مكاسب وخسائر «السلاح والسياسة» بعد 80 يوماً من معركة طرابلس

من الاشتباكات الدائرة في محيط طرابلس بين الجيش الوطني الليبي وقوات حكومة السراج (أ.ف.ب)
من الاشتباكات الدائرة في محيط طرابلس بين الجيش الوطني الليبي وقوات حكومة السراج (أ.ف.ب)
TT

مكاسب وخسائر «السلاح والسياسة» بعد 80 يوماً من معركة طرابلس

من الاشتباكات الدائرة في محيط طرابلس بين الجيش الوطني الليبي وقوات حكومة السراج (أ.ف.ب)
من الاشتباكات الدائرة في محيط طرابلس بين الجيش الوطني الليبي وقوات حكومة السراج (أ.ف.ب)

بعد 80 يوماً من الاقتتال، ينقسم كثير من الليبيين حول جدوى معركة طرابلس بين من يرى أنها أحدثت تقدماً باتجاه «دحر» الميليشيات المسلحة في العاصمة، وبين من يشدد على أنها تسببت في شرخ اجتماعي. لكنّ فريقاً ثالثاً من المتحدثين إلى «الشرق الأوسط» أمس ذهب إلى أن «هناك مكاسب تحققت ميدانياً لكلا الفريقين المتقاتلين»، مؤكدا «أنها ستؤثر حتماً سياسياً إذا ما تم الجلوس على طاولة المفاوضات ثانية».
وجاء هذا التباين في الآراء على خلفية دعوة وزراء خارجية تونس والجزائر ومصر لوقف فوري للقتال بين «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، والقوات الموالية لفائز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق»، المدعوم دولياً، في الضاحية الجنوبية للعاصمة واستئناف العملية السياسية، كما توقع المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة إعلان مبادرات جديدة لاستئناف الحوار بين «أطراف الأزمة».
وفيما قال سعيد إمغيب، النائب عن مدينة الكفرة (جنوب شرق)، إن «(الجيش الوطني) حقق مكاسب كبيرة على الأرض، ودمر أكثر من 80 في المائة من قوة العدو»، رأى أن «السراج وحكومته ضيّعا كل الفرص الحقيقية التي كانت متاحة للحوار، وتعمدا تعطيل كل المحاولات التي كان يمكن أن تؤسس لحوار وطني، يجنب البلاد وطرابلس إراقة الدماء».
كما تحدث إمغيب لـ«الشرق الأوسط» عن بعض المكاسب، التي حققها الجيش ميدانياً في مواجهة قوات «الوفاق»، وقال إن قوات المشير «سيطرت على مواقع استراتيجية، قد يكون أهمها مطار طرابلس الدولي، والطريق الساحلية»، فضلا عن «استنزاف قوات حكومة السراج والمنتمين له وإنهاكهم».
لكن العقيد محمد قنونو، الناطق باسم عملية «بركان الغضب»، التابعة للسراج، قال إن قواته «لا تزال تسيطر على المطار»، بالإضافة إلى «نقاط تمركز جديدة بطريق المطار والرملة، وتدمير دبابتين وست سيارات مسلحة».
وأطلق القائد العام لـ«الجيش الوطني» عملية عسكرية واسعة لـ«تحرير» طرابلس في الرابع من أبريل (نيسان) الماضي من «الجماعات الإرهابية» والميليشيات المسلحة. وارتفعت حصيلة المعركة إلى أكثر من 700 قتيل من الجانبين، وإصابة 3550 شخصاً، من بينهم 3 من العاملين في المجال الطبي، كما تسببت في نزوح 94 ألفاً مواطن، وفقا للمبعوث الأممي.
أما بخصوص المكاسب التي كرستها معركة طرابلس لأي المتقاتلين، فقد أوضح إمغيب أن «الجيش الوطني» اكتسب تأييداً شعبياً واسعاً، خاصة في غرب البلاد بشكل خاص... وعدم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي ضد الجيش يعتبر اعترافاً ضمنياً به، ومباركة دولية لتحرير طرابلس من الميليشيات المسلحة والإرهابيين المطلوبين دوليا.
وأضاف إمغيب موضحاً «اليوم وبعد أن كشفت الحرب أن من يسيطر على العاصمة ما هم إلا إرهابيون تابعون لتيارات إسلامية متشددة، وميليشيات متعددة التوجهات والانتماءات، أعتقد أن العودة للحوار أصبحت من المستحيلات، وأن أي محاولة لذلك مع هذه الحكومة والمجموعات (الإرهابية) تعتبر تفريطا لكل الجهود التي بذلت وتبذل من أجل تحرير الوطن»، مبرزا أن أي طرح قد يمنح فرصة ولو ضئيلة لعودة المسيطرين على العاصمة للمشهد السياسي من جديد «لن يقبل عسكرياً وشعبياً، بل سيرفض بقوة».
في غضون ذلك، يكرر قادة كبار في «الجيش الوطني» أنه لم يتبق أمام حسم معركة طرابلس إلاّ أيام قليلة ويتم دحر الميليشيات ومحاسبة المتورطين. لكن في المقابل ترى قوات «الوفاق» أنها «تحقق تقدماً كبيراً على كل محاور القتال، وتلحق بـ(العدو المعتدي) خسائر كبيرة في الجنود والعتاد».
وبخصوص توقف العملية العسكرية على طرابلس من عدمه، استبعد النائب علي السعيدي القايدي ذلك، بقوله: «الجيش مستمر في عملياته العسكرية إلى أن يتم دحر الجماعات الإرهابية... وهو حريص على تدمير مخازن أسلحة الميليشيات، واستنزاف قدراتها».
ورأى القايدي في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أن «الجيش الوطني» مسيطر على نسبة 85 في المائة من طرابلس، ولم يمنعه من اجتياحها إلاّ حفاظه عليها، وعدم رغبته في تدميرها.
وبدا من خلال توقع المبعوث الأممي سلامة خلال مؤتمر صحافي بتونس مع وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي قبل أيام، بوجود مبادرات للحوار، أن هناك تحركات سياسية في ظل جمود العملية العسكرية للعودة إلى المسار السياسي مجدداً. لكن القيادي المدافع بقوة عن العملية العسكرية لـ«الجيش الوطني» أكد أنه «لا يوجد شيء يسمى المسار السياسي... فبعد تحرير طرابلس سوف يشكل مجلس النواب حكومة وحدة وطنية، تنال ثقة المجلس لمدة سنة، وبعد ذلك يتم الذهاب إلى انتخابات برلمانية ورئاسية».
وعبر إعلامي ليبي، رفض ذكر اسمه، عن أمانيه بأن تضع حرب طرابلس أوزارها، ويعود الأفرقاء السياسيون إلى طاولة المفاوضات مجددا، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «جميع حروب العالم انتهت بالحوار والجلوس على مائدة المفاوضات»، مشيراً إلى أن طرابلس باتت تعاني بسبب الحرب على كل المستويات.
وحول حسابات المكسب والخسارة بعد أكثر من شهرين على معركة طرابلس، اكتفى بالقول: «كل فريق يرى أنه الرابح، وأنه ألحق بخصمه خسائر فادحة في الأرواح والعتاد... لكن ليبيا هي الخاسرة الوحيدة، وبات لدينا شرخ اجتماعي بسبب هذه الحرب».
غير أن الإعلامي الليبي، محمود الطوير يرى أنه «لا شيء تغير على الأرض، ولا يوجد أي تقدم لكلا الطرفين، والمتغير الوحيد هو خسارتنا في الأرواح والمدنيين والبنايات، فضلا عن ارتفاع نسبة النزوح».
وانتهى الطوير قائلا: «لا يوجد أي حل عسكري يستطيع إنهاء حالة التشظي والانقسام الحاصل في ليبيا... والحل يكمن في الجلوس على طاولة الحوار، والرجوع لنقطة ما قبل اتفاق الصخيرات، ودعوة كل أطراف النزاع لإيجاد حلول جذرية لا تلفيقية».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».