مقاتل سابقاً ومراسل صحافي حالياً في أفغانستان

نظرة على الفصل الأول من استراتيجية مكافحة التمرد في هلمند

توماس غيبونز (يمين) صحافي «نيويورك تايمز»  خلال خدمته ضمن المارينز في هلمند (نيويورك تايمز)
توماس غيبونز (يمين) صحافي «نيويورك تايمز» خلال خدمته ضمن المارينز في هلمند (نيويورك تايمز)
TT

مقاتل سابقاً ومراسل صحافي حالياً في أفغانستان

توماس غيبونز (يمين) صحافي «نيويورك تايمز»  خلال خدمته ضمن المارينز في هلمند (نيويورك تايمز)
توماس غيبونز (يمين) صحافي «نيويورك تايمز» خلال خدمته ضمن المارينز في هلمند (نيويورك تايمز)

كثيراً ما يسألني الناس عن شعوري كمقاتل سابق تابع لسلاح مشاة البحرية الأميركية (المارينز)، وشاركت في أفغانستان، والآن عدت إلى البلاد كمراسل صحافي. والحقيقة أنني لا أملك جواباً على هذا السؤال. لقد كانت النسخة القديمة مني التي قدمت إلى هنا كجندي مشاة بحرية جرى إرساله إلى منطقة هلمند الأفغانية مرة عام 2008، وكنت في الـ20 من عمري آنذاك، ومن جديد عام 2009، وكنت قد بلغت الـ22 حينها، مختلفة تماماً عما أنا عليه اليوم. وبعد مرور عقد اليوم، لم يتبقَّ من النسخة القديمة سوى الفقرة التالية التي كتبتها في مذكراتي الشخصية لدى عودتي من أفغانستان المرة الأولى، والتي كتبتها في مطلع مايو (أيار) 2008: «أعتقد هذه نهاية الأيام الـ20 المقررة لي هنا. من الصعب شرح هذا المكان، وأشعر أنني سأقضي الباقي من عمري في محاولة استيعاب ما جرى هنا».
اليوم، مرت 11 عاماً منذ أن كتبت هذه الفقرة، وما تزال تعبر بصدق كامل عن شعوري. ومع هذا، أعتقد اليوم أن ما حدث في هلمند عام 2008 أصبح واضحاً أمامي، فقد كان بمثابة الفصل الأول من استراتيجية رديئة لمكافحة التمرد سلمتها القوات الأميركية نهاية الأمر إلى الأفغان عام 2014. وخلال الشهور التي أعقبت ذلك، شاهدناهم ينهارون تحت وطأة هجمات جماعة «طالبان».
إلا أنه عندما وطئت بقدمي خارج طائرة مروحية هبطت بي داخل مركز يتبع القوات الأميركية الخاصة في شرق ننكرهار، وحتى اليوم، لم تنتهِ الحرب. وبدا لي الحصى مألوفاً، وكذلك أصوات المولدات. وذكرتني رائحة القمامة المحترقة بجانب المركز بالمكان الذي أطلقت عليه من قبل بيتي على مدار عامين.
وقد عدت لتقديم تغطية صحافية للحرب التي تشنها القوات الأميركية ضد جماعة تتبع «داعش» داخل البلاد. وداخل هذه القاعدة الصغيرة، التي تحمل اسم موقع جونز لدعم المهام، يعكف فريق من القوات الخاصة، ومجموعة متنوعة من جنود آخرين، على محاولة إبقاء العناصر المتطرفة داخل الجبال الممتدة على طول الحدود مع باكستان. وساورني شعور غريب إزاء العودة إلى مكان يبدو أن الزمن لا يتحرك فيه، ويظهر أمامي وكأنه اقتطع من فترة مبكرة من حياتي، لكنهم اليوم لديهم خدمة «واي فاي» التي لم تكن متوافرة لديّ كجندي عام 2008.
وفي أثناء زيارتي الجديدة، وعند حلول المغيب، شعرت لوهلة أنني على وشك مقابلة أصدقائي القدامى في الجيش: جورج وريان ومات، بزيهم العسكري المميز الذي يشي بأنهم في ميدان القتال منذ أيام طويلة، لكن أصدقائي رحلوا منذ فترة طويلة. واليوم، يعمل جورج ضابط شرطة على أطراف هوستون، بينما يعمل ريان في مجال البناء والتشييد في نورزرن كاليفورنيا. أما مات فقد قتل. مكانهم، ظهر أمامي ثلاثة جنود في العشرينات من عمرهم رمقوني بريبة وحذر، وتعاملوا معي تماماً مثلما كنا نتعامل عندما كان يظهر أمامنا مراسل ليست لديه نوايا واضحة، وينتمي إلى مؤسسة لم نسمع عنها قط، أو لم نهتم بمتابعتها: «رويترز»؟ «بي بي سي»؟ ما الكلمات التي تشير إليها الحروف «إن بي آر»؟
في الصباح، صعدت إلى أحد أبراج المراقبة في الطرف الجنوبي من القاعدة. وكان الحارس قد بدأ للتو نوبة مراقبته التي تمتد لست ساعات. ولم يتحدث كثيراً، بينما وقفت أحدق في الجبال. منذ عقد مضى، كنت أنا مكانه أجلس على مقعد صنعته من أكياس رملية، وشرعت في محاولة اتخاذ قرار بشأن ما الذي سأفكر فيه خلال الساعات المقبلة. في تلك الفترة، سيطرت على ذهني ذكريات الدراسة الثانوية، وأيام الإجازة العشرة التي سبقت نشرنا.
* «نيويورك تايمز»



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.