قانون المحكمة الاتحادية الجديد يثير جدلاً واسعاً في العراق

مخاوف من تحول البلاد إلى «دولة دينية» بعد إضافة 4 فقهاء إلى عضويتها

TT

قانون المحكمة الاتحادية الجديد يثير جدلاً واسعاً في العراق

أثارت القراءة الأولى لقانون المحكمة الاتحادية جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والقضائية والمدنية على حد سواء، إضافة إلى ممثلين عن الأقليات الدينية والعرقية العراقية.
وتركز معظم النقاشات وحالات عدم الرضا عن القانون، حول الفقرة المتعلقة بإضافة 4 أعضاء من فقهاء «الفقه الإسلامي» إلى عضوية المحكمة المؤلفة من 13 عضواً، ضمنهم الرئيس ونائبه.
وانصب معظم مخاوف المعترضين على القانون الجديد حول إمكانية تحول العراق إلى «دولة دينية» بوجود الثقل الذي يمثله الفقهاء الأربعة، أو أن تتحول المحكمة الاتحادية إلى «مجلس لتشخيص مصلحة النظام» على غرار النموذج الإيراني. ولعل ما عزز تلك المخاوف هو أن النسخة الأولى من القانون التي قدمت إلى البرلمان العراقي عام 2015، كانت تتضمن فقيهين اثنين فقط ضمن أعضاء المحكمة، لكن النسخة الجديدة للقانون رفعت سقف تمثيلهم إلى أربعة.
والمحكمة الاتحادية واحدة من السلطات القضائية الرئيسية الست التي من مهامها: الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وتفسير نصوص الدستور، والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، كذلك الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء والوزراء، والمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب.
ويرى عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب صائب خدر أن «القانون بصيغته الحالية خطير جداً». ويقول خدر لـ«الشرق الأوسط» إن «تشبيه المحكمة الاتحادية وفق القانون الجديد بـ(مجلس تشخيص مصلحة النظام) في إيران أمر غير دقيق، لكن المثير للاستغراب هو منح صلاحيات التصويت لخبراء الفقه، ويفترض أن يمنحوا حق تقديم الاستشارة فقط».
ويضيف: «القانون مثير للجدل لا شك، لكن وفاة أحد أعضاء المحكمة الاتحادية مؤخراً أخلّ بنصابها، لذلك من الضروري أن يبادر مجلس النواب إلى تشريع القانون لتدارك ذلك الخلل». ويؤكد خدر أن «هناك اعتراضات كثيرة داخل البرلمان حول القانون، وسيصار إلى تعديله، كما لدى أعضاء المحكمة الحاليين اعتراضات على القانون».
وفي حين لم يصدر أي اعتراض علني عن المحكمة الاتحادية بخصوص مسألة إضافة الفقهاء الأربعة إلى عضويتها، أكد أكثر من مصدر لـ«الشرق الأوسط» تلك الاعتراضات. ولعل الأمر اللافت في هذا الاتجاه، أن موقع المحكمة الاتحادية الإلكتروني الرسمي نقل في سياق نشرته الإخبارية رأياً لخبير قانوني قال فيه إن «تمرير مجلس النواب قانون المحكمة الاتحادية يحول الحكم في البلاد إلى إسلامي».
بدوره، يرى رئيس هيئة النزاهة الأسبق القاضي رحيم العكيلي أن «تصميم المحكمة بهذا الشكل المشوه سيشكل طعنة قاسية في قلب الدولة المدنية ويجعل حراب حراس الشريعة في صدر أي محاولات للأخذ بمفهوم المواطنة بدل الهويات المذهبية المختلفة». كذلك، يرى العكيلي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن القانون الجديد «يعني تقاسم المحكمة الأهم والأخطر بين المذاهب والمكونات بطريقة ترسخ الفرقة المذهبية والطائفية وتجعل الإرادات المذهبية والدينية أعلى من سلطات القانون». ويشير إلى أن «القوى الممسكة بالسلطة والنفوذ هي من تتحكم في تحديد طريقة تعيين أعضاء المحكمة وسلطاتهم فيها، وكل جهة منهم تريد الاحتفاظ بقدر أكبر من التأثير في قرارات المحكمة». ويعتقد العكيلي أن «تشكيل المحكمة الاتحادية العليا يجب أن يكون من قضاة، لكن بعضهم من خلفية قضائية، وبعضهم فقهاء في القانون، وآخرين خبراء في الفقه الإسلامي، ويكون الكل قاضياً في المحكمة وله ما للآخرين وعليه ما عليهم، وهذا هو التفسير الصحيح لنص المادة (92 - ثانياً) من الدستور».
من جهتها، ترى أستاذة القانون بجامعة صلاح الدين في محافظة أربيل منى ياقو، أن «مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا، مؤشر جديد لتوجه العراق نحو بناء دولة دينية ذات لون واحد يبغي تهميش التنوع الديني وحجبه». وتقول ياقو، التي سبق أن شغلت عضوية لجنة كتابة دستور إقليم كردستان عن المكون المسيحي، لـ«الشرق الأوسط» إن «قانون المحكمة النافذ حالياً لم يحدد عدد القضاة وعدد خبراء الفقه الإسلامي، وبذلك فإن عدد خبراء الفقه كان اثنين فقط، أما المشروع الجديد، فيرفع العدد إلى الضعف». وترى أن تلك الزيادة «تثقل ميزانية الدولة دون مبرر ولا تبشر بخير، سيما أن قضايا كثيرة قد تعرض على المحكمة يكون محورها حماية حقوق الأقليات الدينية؛ من مسيحيين وإيزيدية وصابئة مندائية... وغيرهم». وتضيف أن «المادة (92) من الدستور النافذ، تنص على أن المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية، ونفهم من هذا أن المحكمة يحب أن تشكل من قضاة، أما الخبراء، فإن دورهم في المحكمة يجب أن يقتصر على إبداء الرأي». وتشير ياقو إلى أن نظام الحكم في العراق «نظام جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي، ولو أردتم (القوى السياسية) تحويله إلى نظام ذي طابع ديني صرف، فنطلب منكم تعديلاً دستورياً أولاً».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».