«العسكري» السوداني يقيل النائب العام... ويوقف مدبر فض الاعتصام

تجدد الاحتجاجات بقوة... والمهنيون يشترطون لجنة تحقيق دولية للعودة إلى التفاوض

حميدتي خلال لقائه بحشد نسائي في الخرطوم أمس (رويترز)
حميدتي خلال لقائه بحشد نسائي في الخرطوم أمس (رويترز)
TT

«العسكري» السوداني يقيل النائب العام... ويوقف مدبر فض الاعتصام

حميدتي خلال لقائه بحشد نسائي في الخرطوم أمس (رويترز)
حميدتي خلال لقائه بحشد نسائي في الخرطوم أمس (رويترز)

أكد المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في السودان، أمس، ضبط مدبر أحداث فض الاعتصام ومقتل المحتجين السلميين، في 29 رمضان الماضي، وفي الوقت نفسه تخلى عن تكوين حكومة «تكنوقراط» من جانب واحد، متعهدا بمحاكمة رموز النظام القديم، وحمل مسؤولية تأخير المحاكمات للنيابة العامة، حيث تم إقالة النائب العام وتعيين بديلا عنه.
وقال نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني محمد حمدان دقلو «حميدتي»، لحشد نسائي من مؤيديه بالخرطوم، أمس، إن اللجان المختصة ألقت القبض على «شخصية» - لم يحددها لكنه وعد بالكشف عنها قريباً - ضالعة في أحداث فض الاعتصام وأحداث العنف التي رافقته وأدت إلى مقتل عشرات المدنيين في 3 يونيو (حزيران) الماضي، وأضاف: «الآن توصلنا للشخص المتسبب في الأحداث»، وتابع أن سلطاته لن تتردد في اعتقال ومحاكمة «أي شخص يتجاوز حدوده»، سواء كان من الضباط والعسكريين أو من المدنيين.
وجدد حميدتي تبرئة قواته «الدعم السريع» التي تتهمها قوى الحرية والتغيير والمحتجين بالضلوع في فض الاعتصام، وقتل 128 معتصما سلميا، وجرح المئات، فضلاً عن ارتكاب حالات اغتصاب تم توثيق 12 منها، بحسب تجمع المهنيين السودانيين، ومقتل 61 بحسب وزارة الصحة السودانية.
وبشأن أحداث الثامن من رمضان الماضي، والتي راح ضحيتها 6 معتصمين سلميين، أثناء محاولة إزالة المتاريس من «شارع النيل»، برأ حميدتي قواته منها وقال إنهم ألقوا القبض على 14 عسكريا تابعا للقوات النظامية ارتكبوا الجريمة، وبينهم 5 سجلوا اعترافات قضائية، وتابع: «هذه الحكاية ستكشف في المستقبل».
واتهم جهات لم يحددها بارتداء أزياء قواته وارتكاب الجريمة، بقوله: «23 شخصا في بورتسودان لبسوا أزياء الدعم السريع»، مشيرا إلى أن «كاكي الدعم السريع موجود في الأسواق، وقبضنا على أكثر من مجموعة ترتديه». وأضاف: «الدعم السريع ليس كله (دعم سريع)»، بيد أنه قال: «الدعم ليسوا كلهم ملائكة... عندنا محكمة ميدان، وأي زول تجاوز حدوده من القوات النظامية يتعاقب»، واستطرد: «لدينا رقم هاتف يعمل على مدار الساعة، لتلقي الشكاوى».
وتوعد بمحاكمة الفاسدين من رموز النظام المعزول كافة، وانتقد تأخير المحاكمات وحمل المسؤولية عنه للنيابة العامة، وأشار إلى تأخر كثير من القضايا، منها قضية مقتل معلم في مدينة خشم القربة و9 ملفات فساد لأشخاص من المفترض أن يقدموا لمحاكمات، وأضاف: «من اليوم فصاعدا ستبدأ كل المحاكمات وتظهر كل الخفايا... العدالة والقانون (لازم تأخذ مجراها)».
وأدى النائب العام السوداني الجديد «عبد الله أحمد عبد الله» اليمين الدستورية، أمام رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان، وذلك بعد ساعات من إعلان إقالة النائب العام السابق «الوليد سيد أحمد».
وتناقل المعارضون «تسريبات» أشارت إلى أن النائب العام المقال رفض الاعتراف باللجنة العسكرية التي كونها المجلس العسكري للتحقيق في مقتل المعتصمين السلميين أثناء أحداث فض الاعتصام، ووصفها بأنها «لجنة عسكرية غير مستقلة».
وذكر المتحدث باسم المجلس العسكري شمس الدين الكباشي الخميس الماضي، أن النائب العام ورئيس القضاء، شاركا في اجتماع فض الاعتصام من أمام القيادة العامة، لكن النائب العام المقال نفى، وهدد بتقديم استقالته حال التدخل في سلطاته.
وفي سياق آخر، دعا حميدتي للتوافق والوصول لحكومة كفاءات مستقلة من دون إقصاء لأحد، لقطع الطريق أمام ما أطلق عليه «التأسيس للشمولية»، وقال: «الاختلاف يأتي بسبب الظلم، وعمر البشير كان ظالماً والمعارضة ظالمة (قوى الحرية والتغيير)، نحن نريد حكومة كفاءات مكونة من مستقلين، هذا وقت المستقلين، وليس وقت أصحاب الأجندات».
وانتقد حميدتي الفترة الانتقالية التي تطالب بها قوى إعلان الحرية والتغيير، وقال: «لماذا تريد 4 سنوات فترة انتقالية... أنت تريد التأسيس لتمكين مثلما فعل البشير، هذا لن يحدث»، وأضاف: «الفترة الانتقالية سنتان، وبعدها يأتي دور صندوق الانتخابات في كل السودان، نحن لا نريد عمر بشير ثانيا، انتخابات تراقبها الدول والمجتمع الدولي، ولن يكون هناك صندوق يتم تبديله، أو صندوق يتم ملؤه بأصوات غير حقيقية»، في إشارة لتزوير الانتخابات في عهد النظام المعزول.
وقطع بأن دور المجلس العسكري سيكون دوراً رقابياً، ولن يتدخل في عمل الحكومة، وضامناً لأمن البلاد، وقال: «ياسر العطا - عضو المجلس - قال لهم خلونا (أجاويد) لنحكم بينكم حين تختلفوا» وأضاف: «لو تم التفاوض اليوم أو بعد يومين أو بعد سنة، يجب أن نصل لانتخابات، وفي هذه المرحلة نريد أن يحكم المستقلين، والمجلس العسكري لا علاقة له بالحكومة».
وندد حميدتي بتوجيه الاتهامات للمجلس وقواته، وهدد بتقديم أي شخص «يقول كلمة» في حقها للمحاكمة، في وقت أبدى سعادته بالحشد النسوي الذي أعلن تفويض المجلس العسكري بتشكيل الحكومة، وقال موجها حديثه لمعارضيه: «لا تتهمونا بأننا (كيزان) لو اختلفنا معكم في الرأي»، واستطرد: «نحن لم يؤذنا إلاّ المسيسون، قالوا لنا أنتم مائلون للإسلاميين، نحن لسنا منافقين، فالمؤتمر الوطني حكم وانتهى، وهذا التغيير حقيقي، قبضنا على رموز النظام بانتظار المحاكمة، لكن أيضا ليس كل المؤتمر الوطني مجرمين».
من جهة أخرى، تجددت الاحتجاجات بقوة في الشارع السوداني، وخرج المئات في مظاهرات حاشدة في مدن «الأبيض - غرب، مدني - وسط، بورتسودان - شرق»، مطالبة بحكومة مدنية والقصاص من قتلة «مجزرة» فض الاعتصام في الخرطوم والمدن الأخرى.
وقال تجمع المهنيين السودانيين في نشرات متتالية على موقعه على «فيسبوك» أمس، إن حراك المهنيين والموظفين والعمال الثوري في الخرطوم ومدن البلاد، تواصل بحسب الجدول الذي أعدته قوى إعلان الحرية والتغيير بداية الأسبوع.
ووفقاً للتجمع، نفذ العشرات من العاملين بالمالية والكهرباء والنفط والمستشفيات والبنوك والمصارف وشركات في القطاع الخاص وقفات احتجاجية، رفعوا خلالها شعارات تطالب المجلس العسكري بتسليم السلطة للمدنيين فوراً، ونددوا عبرها بقتل المدنيين العزل في عملية فض الاعتصام أمام القيادة العامة.
وقال التجمع إن مجموعة من «قوات الدعم السريع» ألقت القبض على 4 من العاملين في وزارة النفط والغاز بالخرطوم، لمشاركتهم في وقفة احتجاجية مؤيدة لمطالب قوى إعلان الحرية والتغيير.
وحذر التجمع المجلس العسكري من الإقدام على تشكيل حكومة تصريف الأعمال التي يلوح بها قادته، لإبعاد قوى الحرية والتغيير، وأكد أنها خطوة غير مجدية من شأنها زيادة الأوضاع تعقيداً بما ينسف الاستقرار في البلاد.
وطلبت الوساطة الإثيوبية من طرفي الأزمة في السودان، ووقف التصعيد وعدم اتخاذ أي إجراءات أحادية يمكن أن تعرقل استئناف التفاوض، في وقت يتوقع أن يعود فيه ممثل رئيس الإثيوبي آبي أحمد والذي يتابع المبادرة إلى الخرطوم صبيحة اليوم، ليواصل جهوده في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، للوصول إلى حل لأزمة الحكم التي تشهدها البلاد.
وقال القيادي بتجمع المهنيين محمد يوسف المصطفى في مؤتمر صحافي أمس: «نرفض أي دور مركزي ومؤثر للمجلس العسكري في إدارة البلاد»، وقطع بأن «كبار الضباط» لم ينحازوا إلى الشعب، بل عملوا على قطع الطريق أمام الثورة التي ساندها الضباط والجنود الثوريون. وأضاف المصطفى: «العسكري غير مقتنع بما حدث من تغيير في البلاد، لذلك ظل على الدوام يصدر قرارات معادية للثورة، بالتعاون مع سدنة النظام البائد».
وجدد المصطفى تأكيد عدم العودة للتفاوض مع العسكري «إلاّ بعد تشكيل لجنة دولية للتحقيق في مجزرة فض الاعتصام، التي خلفت مئات القتلى وآلاف الجرحى»، مشدداً على محاسبة كل الجناة المتورطين في هذه الجرائم البشعة، بحسب عبارته.
من جهته، قال المجلس العسكري الانتقالي في بيان على صفحته الرسمية على «فيس بوك» أمس، إن رئيسه عبد الفتاح البرهان التقى رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في السودان السفير جان ميشيل دوموند، وتناول معه الوضع السياسي في البلاد، وعملية التفاوض مع القوى السياسية.
ونقل البيان عن السفير دوموند قوله إن اللقاء بحث سير الحوار بين المجلس العسكري والقوى السياسية بشأن ترتيبات الفترة الانتقالية وتشكيل الحكومة المدنية، ووصف اللقاء بأنه «اتسم بالوضوح والصراحة».
وأعلن السفير دوموند - وفقا للبيان - دعم الاتحاد لوساطة الاتحاد الأفريقي والجهود الإثيوبية لـ«تسهيل التفاوض بين الأطراف السودانية، واحتفاظه بتواصل مستمر مع القوى السياسية، خاصة قوى إعلان الحرية والتغيير»، وقال إنه يولي الوضع الراهن في السودان اهتماماً كبيراً.
وكشف الدبلوماسي الأوروبي تشجيع اتحاده لـ«جميع الأطراف السودانية للوصول إلى تسوية، تضع السودان على مسار السلام والوحدة والديمقراطية والازدهار».
وقال دوموند إن رئيس المجلس أوضح له أنهم لم يكونوا ينوون فض الاعتصام، «لكن هناك جهات تدخلت، وإن هناك تحقيقات شفافة وذات مصداقية تجرى الآن في هذا الشأن».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.