«المدينة السعيدة»... الآباء والأبناء

رواية الإسبانية إلبيرا نبارو في ترجمة عربية

غلاف الرواية
غلاف الرواية
TT

«المدينة السعيدة»... الآباء والأبناء

غلاف الرواية
غلاف الرواية

تتكون رواية «المدينة السعيدة»، التي صدرت ترجمتها العربية حديثاً في القاهرة، من جزأين يشكلان متناً لرواية واحدة، تسرد من خلالها الكاتبة الإسبانية إلبيرا نبارو، حكايات عن أطفال يكبرون في مدينة إسبانية؛ الأولى تسمى قصة المطعم الصيني «المدينة السعيدة»، وتحكي عن الصبي «تشي هوي» الذي يصل إلى إسبانيا بعد عامين من العيش بعيداً عن أسرته. وتواجهه مهمة صعبة مضاعفة، ليست فقط التكيف مع بلاد مختلفة عن وطنه، ومع لغة جديدة، لكن كان عليه أن يوازن بين متطلباته وحاجات أمه وأبيه، أما الثانية فعنوانها «الحافة»، وترصد حياة فتاة لأبوين من الطبقة الوسطى يسعيان لحمايتها بتقييد تصرفاتها بشكل دائم.
ترسم الرواية، التي طبعتها «هيئة الكتاب المصرية»، وصدرت أخيراً ضمن «سلسلة الجوائز»، ترجمة شيرين عصمت، أمام القارئ، حياة «تشي هوي»، ليس فقط بوصفه مهاجراً، بل ترصد أيضاً حياة أسرته التي تتمتع بمستوى معيشي لائق، بعدما عرفت الكثير من المعاناة من أجل أن تحصل بشكل ما على نوع من الحياة التي تتمناها.
«هوي» فتى صغير يتوق إلى حب والدته وحنانها، لكن أصعب ما يشعر به يتبلور في إدراكه أنه لا يحب أمه، هي التي تركته وتخلت عنه، ورحلت، لتحتل مكانها عمته العجوز التي قامت بتربيته والعناية به، من هنا تنمو رغبته في التنصل من علاقته بأمه التي لا يجني منها سوى القلق والمرارة.
وتبدأ الرواية بتشي هوي في الصين، حيث تقوم بتربيته والاهتمام به عمته العجوز مقابل بعض المال، بينما قام جده وجدته ووالداه وأخوه الأكبر بإعداد مطعمهم «المدينة السعيدة». أما سارة، شخصية القصة الثانية المعنونة «الحافة»، فهي ابنة لأبوين من الطبقة الوسطى المريحة، أدى حرصهما ويقظتهما الزائدة عن اللزوم إلى جنوحها تماماً عما كانا يطمحان إليه، كان عالمها محصناً محاطاً بالقيود التي فرضها عليها والداها في كل خطوة على الطريق، لم يكن مسموحاً لها باللعب، كما تحب، أقصى ما كان مسموحاً به لها هو النظر إلى الجانب الآخر دون أن تتجاوز الخط الذي رسمه لها والداها.
شخصية سارة تختلف عن شخصية تشي هوي، فهي تبدو ذات صفات واضحة رسخها والداها فيها منذ الصغر، حيث قاموا بتربيتها على الحذر من الخطأ والانزلاق فيما يسيء لهم ولها، لكنها تقرر ذات يوم عبور تلك الحدود. ومن خلال المواجهة مع رجل يعيش بلا مأوى، ولا يعمل شيئاً سوى الحملقة في شرفتها، فيما هي تراقبه من آن لآخر. من هنا، تبدأ تحولات جذرية في حياتها حين تقرر مواجهته ومعرفة ماذا يريد.
ما تقوم به سارة، خلال أحداث الرواية، يعني تجاوز الخط المسموح به أسرياً، خطوة فارقة وحاسمة لتجاوز مرحلة الطفولة. لكنها تتورط في تصرفات سيئة تعمل على إخفاء أفعالها عن والديها، مخترعة أكاذيب لتغطية ما تقوم به، الأمر الذي سيجعلها تصطدم بالقانون. لقد كانت بداية السقوط نابعة من رغبتها في التمرد على ضغوطات أسرتها، وتصميمها على العثور على الرجل الذي شعرت أنه مهتم بها. وبدورها، أخذت تسعى لفهمه مثلما سعى هو للتفاهم والتواصل معها.
تتشابه العلاقة الرئيسية التي تسيطر على أحداث القصتين، ويمكن تلخيصها في قضية العلاقات بين الآباء وأبنائهم، في الأولى لا يستطيع «هوي» معرفة سبب سعي والديه لأن يكونا أغنياء، من أجل الغنى فقط، ما يجعله يشعر بالنفور.
أما والدا سارة في الجزء الثاني من الرواية، وهما من الطبقة الوسطى، فيواجهان مشكلة مختلفة تماماً. وتظهر الأحداث أنهما مصابان بالهلع عليها، خوفاً من ارتكابها خطأ ما، كما أنهما غير قادرين على الاختيار بين الحرية والقيود التي تجعل ابنتهما تشعر بالاختناق، فيما تبدو مغامراتها ببساطة جنوحاً فضولياً نحو المجهول، وكلما زاد حصار والديها لها، زاد خطر قيامها بشيء غير محسوب، فهي مثل تشي هوي، تسيطر عليها حالة من التشاؤم مما يخبئه لها المستقبل.
وخلال تطور الأحداث يخترق أبطال الرواية مخاوف الطفولة المتأخرة في مرحلة المراهقة، ويكتسبون وعياً متقدماً يتجلى في دفاعهم عن اختياراتهم في مواجهة آبائهم الذين تأتي سيطرتهم على أبنائهم بنتائج عكسية: «هوي» فتى صغير يتوق إلى حب والدته وحنانها، لكن أصعب ما يشعر به يتبلور في إدراكه أنه لا يحب أمه، هي التي تركته وتخلت عنه، ورحلت، لتحتل مكانها عمته العجوز التي قامت بتربيته والعناية به، من هنا تنمو رغبته في التنصل من علاقته بأمه التي لا يجني منها سوى القلق والمرارة.
أما «المدينة السعيدة»، وهي مدريد، فتقدمها الكاتبة بوصفها أكثر من مجرد تكوين يضم عوالم حكاياتها، بل تجعلها رابطاً بين القصتين. إنها تلعب دور المحيط المهيمن الذي يحتجز هوي وسارة في حدوده، حيث تتجسد تجربة شخصيتين متباينتين تستكشفان فورة مراهقتهما وانفعالاتهما.


مقالات ذات صلة

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.