قمم مكة: ردع الإرهاب الإيراني

تآزُر عربي وإسلامي لأمن المنطقة

مسؤولو ميناء الفجيرة يلتقطون صورة للسفينة «أندريا فيكتوري» التالفة في مياه الإمارات 13 مايو الماضي (رويترز)
مسؤولو ميناء الفجيرة يلتقطون صورة للسفينة «أندريا فيكتوري» التالفة في مياه الإمارات 13 مايو الماضي (رويترز)
TT

قمم مكة: ردع الإرهاب الإيراني

مسؤولو ميناء الفجيرة يلتقطون صورة للسفينة «أندريا فيكتوري» التالفة في مياه الإمارات 13 مايو الماضي (رويترز)
مسؤولو ميناء الفجيرة يلتقطون صورة للسفينة «أندريا فيكتوري» التالفة في مياه الإمارات 13 مايو الماضي (رويترز)

قمم مكة المكرمة الثلاث المتمثلة في القمة الإسلامية في دورتها العادية والقمتين الطارئتين لمجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، حوت في طياتها حرصاً على التآزر العربي والإسلامي من أجل تحقيق الأمن في المنطقة، والتصدي بحزم للتهديدات العدوانية والأنشطة التخريبية.
تمثَّل ذلك في التشديد على إدانة الاعتداء الإرهابي باستهداف أربع سفن تجارية بعمليات تخريبية في ميناء الفجيرة الإماراتي وتخريب ناقلات نفط في السواحل الإماراتية، بالإضافة إلى الهجوم على محطتي ضخ تابعتين لشركة «أرامكو» السعودية، باستهدافه مصالح الدول وإمدادات النفط العالمية، كما تمثل في الإعراب عن التضامن مع السعودية والدعم اللامحدود للإجراءات التي تتخذها لحماية أمنها القومي.

وأفادت نتائج تحقيق أوّلي مشترك حول استهداف ناقلتي نفط نرويجية وسفينة شحن إماراتية في الخليج بأن الهجمات نُفِّذت باستخدام ألغام بحرية على درجة من التعقيد تشير إلى أن دولة تقف وراءها، وهناك ترجيح بأن إيران مسؤولة عن ذلك. كما اتهم مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، إيران بأنها مسؤولة عن الهجوم على ناقلات النفط. أما مؤتمر أعمال القمة الإسلامية فتم فيه التباحث في شؤون وتحديات الشرق الأوسط ومن ضمنها تدخلات إيران في المنطقة.

قيم الوسطية
من جهة أخرى، نجد هناك تشديداً على أهمية تأكيد قيم الوسطية والاعتدال في نصوص الكتاب والسنة، بهدف التصدي لتيارات التطرف والإرهاب. وقد نصت وثيقة مكة المكرمة المنبثقة عن القمة التي انعقدت خلال الفترة من 27 إلى 29 مايو (أيار) 2019 على ذلك، سواء رفض العبارات والشعارات العنصرية أو التنديد بدعاوى الاستعلاء البغيضة، وفي ذلك تآزر رمزي بهدف دحض التطرف في العالم الإسلامي والعربي فكرياً ودينياً وتعديل القيم والمفاهيم المغلوطة من خلال المؤسسات السياسية والدينية وسن التشريعات الرادعة لمروجي الكراهية والمحرضين على العنف والإرهاب والصدام الحضاري، مما هو كفيل بتجفيف مسببات الصراع الديني والإثني ومكافحة التطرف والإرهاب، خصوصاً مع تصاعد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» التي تدل على عدم المعرفة بحقيقة الإسلام وإبداعه الحضاري وغاياته السامية. والتعرف الحقيقي على الإسلام يستدعي الرؤية الموضوعية التي تتخلص من الأفكار المسبقة. ويظهر تصاعد الخوف من الإسلام فيما حدث في مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا من إطلاق النار على مصلين في مسجدين، وما ظهر من خلال البيان الذي شرح دوافع تنفيذ الهجوم بأنها محاولة لحماية العرق الأبيض، ما يشير إلى تصاعد اليمين المتطرف.
تأتي القمم الثلاث بعدة أهداف أبرزها التصدي لأذرع إيران الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط من الحوثيين و«حزب الله» وغيرهما، بالأخص في خضم التوتر ما بين الولايات المتحدة وإيران وموجات التصعيد من الطرفين نتيجة تقهقر الاتفاق النووي والعقوبات الأميركية حيال إيران، وما جاء في أعقاب ذلك من دعم إيراني للحوثيين الذين كثفوا من هجماتهم في المنطقة في التوقيت ذاته. وقد اتفقت غالبية الدول العربية على إدانة إيران والتنديد بتهديدها المستمر للمنطقة. كما أدانوا الهجمات التي يقوم بها الحوثيون بدعم من إيران باستثناء تحفظ قطر على بياني القمتين الخليجي والعربي.

دعم الحوثيين
دعم إيران للحوثيين جاء بتزويدهم بالأسلحة والصواريخ الباليستية إضافةً إلى الدعم اللوجستي، كما تم اكتشاف عناصر من «الحرس الثوري» ممن يقومون بتدريب الحوثيين في صعدة. وانعكس ذلك على إطلاق الحوثيين ما يزيد على 225 صاروخاً باليستياً و145 طائرة مسيّرة على منشآت حكومية سعودية استهدفت عدة مدن من ضمنها الرياض ونجران والعاصمة المقدسة مكة المكرمة. وجاءت عدة حوادث للكشف عن سفن ومراكب إيرانية محمّلة بذخائر وأسلحة بهدف تسليح الحوثيين، مثل ما حدث في 23 يناير (كانون الثاني) 2013 حين تم اعتراض سفينة «جيهان 1» الإيرانية وهي محملة بأسلحة عبارة عن صواريخ من طراز «كاتيوشا» وأنظمة رادار وصواريخ مضادة للطائرات ومتفجرات وأسلحة أخرى، بهدف دعم الحوثيين بها. ويظهر التغلغل الإيراني في اليمن ودول أخرى بتصريح قائد «الحرس الثوري» الإيراني في يناير 2016 بوجود 200 ألف مقاتل مرتبطين بـ«الحرس الثوري» في خمس دول في المنطقة: اليمن وسوريا والعراق وباكستان وأفغانستان، إضافة إلى «حزب الله» وميليشياته الإرهابية.

تأثُّر المتطرفين
أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب في عدة مناسبات رسمية أن بلاده عازمة على منع النظام الإيراني من حيازة أسلحة نووية ووقف تمويله للإرهاب. وقد أظهرت معلومات استخباراتية أميركية أن فرض العقوبات الأميركية على إيران لم يتسبب فحسب في تدهور الوضع الاقتصادي فيها، وإنما كذلك الجماعات المدعومة من إيران تواجه أزمة مالية نتيجة نقص تمويل إيران لها. وحسب المعلومات التي نشرتها قناة «فوكس» الإخبارية فإن إيران أخبرت عدداً من الميليشيات الشيعية المتطرفة أنها بحاجة إلى إيجاد مصادر أخرى للدخل لأنها لم تعُد في وضع يتيح لها تزويدها بالأموال.
وتزامن ذلك مع دعوات أصدرها «حزب الله» على وسائل التواصل الاجتماعي طالب فيها أنصاره بالتبرع بالأموال. كما هدد الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله بأن أي حرب ضد إيران ستُشعل المنطقة. وعلى الرغم من أن «حزب الله» لا يزال يُظهر مواقف قوية داعمة لإيران؛ فإن تقريراً نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية أشار إلى أن إيران لم تعد تعتبر «حزب الله» ذراعها الأهم للقيام بعملياتها والمشاركة في حروبها في المنطقة، وإنما هناك توجه إلى جعل الحوثيين الذراع الأهم، بالأخص في ظل اشتعال التوتر ما بين الولايات المتحدة وإيران. وأشار التقرير إلى رأي الباحث في معهد دراسات سياسة الشرق الأدنى في واشنطن مايكل نايت، أن إيران اختارت جعل التهديد عبر الحوثيين ليقع رد الفعل والهجوم داخل اليمن وليس في إيران، وليصبح الاستهداف موجهاً إلى السعودية لا إلى مصالح الولايات المتحدة بشكل مباشر لأن ذلك سيتسبب في رد فعل عنيف لا محالة.

دعم الميليشيات
يظهر تغلغل إيران ودعمها للجماعات المتطرفة في الدول التي تعاني من انعدام الاستقرار والأمن مثل دعمها للحوثيين في اليمن ولجماعات متطرفة في سوريا. لذلك ليس بمستغرب قلة عدد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها، باستثناء هجمة إرهابية في 7 يونيو (حزيران) 2017 استهدفت البرلمان الإيراني وضريح آية الله الخميني وأسفرت عن مقتل 17 شخصاً، وتبنى تنظيم «داعش» العملية الإرهابية، وسبقها في 15 يوليو (تموز) 2010 هجومان انتحاريان على مساجد في مدينة زاهدان في محافظة سيستان بلوشستان، وفي ديسمبر (كانون الأول) من عام 2010 هجوم انتحاري في يوم عاشوراء تبنّته حركة جند البلوشية.
وتُتهم إيران بتقديمها الدعم المالي واللوجيستي وحتى إيوائها لأعضاء وقياديي تنظيمات إرهابية أبرزها «القاعدة»، وأبناء أسامة بن لادن، وأبرزهم حمزة بن لادن، وسيف العدل الذي أسهم في هجمات السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام، إضافة إلى سليمان أبو غيث المتحدث السابق باسم تنظيم «القاعدة». وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أخيراً عن أن إيران تواصل تمددها في الجنوب السوري ودير الزور وأماكن أخرى في دمشق وريفها. حيث إنها تقوم بالاستقطاب والتجنيد من خلال شبكة العرّابين والوكلاء بهدف ترسيخ وجودها هناك. وفي أعقاب التوتر الأميركي الإيراني حثّ قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» الإيراني، قادة الميليشيات المدعومة من إيران في مناطق الشرق الأوسط على التحضير للحرب بالوكالة. ومن بينها «لواء الفاطميون» الذي يتكون مقاتلوه من الهزارة الأفغان من الأقلية الشيعية، وقد لوحظ مغادرتهم من سوريا لانتقال قتالهم إلى منطقة أخرى. ويعد «فيلق القدس» الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري» الإيراني والمسؤول عن تصدير الثورة الإيرانية، وقد وُضع قائده قاسم سليماني في فترة سابقة على قائمة الإرهابيين. ولـ«فيلق القدس» ميزانية سرية، ويظهر تورطه في كلٍّ من العراق وسوريا، وحسب وثيقة سنة 1998 لاتحاد العلماء الأميركيين فإن التركيز الأساسي لـ«فيلق القدس» هو على «تدريب الجماعات الإرهابية الأصولية الإسلامية».
الموقف الإيراني حيال منطقة الشرق الأوسط وإذكائه للاضطراب السياسي ليس بأمر سرّي، فإيران تقسّم العالم ما بين ثورة إسلامية وحدها هي الصائبة والتي ينبغي للعالم أجمع أن يتبعها، وبين بقية العالم ممن يمثلون التطرف والشر وهم كل من يقف ضد الجمهورية الإيرانية. ما يدل على ذلك هو استنكار الرئيس الإيراني حسن روحاني، تصنيف الولايات المتحدة لأول مرة «الحرس الثوري» على أنه تنظيم إرهابي، والرد الغرائبي الذي وصف فيه روحاني ذكر الولايات المتحدة بأنها «زعيمة الإرهاب العالمي». فيما يتلخص الطموح الإيراني إلى تغلغل الثورة الخمينية في منطقة الشرق الأوسط فيما ذكره النائب البرلماني الإيراني علي رضا زاكاني في 21 سبتمبر (أيلول) 2014 من أن «ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران وتابعة للثورة الإسلامية»، وأن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة بعد كل من بغداد وبيروت ودمشق.



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.