وزيرا الدفاع التركي والروسي أكدا التمسك باتفاقات آستانة وسوتشي

أكدت تركيا وروسيا التزامهما باتفاقات آستانة وسوتشي حول إدلب السورية في الوقت الذي لا تزال فيه قوات النظام تواصل هجماتها في جنوب إدلب التي انطلقت منذ قرابة شهرين بدعم روسي.
وقالت وزارة الدفاع التركية إن وزير الدفاع خلوصي أكار، ونظيره الروسي سيرغي شويغو، جددا في اتصال هاتفي بينهما، مساء أول من أمس، التزام بلديهما بهذه الاتفاقات وبتحقيق الاستقرار في إدلب.
وأضاف البيان أن الوزيرين تباحثا في قضايا الأمن الإقليمي، وفي مقدمتها الأوضاع في محافظة إدلب شمال غربي سوريا والواقعة تحت سيطرة قوات المعارضة، وأن أكار وشويغو تبادلا وجهات النظر حول التدابير اللازمة لإرساء السلام والاستقرار وتحقيق وقف إطلاق النار في المنطقة.
وفي غضون ذلك أرسل الجيش التركي تعزيزات عسكرية مكونة من وحدات القوات الخاصة (الكوماندوز) إلى الحدود السورية لدعم القوات الموجودة هناك في ظل تصعيد النظام السوري استهدافه لنقاط المراقبة العسكرية التركية في إدلب ومحيطها في الفترة الأخيرة.
ومنذ 26 أبريل (نيسان) الماضي، تشن قوات النظام وحلفاؤه بدعم من روسيا، حملة قصف عنيفة على منطقة خفض التصعيد، التي تم التوصل إليها بين الدول الثلاث الضامنة في مباحثات آستانة (روسيا وتركيا وإيران)، تزامناً مع عملية برية على الأرض.
وأعلنت الدول الضامنة في منتصف سبتمبر (أيلول) 2017، توصلها إلى اتفاق على إنشاء منطقة خفض تصعيد في إدلب، وفقاً لاتفاق موقّع في مايو (أيار) من العام ذاته. وتم إدراج إدلب ومحيطها (شمال غرب) ضمن منطقة خفض التصعيد، إلى جانب أجزاء محددة من محافظات حلب وحماة واللاذقية. ويقطن منطقة خفض التصعيد نحو 4 ملايين مدني، بينهم مئات الآلاف ممن هجّرهم النظام من مدنهم وبلداتهم بعد سيطرته عليها.
وأعلنت تركيا أنها لن تتسامح مع أي تحرش لقوات النظام بالجنود الأتراك في نقاط المراقبة. كما أعلنت أنها ردت على استهداف يوم الخميس الماضي إحدى نقاط المراقبة في محيط إدلب أدى إلى إصابة 3 جنود.
وأكد النظام السوري على لسان وزير خارجيته وليد المعلم، أنه لا ينوي الدخول في مواجهة عسكرية مع تركيا، مطالباً في الوقت نفسه بالانسحاب الفوري لجميع القوات الأجنبية. وأكد أن إدلب هي محافظة سورية وأن النظام لن يتوقف حتى بسط سيطرته عليها.
في سياق متصل، لفت الكاتب التركي سميح إيديز، إلى أن تركيا تولي أهمية خاصة لإدلب ليس بسبب تمركز الفصائل الموالية لها هناك فحسب ولكن بسبب الطموحات الأوسع لوحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا.
وأشار إيديز، في مقال لموقع «سيجما» التركي إلى أن أنقرة تدرك أن السيطرة الأميركية على شرق الفرات ستمنح الوحدات الكردية فترة راحة لتعزيز مكاسب حصلت عليها بدعم أميركا وحمايتها.
وأوضح أن تركيا من خلال عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، في الشمال السوري، نجحت في فرض موطئ قدم عسكرية هناك، أو بالأحرى سمحت لها بذلك الولايات المتحدة وروسيا، لدواعٍ براغماتية. لكنّ تركيا لم تتمكن من توسيع هذا الوجود لصدّ قوات الوحدات الكردية بسبب معارضة كلٍّ من واشنطن وموسكو.
وتابع أنه وفقاً لاتفاقات مع روسيا (في آستانة وسوتشي)، استطاعت تركيا كسب وجود عسكري محدود في محافظة إدلب. ورغم ذلك، تحول ذلك الوجود، بسبب تطورات أخيرة، إلى «نقمة لا نعمة».
ولفت إلى أنه لطالما هددت تركيا بالتقدم نحو مدينة منبج ومناطق تقع شرق نهر الفرات، لمحاربة الوحدات الكردية التي تحظى بدعم عسكري أميركي. لكنها فشلت في تنفيذ تهديداتها، وفي الوقت ذاته طرحت فكرة سيطرتها الخالصة على منطقة آمنة بعمق ما بين 20 و30 كيلومتراً، على الجانب السوري من حدود طويلة مع تركيا. كما تريد تركيا إعادة توطين لاجئين سوريين في تلك المنطقة، وقبلت واشنطن، لا موسكو، بالفكرة، ويواصل الجانبان التفاوض بشأنها. ولكن لربما تحولت رغبة تركيا في إقامة تلك المنطقة الآمنة ضدها.
وتابع: «بدأ المبعوث الأميركي إلى سوريا، جيمس جيفري، يتحدث كثيراً عن الموضوع. ويُستشفّ من ملاحظاته أن هذه المنطقة الآمنة لن تقام وفقاً لشروط أنقره، فالولايات المتحدة ليست حريصة على إقامة منطقة تتحكم بها تركيا، بل تريد أن تكون هي عنصر التحكم الرئيسي، حتى لو كان هناك بعض المشاركة التركية في المنطقة».
ولفت إلى أن واشنطن تقول إن المنطقة التي تطرحها ستسهم في حماية الأمن التركي، لكن الجانب التركي يرى أن نية أميركا الحقيقية هي حماية الوحدات الكردية ضد تركيا. ولم يعد سراً أن واشنطن تتعاطف بصورة أكبر مع الوحدات الكردية لا مع تركيا.
وأكد أنه رغم تهديداتها ضد الوحدات الكردية فليس في وسع تركيا منع الأكراد من تعزيز تلك المكاسب. وليس أمامها خيار سوى التحرك العسكري رغم خطر الوقوع في مواجهة، لا تُحمد عقباها، مع الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن قيام كيان كردي على نمط كردستان العراق، يمثل هاجس أنقرة الرئيسي في شمال سوريا. ولا يرجح قيام ذلك الكيان، لأن نظام الأسد لن يسمح بقيامه، ولن تدعمه موسكو.
على الجانب الآخر، قال مسؤولون روس كبار إن الوحدات الكردية ليست تنظيماً إرهابياً (كما تصنفه تركيا). وصرحوا بأنه يمكن لأشخاص مرتبطين بها المشاركة في المفاوضات السورية، وتشجع موسكو على إجراء حوار بين النظام والوحدات الكردية وتحض الجانبين على التوصل إلى تسوية تفاوضية حول مستقبل أكراد سوريا، حيث ينتاب موسكو حالياً قلق حيال تنظيمات إرهابية سيطرت على معظم محافظة إدلب، أكثر مما تشعر به حيال الوحدات الكردية، وقد وصل الأمر لدرجة أن روسيا تحمي الوحدات الكردية من تركيا في قرية تل رفعت، القريبة من حلب.
وعند الاستماع إلى جيفري يبدو أن واشنطن قد لا تعارض تسوية تقبل ببقاء الأسد كأمر واقع، مع ضمانات لمنح حقوق سياسية لأكراد سوريا، وما يقلق تركيا، حسب الكاتب، هو أن «شريكاً استراتيجياً نافراً (أميركا)» أصبح مع «شريك استراتيجي مأمول (روسيا)» ضامنين، وإنْ بدرجات متفاوتة، لحقوق الأكراد في سوريا.