التبغ الساخن... أحدث تقليعة في عالم التدخين

سجائر لا تحرق التبغ تثير جدالاً علمياً حول مضارها

التبغ الساخن... أحدث تقليعة في عالم التدخين
TT

التبغ الساخن... أحدث تقليعة في عالم التدخين

التبغ الساخن... أحدث تقليعة في عالم التدخين

بدأت التحولات حديثاً إلى نوع جديد من السجائر المطورة، تسمى «منتجات التبغ الساخن» HTP - Heat Tobacco Products، أو ما يعرف أيضاً بأجهزة التسخين وليس الحرق، فبدلاً من حرق التبغ تقوم تلك الأجهزة بتسخين التبغ لتحرير أبخرة تسمّى «المواد المتطايرة (آيروسول)» من النيكوتين ومواد أخرى يستنشقها المدخن. وكثيراً ما يوصف هذا النوع من التدخين بأنه هجين بين السيجارة التقليدية والسيجارة الإلكترونية.

التبغ الساخن
أُطلق مصطلح «فابينغ vaping» قبل سنوات على عملية استنشاق بخار النيكوتين من جهاز خاص بتوليده كما يحدث في السيجارة الإلكترونية. والآن هناك نوعان من أجهزة التدخين الحديثة هذه: السيجارة الإلكترونية المعروفة، وسيجارة منتجات بخار التبغ الساخن. وتحتوي هذه الأخيرة على التبغ، وتولّد بخار التبغ الذي يمكن استنشاقه. ومن المهم ألا يُحرق التبغ في هذه الأجهزة. بينما في السيجارة الإلكترونية يتم تسخين سائل يحتوي على النيكوتين ويتولد بخار يمكن استنشاقه من دون تبغ. ويوجد الآن شبه إجماع علمي ناشئ على أن انعدام عملية الاحتراق في السجائر الإلكترونية، أي تطوير منتجات بخار التبغ، تجعلها خيارات أقل ضرراً للمستهلكين البالغين. لذلك تسمى هذه الفئة «منتجات منخفضة المخاطر» أي أن لديها القدرة على تقليل المخاطر المرتبطة بالتدخين.
وجاء إطلاق سجائر تبغ جديدة لا تحترق، بعد تصميم جهاز IQOS) I - Quit - Ordinary - Smoking) الذي يعني «أقلعتُ عن التدخين» من قِبل شركة فليب موريس لعيدان التبغ الصغيرة جداً المنقوعة في محلول من «البروبيلين غليكول»، يتم وضعها في حامل في سيجارة يسمى «HNB» (Heat Not Burn - أي التسخين وليس الحرق). ويمكن التخلص من العيدان برميها لاحقاً.
يتم تسخين التبغ بأداة كهربائية صغيرة عند 350 درجة مئوية. وتزعم الشركة أنها «تقنية ثورية تسخن التبغ دون حرقه، وتمنحك الطعم الحقيقي للتبغ، من دون دخان ولا رماد، ورائحة أقل».
وتنطلق المكونات الضارة لدخان التبغ من نواتج احتراق غير كامل (الانحلال الحراري) وتدهور سجائر التبغ عن طريق الحرارة (التدهور الحراري).
يحدث الاحتراق التام عند درجة حرارة عالية (1300 درجة مئوية)، أعلى من الحرارة الناتجة عن تدخين سيجارة التبغ (أقل من 800 درجة مئوية). والعلامات النموذجية للتحلل الحراري والتدهور الحراري لسجائر التبغ هي ظهور الأسيتالديهيد، وهو مركب عضوي متطاير مهيج، وبنزو بيرين، وهيدروكربون عطري متعدد الحلقات مسرطن وأول أكسيد الكربون.

نبذة تاريخية
كانت البرامج التجريبية لنظام IQOS قد بدأت في عام 2014 في اليابان وفي عام 2015 في سويسرا وإيطاليا. وأشار استطلاع على الإنترنت في اليابان نُشر في عام 2015 إلى أن الأفراد الأصغر سناً (من 15 إلى 39 عاماً) كانوا أكثر تقبلاً لاستخدام IQOS، مثل المدخنين السابقين والمدخنين الحاليين. ومنذ عام 2016، سمح ما مجموعه 19 دولة ببيع سجائر IQOS. في يونيو (حزيران) 2016، كشفت بيانات مؤشر مديري المشتريات أن IQOS قد استحوذت على 2.2٪ من سوق السجائر في اليابان.
ولم يتم بيع IQOS في الولايات المتحدة حتى وقت قريب. لكن إدارة الغذاء والدواء الأميركية وافقت أخيراً على بيع هذا النوع من السجائر.
وتدّعي شركة «فليب موريس» أن هذه الأجهزة متوفرة أساساً في أكثر من 40 دولة أخرى ويستخدمها أكثر من 10 ملايين شخص معظمهم من المدخنين السابقين. ومع هذا فمن المتوقع عودة النقاشات الصحية التي اندلعت عند إطلاق السجائر الإلكترونية.
يحتاج المدخنون وغير المدخنين إلى معلومات دقيقة حول المركبات السامة الصادرة في دخان IQOS. ويجب أن تأتي هذه المعلومات من مصادر مستقلة عن صناعة التبغ.

جدال علمي
تدور تساؤلات عديدة حول منتجات التبغ الساخن أهمها هي ما إذا كانت هذه المنتجات أكثر أماناً من تدخين السجائر التقليدية، وهل تشجع الناس على الإقلاع أو التعود على التدخين؟ وما المخاطر على المدى البعيد؟ منطقياً، معظم المركبات الخطيرة في السجائر تتولد في أثناء حرق التبغ. ولذا فإن التخلي عن الاحتراق يعني منتجات تبغ ساخن أقل ضرراً. وفي الوقت نفسه فإن هذه المنتجات توفر النيكوتين وطعماً مشابهاً للسجائر التقليدية.
وتشير تقارير علمية إلى أن السجائر الإلكترونية غيّرت تفكير المدخنين، لكن معدل الأشخاص الذين يتحولون من التدخين إلى التبخير قد تباطأ بالفعل. وتعترف «فليب موريس» بأن التبغ الساخن لا يعني بالضرورة أنه آمن.
في مراجعة مستقلة للمنشورات العلمية قام بها إريكاس سيمونافيسيوس في جامعة كنغز كوليدج – لندن، وزملاؤه المنشورة في مارس (آذار) 2017 في مجلة «توباكو كونترول» يقول إريكاس إن نتائج البحوث من صناعة التبغ تدعم مزاعم مصانع السجائر وأن معظم البحوث المنشورة حول منتجات التبغ الساخن قد أُجريت ونُفِّذت بتمويل من الصناعة، مما يثير المخاوف حول نزاهة تلك النتائج.
من جهته يضيف سانتون غلاندز من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو في بحثه المنشور في مايو (أيار) 2019، في مركز «بحوث السيطرة والتثقيف على التبغ (UCSF)»، أن البحوث التي نشرتها شركات التبغ كانت غير كاملة أو يوجد فيها تلاعب. فمثلاً في عام 2001 نشرت «فليب موريس» بحثاً مفاده أن تضمين إضافات مثل زيت النعناع (المنتول) في السجائر لا يعزز السمية، وفي عام 2011 قام غلاندز بتحليل مستندات الشركة الداخلية الصادرة من خلال الإجراءات القانونية ووجد أنه قد تم إخفاء البيانات في تلك المواد المضافة، حيث إنها زادت من سمية السجائر.
وخلاصة النتائج التي توصل إليها غلاندز أن جميع المواد في التبغ الساخن ومنتجات التسخين وليس الحرق لا تقل ضرراً عن السجائر التقليدية.
وتقول آرينا ستيبانوف من جامعة منيسوتا في الولايات المتحدة في بحثها المنشور في مارس 2019، في مجلة «كارسينو جنيسس»، إن هناك مخاوف أخرى غير منظورة، فقد يحتوي الآيروسول على مواد كيميائية ضاره لا توجد في السجائر لأن حرق التبغ يؤدي إلى تكسيرها وأن هذا المزيج الكيميائي الفريد من نوعه له صورة سمية مميزة، وهذا يعني أن منتجات التبغ الساخن يمكن أن تؤدي إلى أمراض لا يسببها التدخين.



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً