في مديح بريطانيا التي كانت

في مديح بريطانيا التي كانت
TT

في مديح بريطانيا التي كانت

في مديح بريطانيا التي كانت

المنوّر الأكبر فولتير كان هنا في زمن سحيق. فر إليها من نظام لويس الخامس عشر المطلق. قضى فيها ثلاث سنوات من 1725 إلى 1728 كانت حاسمة في حياته من تعرفه على أعمال شكسبير، الذي لم يكن معروفاً آنذاك في أوروبا، إلى تعرفه على طبيعة النظام السياسي البريطاني، الذي ناضل من أجل تطبيقه في فرنسا، فقد اعتبر أن الملكية الدستورية أكثر تقدماً واحتراماً لحقوق الإنسان من نظيرتها الفرنسية، وسجل آراءه هذه في كتابه «رسائل فلسفية». لكن سلطات لويس الخامس عشر أحرقت الكتاب.
وماركس كان هنا. جاءها هارباً من وطنه ألمانيا، وأمضى فيها بقية حياته في أمان وسلام. وأكثر من هذا، نقل إليها مقر الرابطة الشيوعية، التي كانت آنذاك شبحاً يجول في أوروبا، حاملة معاولها لهدم صرح الرأسمالية. لم يقل له أحد: عد إلى بلدك أيها المنفي المشاكس. أكثر من هذا، خلّدوا غرفته في المكتبة البريطانية، التي كان يفكك فيها أسس رأس المال ومصادر الثروة على حساب الطبقة العاملة، ونصبوا له تمثالاً في «هايغيت» مع صديقه فريديريك إنغلز، الذي كشف فيها بؤس الطبقة العاملة في إنجلترا، كما لم يفعل أحد قبله.
وكان هنا أيضاً الفوضوي الروسي الشهير ميخائيل باكونين، الذي دعا ليس فقط لهدم النظام الرأسمالي، بل رمي الدولة نفسها في مزبلة التاريخ. لم يطرده أحد، أو يغلق فمه الثرثار. وكان الكاتب الاشتراكي ألكسندر هيرزين، قد سبقه إلى لندن، التي أصدرا فيها جريدتهما «بيل» (الجرس) المعارضة لقيصر روسيا.
وفي أحد أحياء لندن، كان يجتمع العشرات من المنفيين السياسيين الإيطاليين، الفوضويين أيضاً، الذين هربوا إليها في نهاية القرن التاسع عشر، والذين اعتبروا هذه المدينة «أكثر مكان مريح في العالم».
ولينين كان هنا أيضاً. جاءها عام 1902هارباً من ألمانيا مع زوجته ناديجدا كروبسكايا، بعدما بدأ البوليس الألماني يطارده ليعيده إلى وطنه، روسيا.
من شقته الصغيرة في «كنجز كروس»، التي اختارها لقربها من المكتبة البريطانية، أطلق لينين عبارته الشهيرة: «بريطانيا أمتان». وكان يعني أن هناك طبقتين... ثراء فاحش راكمته مستعمرات بريطانيا، التي لا تغيب عنها الشمس، وغذته الثورة الصناعية، يقابله انسحاق أولئك الذين كانوا وقود هذه الثورة نفسها، التي غيرت ليس بريطانيا فقط، بل العالم كله.
ما تزال بريطانيا أمتين، ولكن هذه المرة على مستوى أشمل، على المستوى الوطني كله، الذي يشكل بريطانيا التي نعرفها.
قسمها «بريكست» إلى أمتين: أمة تريد أن تصون تلك التقاليد والقيم الإنسانية والتنويرية الكبرى، التي جعلت بريطانيا ما كانت عليه من تسامح وانفتاح واحتضان للآخر المختلف، وهي تقاليد وقيم سبقت بها شقيقاتها الأوروبيات بدرجات، وأمة تريد أن تمحو كل ذلك، لتعود جزيرة معزولة لا تطل إلا على نفسها، نابشة في ترابها العتيق لتبعث أشنات حجرية، تنتمي إلى العتمة والجحور والكهوف، حيث الإرث الاستعماري البغيض، وعقدة التفوق الوهمية. وإذا ما انتصر، ويبدو ذلك هو الأرجح، رجال الكره والانغلاق الشعبويون، الذين ما إن يفتحوا أفواههم، وإلا وفاحت روائح العنصرية، فستغرق جزيرة الإنجليز الصغيرة، وهذه المرة وحدها، من دون أطرافها، إلى أمد بعيد لا أحد يعرف مداه. وسيأتي بالتأكيد ذلك اليوم المحتم الذي ستنظر فيه بعين الحسد إلى أمتي فولتير وماركس.



مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).