في غزة، يجعل إيران في موقع قوي للتفاوض من موقف متساوٍ مع الولايات المتحدة»، وأضاف: «في ظل الأوضاع الحالية أفضل قرار هو بدء المفاوضات».

ومن جهتها، تحدثت صحيفة «اعتماد» الإصلاحية عن جدار مرتفع من انعدام الثقة بين إدارة ترمب وطهران. وقالت: «كثيرون في إيران يترقبون أي ترمب سيواجهون؟»، في إشارة إلى «التوقعات المتباينة» حول كيفية تعامل ترمب مع إيران.

وقال الناشط الإصلاحي، محمد هاشمي رفسنجاني للصحيفة إن «برنامج حكومة ترمب ليس خوض صراعات مع إيران في الشرق الأوسط، بل السعي لحل القضايا العالقة مع طهران بأسرع وقت ممكن». وقال: «ترمب أعلن أنه إذا لم تمتلك إيران أسلحة نووية، فبإمكان البلدين بناء علاقات بناءة في مجالات أخرى. كما أن بناء الأسلحة النووية محظور في إيران وفقاً لفتوى القيادة، وإيران ليس لديها برنامج لتنفيذه».

ونقلت الصحيفة عن الناشط الإصلاحي محمد صادق جواد حصار قوله إنه «في حال التزم ترمب بتعهدات لتهدئة التوترات في منطقة الشرق الأوسط وإقامة علاقات بناءة مع إيران فإن ذلك سيؤثر إيجاباً في الساحتين السياسية والاقتصادية في إيران».

أما الناشط المحافظ، حسين كنعاني مقدم فقد قال للصحيفة إن «ترمب يعمل على تمهيد الطريق للاستفادة من القوى العالمية مثل الصين وروسيا، وكذلك القوى الإقليمية مثل إيران التي لها تأثير في المعادلات السياسية والإقليمية. بالنظر إلى حقيقة أن حكومة بزشكيان هي حكومة وفاق وطني، يبدو أن هناك إشارات تُرسل إلى أميركا مفادها أن إيران مستعدة للعمل على حل القضايا الإقليمية».

ويعتقد النائب السابق حشمت الله فلاحت بيشه، أن غياب إيران عن أوامر ترمب التنفيذية الأولى وسعيه للابتعاد عن الأزمات الإقليمية «مؤشر» على تراجع نفوذ المتشددين في واشنطن وإمكانية فتح قنوات للتفاوض، رغم توقعات بضغط اقتصادي محدود.

وأكد فلاحت بيشه في افتتاحية صحيفة «آرمان ملي»، غياب اسم إيران من أول أوامر تنفيذية وقَّعها ترمب في يومه الأول، وهو «مؤشر إيجابي»، وذلك بعد توقعات بأن تتضمن أوامره الأولى عقوبات على طهران.

وقال فلاحت بيشه الذي كان رئيساً للجنة الأمن القومي، إن إيران «ليست ضمن أولويات إدارة ترمب العشرين الأولى؛ إذ تتركز أغلب أولوياته على إدارة الشؤون الداخلية، وتحقيق وعوده الانتخابية».

وكتب: «عدم وجود إيران ضمن أولويات ترمب لا يُعد عاملاً سلبياً، بل قد يُشكل فرصة إيجابية، لو كانت إيران من أولوياته لكان من المحتمل أن تتحول إلى هدف تجريبي للرئيس الأميركي الجديد». وأضاف: «سعي ترمب للابتعاد عن الأزمات الإقليمية وعدم فرض ضغوط قصوى على إيران في أول يوم عمل له يُظهر تراجع نفوذ المتشددين، واحتمالية تقديم مقترح للتفاوض من قِبَل الولايات المتحدة، على الرغم من إمكانية بدء ضغوط اقتصادية محدودة».

من جهة أخرى، واصلت صحيفة «كيهان» الرسمية انتقاداتها لمسؤولين في حكومة مسعود بزشكيان بسبب تأييدهم التفاوض مع الولايات المتحدة. وقالت إن تصريحات الرئيس التي تحدث فيها بحذر عن المفاوضات مع أميركا «تتناقض مع أقوال نوابه ومستشاريه التي يترتب عليها عواقب للبلاد».

وكان مستشار الرئيس الإيراني علي عبد العلي زاده، قد قال نهاية الشهر الماضي، إن «مجموعة الحكم وصلت إلى قناعة بضرورة التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة».

وحذرت «كيهان» من «التسلل»، وقالت: «كثير من القلاع صمدت أمام الضربات القوية، لكن أبوابها فُتحت بيد عناصر خائنة ومتسللة». وهاجمت وسائل إعلام مؤيدة لمسعود بزشكيان قائلة إنها «تعد التفاوض مع أميركا الحل الوحيد لإنقاذ الاقتصاد».

وقالت: «إثبات ما إذا كانت أميركا مستعدة للالتزام بالتوافق أو لا، هل يكون بناءً على (التجربة الماضية) أو بناءً على وعد آخر من أميركا أو توقيع آخر مثل توقيع جون كيري على الاتفاق النووي؟! إذا كانت أميركا قد أثبتت استعدادها لعبد العلي زاده، فمن الأفضل أن يعرف الناس طريقة هذا الإثبات». وأشارت أيضاً إلى الشكوك التي أبداها مستشار بزشكيان في التوصل لاتفاق خلال شهرين إلى ثلاثة من المفاوضات، وحذر من «مراوغة» ترمب لإجبار طهران لتقدم التنازلات، ودفع «لتغيير القواعد تحت الطاولة»، وسخِرت صحيفة «كيهان» من ذلك قائلة: «من أين جاءك هذا الاعتقاد بشأن تحت الطاولة من أمريكا، أيها المستشار؟! لماذا تشك في أميركا وتزرع اليأس في نفوس الناس من الآن؟!».