عندما رفضت أميركا قبول اليهود الهاربين من هتلر

مايكل دوبز يثير ضجة أخرى بكتابه الجديد

عندما رفضت أميركا قبول اليهود الهاربين من هتلر
TT

عندما رفضت أميركا قبول اليهود الهاربين من هتلر

عندما رفضت أميركا قبول اليهود الهاربين من هتلر

اشتهر الصحافي المخضرم مايكل دوبز (69 عاماً) بكتاباته الجريئة عن موضوع أميركي حساس: العلاقات مع اليهود. لكنه، في الحقيقة، متخصص في شؤون روسيا ودول شرق أوروبا، من قبل أن يبدأ العمل مع صحيفة «واشنطن بوست» (1980 - 2012).
ومن كتبه عن المعسكر الشرقي: «سقوط الإمبراطورية السوفياتية» (جمع كثيراً من معلوماته عندما كان مدير مكتب «واشنطن بوست» في موسكو)، و«دقيقة قبل منتصف الليل» (عن أزمة الصواريخ الروسية في جزيرة كوبا، عام 1962)،
لكنه اشتهر أكثر بسبب كتابين عن العلاقة بين الأميركيين واليهود:
الكتاب الأول: «مادلين أولبرايت: ملحمة القرن العشرين»، وفيه كشف أن وزيرة خارجية أميركا في عهد الرئيس بيل كلينتون يهودية. وكانت هي، كل حياتها في الولايات المتحدة، تنفى ذلك (منذ أن هاجرت مع عائلتها إلى الولايات المتحدة، وكان عمرها 10 سنوات، حتى عندما صارت وزيرة للخارجية).
وكشف دوبز أن اسمها الحقيقي هو ماريا جانا كوربيلوفا، وثارت ضجة كبيرة حينها في الولايات المتحدة.
ويثير كتابه الجديد عن العلاقة بين الأميركيين واليهود ضجة أخرى، وذلك لأنه يتحدث عن موضوع حساس آخر: رفض الحكومة الأميركية إيواء اليهود الذين هربوا من النازية في ألمانيا.
اسم الكتاب: «المرفوضون: أميركا واليهود وقرية بينهما»، وهو يتناول أساساً محنة عائلة يهودية، وبشكل خاص عن طفلة يهودية من هذه العائلة هي «هايدي واشنهايمر» (14 عاماً) التي كانت تعيش مع عائلتها في قرية «كيبنهايم»، في بولندا.
وعندما احتلت قوات هتلر بولندا، وصارت تنقل اليهود إلى معسكرات إبادة، هربت العائلة إلى فرنسا، ثم حاولت الهروب إلى الولايات المتحدة. لكن الرئيس فرانكلين روزفلت كان قد أصدر أمراً بمنع دخول اليهود، وأمر السفارات الأميركية حول العالم بعدم منحهم تأشيرات دخول.
وينقل الكتاب تفاصيل مناقشات داخل البيت الأبيض، برئاسة الرئيس فرانكلين روزفلت، «رفضت، مراراً وتكراراً، الموافقة على قبول اللاجئين اليهود»، وأن روزفلت نفسه «صار ضحية النفعية السياسية، والضغط الشعبي، بعدم القيام بأي شيء».
وحتى جهود السيدة الأولى، إليانور روزفلت، لإقناع زوجها بإصدار قانون لحماية أطفال اللاجئين اليهود (وليس بالضرورة كل اللاجئين اليهود) لم تنجح، و«كان ذلك قبل وصول تفاصيل أهوال المحرقة».
لهذا «عندما دخل العالم ساحة الحرب، وأغلقت الدول الغربية أبوابها»، واجه اليهود، خصوصاً يهود قرية «كيبنهايم»، مصيرهم المحتوم. حاصرتهم الميليشيا النازية، ثم نقلت بعضهم إلى فرنسا، ونقلت آخرين إلى محارق، وهناك أحرق والدا هيدي (هوغو واشنهايمر، وبيلا واشنهايمر) في عام 1942.
ويسجل الكاتب هنا تفاصيل نقاشات ساخنة كانت تدور آنذاك بين مسؤولين أميركيين، بالإضافة إلى الرئيس روزفلت، حول قبول أو عدم قبول اللاجئين اليهود، مستنتجاً من ذلك أن الأميركيين كانوا يخافون من «طابور خامس يهودي»، وأنهم كانوا يميلون للانعزالية، وكره الأجانب، ومعاداة السامية.
ولاحظ الكتاب أن نسبة غير قليلة من الرأي العام الأميركي (خصوصاً مع مجيء الرئيس دونالد ترمب) ما تزال تؤمن بذلك.
إن الأميركيين، كما يقول دوبز، «لا ينكرون وقوع الهولوكوست (قتل وحرق ربما 6 ملايين يهودي)، لكنهم غامضون في الحديث عن التفاصيل».
ففي العام الماضي، أوضح استطلاع عام وسط الأميركيين أن هذا الموضوع، حقيقة، ما يزال غامضاً جداً. فقد ذكر نحو
30 في المائة من الأميركيين أن العدد ليس 6 أو 5 ملايين يهودي، ربما مليونين أو أقل، وذكر 80 في المائة منهم أنهم لم يزوروا متحف هولوكوست (المحرقة اليهودية)، رغم وجود أكثر من 70 متحفاً ونصباً تذكارياً في ولايات أميركية مختلفة.
لكن الكارثة الكبرى، كما يضيف المؤلف، ليست هنا. هي في الجيل الجديد (جيل الألفية) الذي يبدو أنه لا يعرف، ولا يريد أن يعرف، ما حدث لليهود.
وسط الجيل الجديد، قالت نسبة 60 في المائة تقريباً إنها لا تعرف «أوشفتس» (أكبر معسكرات اعتقال وحرق اليهود)، وقالت نسبة 22 في المائة إنها لم تسمع بكلمة «هولوكوست» (المحرقة اليهودية).
وفي نهاية الكتاب، ربط المؤلف بين الماضي والحاضر، قائلاً: «ها قد عاد الخوف من الأجانب، ومن (الطابور الخامس)». ونقل الكتاب قول سيناتور أميركي معارض للمهاجرين: «إذا كانت لدي صلاحية، سأبنى اليوم جداراً حول الولايات المتحدة مرتفعاً وآمناً، ولا يقدر أي لاجئ أجنبي من أي دولة على وجه الأرض أن يتسلقه».
وعندما عاد مؤلف الكتاب إلى قرية «كيبنهايم»، كتب: «في الشارع، على الجانب الآخر من منزل عائلة فالفار اليهودية التي نقلت إلى معسكر أوشفتس وأحرقت، يوجد منزل فيه عائلة أكراد هربوا من سوريا».
وأضاف: «ها هو التاريخ يعيد نفسه».


مقالات ذات صلة

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.