قمم مكة: ردع الإرهاب الإيراني

تآزُر عربي وإسلامي لأمن المنطقة

مسؤولو ميناء الفجيرة يلتقطون صورة للسفينة «أندريا فيكتوري» التالفة في مياه الإمارات 13 مايو الماضي (رويترز)
مسؤولو ميناء الفجيرة يلتقطون صورة للسفينة «أندريا فيكتوري» التالفة في مياه الإمارات 13 مايو الماضي (رويترز)
TT

قمم مكة: ردع الإرهاب الإيراني

مسؤولو ميناء الفجيرة يلتقطون صورة للسفينة «أندريا فيكتوري» التالفة في مياه الإمارات 13 مايو الماضي (رويترز)
مسؤولو ميناء الفجيرة يلتقطون صورة للسفينة «أندريا فيكتوري» التالفة في مياه الإمارات 13 مايو الماضي (رويترز)

قمم مكة المكرمة الثلاث المتمثلة في القمة الإسلامية في دورتها العادية والقمتين الطارئتين لمجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، حوت في طياتها حرصاً على التآزر العربي والإسلامي من أجل تحقيق الأمن في المنطقة، والتصدي بحزم للتهديدات العدوانية والأنشطة التخريبية.
تمثَّل ذلك في التشديد على إدانة الاعتداء الإرهابي باستهداف أربع سفن تجارية بعمليات تخريبية في ميناء الفجيرة الإماراتي وتخريب ناقلات نفط في السواحل الإماراتية، بالإضافة إلى الهجوم على محطتي ضخ تابعتين لشركة «أرامكو» السعودية، باستهدافه مصالح الدول وإمدادات النفط العالمية، كما تمثل في الإعراب عن التضامن مع السعودية والدعم اللامحدود للإجراءات التي تتخذها لحماية أمنها القومي.

وأفادت نتائج تحقيق أوّلي مشترك حول استهداف ناقلتي نفط نرويجية وسفينة شحن إماراتية في الخليج بأن الهجمات نُفِّذت باستخدام ألغام بحرية على درجة من التعقيد تشير إلى أن دولة تقف وراءها، وهناك ترجيح بأن إيران مسؤولة عن ذلك. كما اتهم مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، إيران بأنها مسؤولة عن الهجوم على ناقلات النفط. أما مؤتمر أعمال القمة الإسلامية فتم فيه التباحث في شؤون وتحديات الشرق الأوسط ومن ضمنها تدخلات إيران في المنطقة.

قيم الوسطية
من جهة أخرى، نجد هناك تشديداً على أهمية تأكيد قيم الوسطية والاعتدال في نصوص الكتاب والسنة، بهدف التصدي لتيارات التطرف والإرهاب. وقد نصت وثيقة مكة المكرمة المنبثقة عن القمة التي انعقدت خلال الفترة من 27 إلى 29 مايو (أيار) 2019 على ذلك، سواء رفض العبارات والشعارات العنصرية أو التنديد بدعاوى الاستعلاء البغيضة، وفي ذلك تآزر رمزي بهدف دحض التطرف في العالم الإسلامي والعربي فكرياً ودينياً وتعديل القيم والمفاهيم المغلوطة من خلال المؤسسات السياسية والدينية وسن التشريعات الرادعة لمروجي الكراهية والمحرضين على العنف والإرهاب والصدام الحضاري، مما هو كفيل بتجفيف مسببات الصراع الديني والإثني ومكافحة التطرف والإرهاب، خصوصاً مع تصاعد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» التي تدل على عدم المعرفة بحقيقة الإسلام وإبداعه الحضاري وغاياته السامية. والتعرف الحقيقي على الإسلام يستدعي الرؤية الموضوعية التي تتخلص من الأفكار المسبقة. ويظهر تصاعد الخوف من الإسلام فيما حدث في مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا من إطلاق النار على مصلين في مسجدين، وما ظهر من خلال البيان الذي شرح دوافع تنفيذ الهجوم بأنها محاولة لحماية العرق الأبيض، ما يشير إلى تصاعد اليمين المتطرف.
تأتي القمم الثلاث بعدة أهداف أبرزها التصدي لأذرع إيران الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط من الحوثيين و«حزب الله» وغيرهما، بالأخص في خضم التوتر ما بين الولايات المتحدة وإيران وموجات التصعيد من الطرفين نتيجة تقهقر الاتفاق النووي والعقوبات الأميركية حيال إيران، وما جاء في أعقاب ذلك من دعم إيراني للحوثيين الذين كثفوا من هجماتهم في المنطقة في التوقيت ذاته. وقد اتفقت غالبية الدول العربية على إدانة إيران والتنديد بتهديدها المستمر للمنطقة. كما أدانوا الهجمات التي يقوم بها الحوثيون بدعم من إيران باستثناء تحفظ قطر على بياني القمتين الخليجي والعربي.

دعم الحوثيين
دعم إيران للحوثيين جاء بتزويدهم بالأسلحة والصواريخ الباليستية إضافةً إلى الدعم اللوجستي، كما تم اكتشاف عناصر من «الحرس الثوري» ممن يقومون بتدريب الحوثيين في صعدة. وانعكس ذلك على إطلاق الحوثيين ما يزيد على 225 صاروخاً باليستياً و145 طائرة مسيّرة على منشآت حكومية سعودية استهدفت عدة مدن من ضمنها الرياض ونجران والعاصمة المقدسة مكة المكرمة. وجاءت عدة حوادث للكشف عن سفن ومراكب إيرانية محمّلة بذخائر وأسلحة بهدف تسليح الحوثيين، مثل ما حدث في 23 يناير (كانون الثاني) 2013 حين تم اعتراض سفينة «جيهان 1» الإيرانية وهي محملة بأسلحة عبارة عن صواريخ من طراز «كاتيوشا» وأنظمة رادار وصواريخ مضادة للطائرات ومتفجرات وأسلحة أخرى، بهدف دعم الحوثيين بها. ويظهر التغلغل الإيراني في اليمن ودول أخرى بتصريح قائد «الحرس الثوري» الإيراني في يناير 2016 بوجود 200 ألف مقاتل مرتبطين بـ«الحرس الثوري» في خمس دول في المنطقة: اليمن وسوريا والعراق وباكستان وأفغانستان، إضافة إلى «حزب الله» وميليشياته الإرهابية.

تأثُّر المتطرفين
أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب في عدة مناسبات رسمية أن بلاده عازمة على منع النظام الإيراني من حيازة أسلحة نووية ووقف تمويله للإرهاب. وقد أظهرت معلومات استخباراتية أميركية أن فرض العقوبات الأميركية على إيران لم يتسبب فحسب في تدهور الوضع الاقتصادي فيها، وإنما كذلك الجماعات المدعومة من إيران تواجه أزمة مالية نتيجة نقص تمويل إيران لها. وحسب المعلومات التي نشرتها قناة «فوكس» الإخبارية فإن إيران أخبرت عدداً من الميليشيات الشيعية المتطرفة أنها بحاجة إلى إيجاد مصادر أخرى للدخل لأنها لم تعُد في وضع يتيح لها تزويدها بالأموال.
وتزامن ذلك مع دعوات أصدرها «حزب الله» على وسائل التواصل الاجتماعي طالب فيها أنصاره بالتبرع بالأموال. كما هدد الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله بأن أي حرب ضد إيران ستُشعل المنطقة. وعلى الرغم من أن «حزب الله» لا يزال يُظهر مواقف قوية داعمة لإيران؛ فإن تقريراً نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية أشار إلى أن إيران لم تعد تعتبر «حزب الله» ذراعها الأهم للقيام بعملياتها والمشاركة في حروبها في المنطقة، وإنما هناك توجه إلى جعل الحوثيين الذراع الأهم، بالأخص في ظل اشتعال التوتر ما بين الولايات المتحدة وإيران. وأشار التقرير إلى رأي الباحث في معهد دراسات سياسة الشرق الأدنى في واشنطن مايكل نايت، أن إيران اختارت جعل التهديد عبر الحوثيين ليقع رد الفعل والهجوم داخل اليمن وليس في إيران، وليصبح الاستهداف موجهاً إلى السعودية لا إلى مصالح الولايات المتحدة بشكل مباشر لأن ذلك سيتسبب في رد فعل عنيف لا محالة.

دعم الميليشيات
يظهر تغلغل إيران ودعمها للجماعات المتطرفة في الدول التي تعاني من انعدام الاستقرار والأمن مثل دعمها للحوثيين في اليمن ولجماعات متطرفة في سوريا. لذلك ليس بمستغرب قلة عدد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها، باستثناء هجمة إرهابية في 7 يونيو (حزيران) 2017 استهدفت البرلمان الإيراني وضريح آية الله الخميني وأسفرت عن مقتل 17 شخصاً، وتبنى تنظيم «داعش» العملية الإرهابية، وسبقها في 15 يوليو (تموز) 2010 هجومان انتحاريان على مساجد في مدينة زاهدان في محافظة سيستان بلوشستان، وفي ديسمبر (كانون الأول) من عام 2010 هجوم انتحاري في يوم عاشوراء تبنّته حركة جند البلوشية.
وتُتهم إيران بتقديمها الدعم المالي واللوجيستي وحتى إيوائها لأعضاء وقياديي تنظيمات إرهابية أبرزها «القاعدة»، وأبناء أسامة بن لادن، وأبرزهم حمزة بن لادن، وسيف العدل الذي أسهم في هجمات السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام، إضافة إلى سليمان أبو غيث المتحدث السابق باسم تنظيم «القاعدة». وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أخيراً عن أن إيران تواصل تمددها في الجنوب السوري ودير الزور وأماكن أخرى في دمشق وريفها. حيث إنها تقوم بالاستقطاب والتجنيد من خلال شبكة العرّابين والوكلاء بهدف ترسيخ وجودها هناك. وفي أعقاب التوتر الأميركي الإيراني حثّ قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» الإيراني، قادة الميليشيات المدعومة من إيران في مناطق الشرق الأوسط على التحضير للحرب بالوكالة. ومن بينها «لواء الفاطميون» الذي يتكون مقاتلوه من الهزارة الأفغان من الأقلية الشيعية، وقد لوحظ مغادرتهم من سوريا لانتقال قتالهم إلى منطقة أخرى. ويعد «فيلق القدس» الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري» الإيراني والمسؤول عن تصدير الثورة الإيرانية، وقد وُضع قائده قاسم سليماني في فترة سابقة على قائمة الإرهابيين. ولـ«فيلق القدس» ميزانية سرية، ويظهر تورطه في كلٍّ من العراق وسوريا، وحسب وثيقة سنة 1998 لاتحاد العلماء الأميركيين فإن التركيز الأساسي لـ«فيلق القدس» هو على «تدريب الجماعات الإرهابية الأصولية الإسلامية».
الموقف الإيراني حيال منطقة الشرق الأوسط وإذكائه للاضطراب السياسي ليس بأمر سرّي، فإيران تقسّم العالم ما بين ثورة إسلامية وحدها هي الصائبة والتي ينبغي للعالم أجمع أن يتبعها، وبين بقية العالم ممن يمثلون التطرف والشر وهم كل من يقف ضد الجمهورية الإيرانية. ما يدل على ذلك هو استنكار الرئيس الإيراني حسن روحاني، تصنيف الولايات المتحدة لأول مرة «الحرس الثوري» على أنه تنظيم إرهابي، والرد الغرائبي الذي وصف فيه روحاني ذكر الولايات المتحدة بأنها «زعيمة الإرهاب العالمي». فيما يتلخص الطموح الإيراني إلى تغلغل الثورة الخمينية في منطقة الشرق الأوسط فيما ذكره النائب البرلماني الإيراني علي رضا زاكاني في 21 سبتمبر (أيلول) 2014 من أن «ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران وتابعة للثورة الإسلامية»، وأن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة بعد كل من بغداد وبيروت ودمشق.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».