الجزائر: إيداع ثاني رئيس وزراء سابق السجن بتهم فساد

مثول وزير التجارة السابق أمام المحكمة العليا... واهتمام واسع بملاحقات رموز النظام السابق

TT

الجزائر: إيداع ثاني رئيس وزراء سابق السجن بتهم فساد

أمر قاضي التحقيق في المحكمة العليا أمس بإيداع رئيس الوزراء الجزائري الأسبق عبد المالك سلال، المقرب من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، السجن بعد جلسة الاستماع إليه في إطار تحقيقات حول الفساد، حسبما أفاد التلفزيون والإذاعة الرسميان.
واستجوب قاضي التحقيق بالمحكمة العليا، المكلف حاليا سماع عشرات كبار المسؤولين خلال حكم بوتفليقة، عبد المالك سلال لمدة أربع ساعات، وتناولت أسئلته صلاته برجال أعمال بارزين يوجدون بالسجن، كان هو سببا في تربحهم، وذلك بفضل تطويعه القانون، والإجراءات الخاصة بالاستثمار لمصلحتهم ليصبحوا مليارديرات.
وجرت هذا الممارسات الموصوفة بالفساد خلال فترة تولي سلال رئاسة الوزراء (2012 - 2015)، وعندما كان وزيرا للموارد المائية والنقل والشباب والرياضة وأيضا الداخلية منذ 1998.
وقال مسؤول كبير بالقضاء لـ«الشرق الأوسط»، إن قاضي التحقيق سأل سلال عن عقارات تملكها عائلته بالخارج، وخاصة ابنته التي تملك شقتين: واحدة بباريس وأخرى بلندن، وعن مصدر أموال تملك هذه العقارات، علما بأن القوانين الجزائرية تمنع تحويل أموال إلى الخارج. كما تركزت أسئلة القاضي على علاقة سلال برجال الأعمال المسجونين، وما إذا كانوا وراء العقارات التي اشتراها بالخارج، والحسابات المصرفية التي تعود له.
ونفى سلال أن يكون استفاد ماليا من نشاطه كمسؤول حكومي خلال فترة حكم بوتفليقة، بحسب نفس المسؤول القضائي، الذي نقل عنه قوله لقاضي التحقيق «يبدو لي أن الأخذ والرد بيننا أمر شكلي، فمن الأحسن أن نتوجه مباشرة إلى نتيجة جلسة التحقيق هذه»، وكان يقصد بذلك أن قرار إيداعه رهن الحبس المؤقت اتخذ خارج المحكمة العليا، ويفهم من كلامه أيضا أن قائد الجيش الجنرال قايد صالح هو من أمر بسجنه، خاصة أن الشائع في الجزائر حاليا هو أن سجن عشرات رجال الأعمال والمسؤولين السياسيين والعسكريين، وحتى موظفين حكوميين، جاء بأمر منه. وفي ختام جلسة التحقيق، أصدر القاضي أمرا بإيداع سلال الحبس المؤقت.
وذكرت وكالة الأنباء الحكومية أن التهم التي وجهت لرئيس الوزراء السابق، تتمثل في «تبديد أموال عمومية وإساءة استغلال الوظيفة، ومنح منافع غير مستحقة خارج القانون». وتتعلق بامتيازات وصفقات ومشروعات حكومية، وضعها بين أيدي الملياردير محيي الدين طحكوت (يقبع في السجن مع ابنه واثنين من أشقائه)، ورجل الأعمال علي حداد (مسجون) والإخوة كونيناف، وهم ثلاثة رجال أعمال في السجن أيضا.
ومساء أمس التحق بالمحكمة العليا وزير الأشغال العمومية السابق عمارة بن يونس؛ حيث تم استجوابه بخصوص نفس الوقائع. واستمر التحقيق معه لساعات طويلة، ورجحت مصادر اتهامه بالفساد، وإيداعه الحبس المؤقت، أو وضعه تحت الرقابة القضائية.
وكان نفس قاضي التحقيق قد أمر أول من أمس بإيداع رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى الحبس المؤقت، في قضايا مرتبطة بنفس الوقائع. في حين وضع وزير الأشغال العمومية عبد الغني زعلان تحت الرقابة القضائية، وسحب منه جوازي السفر العادي والدبلوماسي.
يشار إلى أن التحقيقات المكثفة الجارية في قضايا الفساد تخضع لإشراف الشرطة القضائية التابعة لجهاز الدرك، والمديرية المركزية لأمن الجيش، علما بأن الهيئة الثانية تتبع مباشرة لرئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح.
في غضون ذلك، أعلن أمس أن الشرطة الجزائرية اعتقلت مراد عولمي، رئيس شركة «سوفاك» الخاصة لتركيب السيارات، الشريك المحلي لفولكسفاغن الألمانية؛ حيث تم اعتقاله بمصنع لتجميع السيارات في ولاية غليزان بغرب البلاد، وذلك على إثر تحريات بشأن مزاعم فساد.
وأفادت مصادر حكومية أن رجال أعمال آخرين، على قائمة المشتبه بهم في قضايا فساد، سيحالون على المحكمة خلال الأيام المقبلة.
وكان وزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب، الذي كان من أقرب المسؤولين لبوتفليقة، قد استدعي للتحقيق أيضا. غير أنه أرسل للمحكمة شهادة طبية من مستشفى فرنسي، تثبت أنه عاجز عن الحركة لمدة طويلة. ويملك بوشوارب، وهو رجل أعمال معروف، إقامة في باريس. وقد جاء في التحريات أن الفضل يعود له أساسا في تربح كل المستثمرين في مجال تركيب السيارات، وقد ظهر اسمه قبل سنوات في فضائح «بنما بيبرس».
من جهته، خضع اللواء المتقاعد علي غديري، المرشح لرئاسية 18 أبريل (نيسان) الماضي التي ألغيت، للاستجواب أمس بمحكمة الدار البيضاء (الضاحية الشرقية للعاصمة). ولم يعرف سبب استدعائه، فيما صرح مساعده نبيل معيزي أن جهازا تابعا للأمن العسكري اعتقله لساعات الليلة ما قبل الماضية، ثم أفرج عنه من دون ذكر الأسباب. وعرف غديري بمواقفه المعارضة للجنرال صالح.
ويشهد سجن الحراش (الضاحية الجنوبية للعاصمة)؛ حيث يوجد كل المساجين المذكورين، حركة غير عادية منذ يومين، ذلك أن عشرات الصحافيين والفنيين العاملين بالفضائيات ظلوا يترقبون وصول العربة المخصصة للمساجين، قادمة من المحكمة العليا. ولوحظ تدافع قوي لأخذ صور للمعتقلين غير العاديين، غير أن سلطات السجن حرصت على الحؤول دون ذلك. كما تنقل عدد كبير من الأشخاص إلى المكان بدافع الفضول.
إلى ذلك، احتجت إدارة الصحيفة الإلكترونية «كل شيء عن الجزائر»، بنسختيها العربية والفرنسية من تعرضها لـ«الرقابة» منذ مساء أول من أمس، إذ تم حجبها محليا عن قرائها والمعلنين بها، فيما استمر تصفح موادها من خارج البلاد. وقالت الإدارة إنها لا تعرف سبب الرقابة ولا الجهة المسؤولة عنها.
وتعد «اتصالات الجزائر» الحكومية، الشركة الوحيدة التي توفر بث الصحف على «النت». ويرجح مسؤولو «كل شيء عن الجزائر» أنها تلقت أوامر سياسية لحجب موقعهم الإخباري الذي يتابعه الملايين. وكان الموقع عام 2017 ضحية نفس إجراءات الحجب دامت شهرا، من دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عن ذلك.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».