«المبيت»... لوحة طبيعية ترسمها الكثبان

عشاء ألف ليلة وليلة في صحراء أبوظبي

جلسة جميلة عند غروب الشمس
جلسة جميلة عند غروب الشمس
TT

«المبيت»... لوحة طبيعية ترسمها الكثبان

جلسة جميلة عند غروب الشمس
جلسة جميلة عند غروب الشمس

لطالما شدني سحر الصحاري وأشكال الكثبان التي تتبدل على رقصات النسيم، فسرعان ما ترسم لوحة جديدة أمام عينيك. ولطالما شعرت بالسكينة في أجواء البادية فسرحت في حكايات أهاليها الذين عاشوا فيها في ظروف مناخية قاسية، وكم نحن محظوظون اليوم لأننا نعيش أجمل ما تزخر به الصحراء بكل رفاهية متوفرة، والدليل هو نجاح عدد كبير من المنتجعات في الإمارات في خلق عالم جديد من نوعه في الصحاري الشاسعة التي تتمتع بها البلاد، وخلقت عالماً يحيي تراث البلد في قالب من العصرية، وأحدث مثال على ذلك هو افتتاح «منتجع وسبا جميرا الوثبة الصحراوي» الذي يقع على مسافة 45 دقيقة فقط من مطار أبوظبي و90 دقيقة من دبي، والبعيد كفاية ليكون وجهة مثالية للراغبين بالابتعاد عن صخب المدينة، والقريب في الوقت نفسه ليكون نقطة انطلاق مناسبة لاستكشاف معالم المدينة.
واستطاع المنتجع منذ افتتاحه منتصف شهر مارس (آذار) رسم خط جديد من نوعه في أوساط المنتجعات الصحراوية، فشدد على جانب الطعام والمطاعم بدلاً من التركيز على العلاجات الصحية فقط وكانت النتيجة ستة مطاعم هي «تيرا سيكا» و«باناش» و«حياكم» و«المسيان» وكل منها يقدم نكهة خاصة وبنمط فريد، وبديكورات جميلة تتماشى مع موقع المنتجع في قلب الصحراء ولكن يبقى «مخيم المبيت الصحراوي» من أجمل مرافق الطعام في الصحراء لأنه يجسد الثقافة البدوية، فهو تابع للمنتجع ولكنه يتمتع بموقع منفصل تماما، فيمكن الوصول إليه عن طريق العربات الكهربائية المتوفرة في المنتجع أو عن طريق السيارة إذا كان الضيوف من غير المقيمين في المنتجع. عندما تصل إليه ترى باباً من الخشب وتستقبلك وراءه سيدة تجلس في حجرة مفتوحة وبيدها الحناء ترسم بها أجمل التصميمات على الحاضرات، وتكون الموسيقى الشرقية دليلك إلى الوصول إلى قلب المطعم، أو بالأحرى يصح القول إلى خارج المطعم لأن تصميمه في الهواء الطلق ولكن مدخله يمنح الشعور بأنك تدخل إلى مدينة قديمة، فتخطر على بالك شخصية علاء الدين الشهيرة، فالتصميم جميل والموسيقى تتناغم مع الجغرافيا وعنصر المفاجأة هو الأهم، اعذروني لو أفسدتها عليكم، لأن ما سترونه لن يكون في الحسبان، فبمجرد الوصول إلى المقاعد الدائرية ترى جدارين يشبهان آثارا متبقية من قلعة رومانية يلفان المسرح المفتوح وفي الخلفية تغرق الشمس خلف الكثبان الرملية على أنغام الموسيقى الحية التي يتمايل عليها راقصون وراقصات يقومون بعروض فنية جميلة بما فيها النفخ بالنار.
وبالنسبة للطعام فهو يكمل اللوحة الشرقية التي يجسدها «المبيت»، فيقدم الطعام على طريقة البوفيه وفيه ما لذ وطاب من المأكولات الشرقية، بنكهات وكميات سخية جداً.
أنا لست من محبي البوفيه لأن الطعام غالبا ما يتم تحضيره من قبل، والسبب الثاني هو أن الكمية والتنوع الكبيرين يجعلان الاختيار صعباً، ولكن ميزة البوفيه في «المبيت» هو أنه يعتمد على تحضير الكثير من الأطباق أمامك، لدرجة أن التبولة تحضر لكل شخص على حدا فتكون طازجة ويمكنك اختيار المكونات بنفسك، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على باقي السلطات والمشاوي والأكلات الرئيسية الأخرى.
وبعد الغوص في أصناف رائعة من مأكولات الهند وبلاد الشام والخليج يأتي وقت تذوق الحلوى، وهنا الخيار سيكون صعباً لأن الأصناف كثيرة ويلعب الابتكار فيها دورا بارزا، لأن طاهي الحلوى استطاع أن يبتكر وصفات جديدة لأصناف تقليدية.
يشار إلى أن المنتجع الصحراوي يمتد على مساحة 22 ألف متر مربع في قلب صحراء هادئة استلهمت شركة غودوين أوستن جونسون التصاميم من روعة القرى الصحراوية القديمة، ونجحت الشركة في ذلك لأن المطعم وباقي أرجاء المنتجع تجعلك تشعر وكأنك تمشي في مدينة تراثية.
بما أن المطعم تابع للمنتجع الذي يقع على مسافة نحو أربعين دقيقة من وسط أبوظبي فأنصح بمزج الزيارة بجولة مشي في أرجاء المنتجع قبل مغيب الشمس، ومن الممكن أيضاً وضع جدول قصير للتعرف على الحياة الصحراوية، فيقام فترة الغروب عرض للصقور مع لمحة عن حياة تلك الطيور الجارحة، ومن الممكن أيضاً زيارة الاسطبلات مسكن الخيل العربي الأصيل حيث يستطيع الراغبون القيام بجولة على ظهر الخيل مع دليل سياحي يعرفك على صحراء أبوظبي.



المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
TT

المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)

في الماضي، كان الناس يخرجون لتناول الطعام في مطعمهم المفضل وتذوق طبقهم الألذ فيه، أما اليوم، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي وتوفر كاميرا الهواتف الذكية في كل مكان وزمان، ونشر صور الطعام على منصات رقمية على رأسها «إنستغرام» أصبحت زيارة المطعم لالتقاط الصور ومشاركتها مع العالم، دون أكلها أحياناً. ولكن هل كل ما تأكله الكاميرا قبل المعدة لذيذ كما تراه في الصورة؟

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)

هناك فئة من المطاعم التي تحمل مصطلح «إنستغرامابل» Instagrammable وتعني أنها تبدو جميلة على صفحات «إنستغرام» نظراً للتركيز على شكل الأطباق وطريقة تقديمها واستخدام الألوان فيها، بعيداً عن التركيز عن النكهة والمنتج المستخدم فيها.

وفي دراسة نشرت أخيراً على موقع رقمي متخصص بأخبار المطاعم والطعام، تبين أن تصوير مأكولات (تبدو شهية مثل الكيك وأنواع الحلوى المنمقة) قد تزيد من نكهتها قبل أكلها، والسبب قد يعود إلى أن مقولة «العين تعشق قبل القلب أحياناً» صحيحة، وذلك لأن العين هنا تقع في حب الطبق قبل تذوقه، فقط بسبب الصور التي نلتقطها.

طبق شهير نشرت صوره على وسائل التواصل الاجتماعي (إنستغرام)

في الآونة الأخيرة، وفي تغير واضح في طريقة تصرف الذواقة في المطاعم أصبح التقاط صور الطعام أمراً مبالغاً به، لدرجة أنه أصبح من الضروري الاستئذان من الجالسين على طاولتك قبل مد يدك لتناول الأكل بسبب اهتمام بعضهم بالتقاط الصور ونشرها على الإنترنت، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كل ما تلتقطه الكاميرا وينشر على الشبكة العنكبوتية يتمتع بنكهة لذيذة توازي الشكل الجميل؟

ديكورات تلفت الانظار والمهتمين بنشر صور المطاعم (إنستغرام)

هذا السؤال يذكرني بحادثة وقعت معي، بعدما تحمست لزيارة أحد المطاعم الإيطالية في لندن، بعد رؤية العديد من المؤثرين ينشرون صوراً لثمار البحر يسيل لها اللعاب، فقررت الذهاب وتذوق تلك التحف الصالحة للأكل، وللأسف انتهى الحماس بمجرد تذوق أول لقمة من طبق الأسماك المشكلة الذي جئت حالمة بصورته وتذوقه، فالمذاق لم يكن على المستوى الذي توقعته، خاصة أن لائحة الانتظار للحصول على حجز في ذلك المطعم طويلة مما اضطرني للتكلم مع المدير المسؤول في هذا الخصوص، والاعتراض على نوعية المنتج.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)

الأكل في أيامنا هذه بالنسبة للأجيال الصاعدة مثل «جين زي» وجيل الألفية يعدّ نوعاً من التعبير عن المكانة الاجتماعية والمادية، فنشر صور الأكل بالنسبة لهم يتعدى مفهوم التهام الطعام والتمتع بمذاقه، وإنما يكون نوعاً من المفاخرة والتباهي في أوساط مجتمعاتهم ومعارفهم.

فالطعام نوعان؛ الأول يركز على المذاق والنكهة، أما الثاني فيعتمد على التصميم الخارجي، تماماً مثل ما حصل مع دوناتس قوز القزح، أقراص الحلوى التي غزت الإنترنت وشبكة التواصل الاجتماعي، وسميت بـRainbow Food Craze فكل من تذوق هذه الحلوى بوصفة الدونات المعدلة والمبتكرة قال إن النوع التقليدي يتمتع بمذاق ألذ بكثير.

تاباس أسماك (إنستغرام)

هناك عدد من المطاعم حول العالم التي تشتهر بتقديم أطباق جميلة وجذابة بصرياً على «إنستغرام»، لكنها ليست بالضرورة لذيذة. غالباً ما يكون الهدف من هذه المطاعم هو جذب الانتباه من خلال الإبداع في العرض وتنسيق الألوان والتفاصيل الجمالية، ولكن عند تذوق الطعام قد يكون الطعم عادياً أو غير مميز.

فيما يلي بعض الأمثلة التي تُذكر عادة في هذا السياق، مثل مطعم «ذا أفو شو» في أمستردام المعروف بتقديم يعتمد بشكل كامل على الأفوكادو بطريقة مبهرة وجميلة، إنما هناك بعض الآراء التي تشير إلى أن الطعم لا يرقى إلى مستوى العرض البصري.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)cut out

أما مطعم «سكيتش» في لندن ويعدّ من المطاعم ذائعة الصيت والمميز بديكوراته الجميلة وألوانه الزاهية، فهناك آراء كثيرة حول مذاق أطباقه الذي لا يكون على قدر التوقعات العالية التي يولدها المظهر الفاخر.

ومطعم «شوغر فاكتوري» في الولايات المتحدة الذي يملك فروعاً كثيرة، وشهير بحلوياته ومشروباته المزينة بألوان مشرقة على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يصفونه بأنه مجرد «سكر على شكل جميل»، ولا يقدم شيئاً مميزاً من حيث المذاق.

«إيل أند أن كافيه» في لندن، وهو غني عن التعريف، خاصة أنه من أكثر المطاعم التي تنشر صورها على «إنستغرام»، ومن بين أول المطاعم التي استخدمت أسلوب الديكور الذي يعتمد على الورود، فهناك من يعتقد أن أكله ليس جيداً على عكس الصور التي تنشر هنا وهناك.

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)cut out

«فيش أند بابلز» Fish & Bubbles الواقع في نوتينغ هيل بلندن، من المطاعم الإيطالية التي انتشرت بسرعة البرق على وسائل التواصل الاجتماعي، والصور والفيديوهات التي نشرها المؤثرون جرّت الكثير للذهاب إلى المطعم وتذوق ثمار البحر كما رأوها في الصور، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك؛ لأن المذاق أقل من عادي والأسماك ليست طازجة، ومن زار هذا المكان فلن يزوره مرة ثانية.

ولمحبي البرغر فقد أغرتهم الصور في مطعم «بلاك تاب كرافت برغرز» في نيويورك بعد الشهرة التي حصل عليها على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يجدون أن النكهات عادية، ولا تتناسب مع الشهرة التي حصل عليها على الإنترنت. ولا يتفق الكثير من الذين زاروا «سيريال كيلار كافيه» Celear Killer Café في كامدن تاون بلندن، الذي يقدم حبوب الإفطار بألوان زاهية وتنسيقات مبتكرة تجعلها مثالية للصور، أن الطعم يوازي روعة الصور، مما عرّض المقهى للكثير من الانتقادات، خاصة أنه ليس رخيصاً.

لائحة أسماء المطاعم التي تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي لتسويق أطباقها التي لا ترتقي للجودة المطلوبة لا تنتهي، والسبب وفي عصرنا هذا هو التسويق البصري والجذب السريع للزبائن، حيث يعتمد هذا النوع من التسويق بشكل كبير على الصور والفيديوهات القصيرة، خاصة على منصات مثل «إنستغرام» و«تيك توك». الأشخاص يتأثرون بالصور الجميلة والجذابة أكثر من أي شيء آخر. لذلك، عندما تكون الأطباق مصممة بشكل جميل ومبهج، يسارع الناس إلى تصويرها ونشرها، مما يوفVر للمطعم تسويقاً مجانياً وانتشاراً واسعاً.V

الكثير من الزبائن في يومنا هذا يسعون إلى أماكن مثالية لتصوير أطباقهم ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي. بعض المطاعم تلبي هذا الاحتياج عبر تقديم أطباق مبهجة بصرياً، مما يجعل المطعم وجهة مفضلة رغم أن الطعم قد يكون عادياً.

في السنوات الأخيرة، بدأ الطعام يُعامل بوصفه نوعاً من الفنون البصرية. فهناك اتجاه كبير نحو تقديم الطعام بطريقة إبداعية وفنية، مما يجعل من الصعب أحياناً التوفيق بين الطعم والتصميم. فالبعض يرى أن تصميم الطبق الجميل يستهلك جهداً كبيراً قد يطغى على الاهتمام بالتفاصيل المتعلقة بالطعم.

ولكن، وفي النهاية، لا يصح إلا الصحيح، ويبقى هذا النوع من المطاعم التي تهتم بالشكل والديكور وطريقة تقديم الأطباق لتشد الكاميرا وتتحول إلى صور يتهافت عليها الزبائن حالة خاصة؛ لأنها ستكون مؤقتة وستجذب الزبون مرة واحدة على عكس المطاعم التي تعتمد على جودة المنتج ونوعية الطعام وطعمه. كما أنه لا يجوز وضع المسؤولية كاملة على كاهل المطاعم إنما يتحمل أيضاً الزبون وبعض المؤثرين المسؤولية في تضليل الرأي العام، والتسويق لمطعم لا يستحق الشهرة والانتشار.