روسيا تحصد عشرات الاتفاقيات في اليوم الثاني لـ«منتدى بطرسبورغ»

إلى جانب هيمنة التصريحات الرسمية الروسية - الصينية حول المواقف من السياسات الاقتصادية الأميركية، وتأكيد الشراكة الاستراتيجية، بما في ذلك اقتصادياً، بين البلدين، شهدت أروقة منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي توقيع اتفاقيات بين شركات روسية وصينية حول التعاون في أكثر من مجال، فضلاً عن اتفاقيات حول استثمارات صينية في مجالات عدة، لعل أهمها اتفاقية تأسيس شركة روسية - صينية مشتركة للعمل في المجال الزراعي في أقاليم أقصى شرق روسيا، التي تحاول السلطات الروسية إنعاشها، وأطلقت أكثر من خطة لدفع المواطنين إلى الانتقال للعيش والعمل هناك. كما وقعت شركات روسية اتفاقيات تعاون مع مؤسسات أوروبية، بينها اتفاق تأسيس شركة مشتركة روسية - إيطالية لإنتاج مضخات الغاز.
وفي الوقت الذي عقد فيه الرئيسان الروسي والصيني جلسة مع رجال الأعمال من البلدين، قالت وسائل إعلام إن «صندوق تطوير أقصى الشرق» الروسي ومجموعة «جيه بي إيه» (JBA) الصينية وقعا اتفاقية للعمل المشترك في المجال الزراعي في إقليم بريموريا، أقصى شرق روسيا على الحدود مع الصين. وقال أليكسي تشيكونوف، مدير الصندوق الروسي، إن المجموعة الصينية ستستثمر في المشروعات هناك نحو 10 مليارات روبل روسي (نحو 160 مليون دولار)، موضحاً أنها واحدة من أضخم المجموعات الزراعية في الصين، ويزيد حجم بنكها من الأراضي عن 6 ملايين هكتار، وتهتم بصورة خاصة بزراعة ومعالجة حبوب الصويا.
ويشكل هذا الاتفاق خطوة إيجابية بالنسبة لروسيا التي تحاول دفع المواطنين للانتقال والاستقرار في مناطق أقصى الشرق التي تعاني من تراجع ملموس في أعداد السكان، بينما تتوفر فيها مقومات مميزة لمزاولة الإنتاج الزراعي، وغيره من نشاط تجاري واقتصادي. وتقدم الحكومة الروسية لأي أسرة ترغب في الانتقال للعيش هناك هكتاراً من الأرض، يصبح ملكية خاصة إن أثبتت الأسرة قدرتها على الاستفادة منه في مشروع إنتاجي أو أي مشروع استثماري، بغض النظر عن طبيعته.
ونظراً لوفرة مساحات شاسعة جداً يمكن الاستفادة منها في الزراعة، تستأجر شركات صينية مساحات في مناطق أقصى شرق روسيا، وتمارس منذ عدة سنوات الإنتاج الزراعي هناك، إلا أنها تعتمد بصورة خاصة على الأيدي العاملة الصينية، ويتم تصدير الجزء الأكبر من إنتاجها إلى الصين ودول جنوب شرقي آسيا.
وأحال ممثل المجموعة الصينية الاهتمام بتلك المنطقة إلى عدة عوامل، في مقدمتها بالطبع موقعها الجغرافي على الحدود مع الصين، ومن ثم تشابه الظروف المناخية والطبيعية (التربة والماء وغيره) فيها مع المناطق المجاورة داخل الأراضي الصيني، وهي بذلك مناسبة أيضاً لإنتاج محصول الصويا. وأشار في الوقت ذاته إلى توفر الآليات المناسبة لدى المجموعة لتهيئة الأرض للزراعة، فضلاً عن الدعم الذي تقدمه السلطات المحلية لهذا المشروع، وعبر عن قناعته بأنه مشروع واعد. وتبلغ قيمة الاستثمارات في هذا المشروع 9.7 مليار روبل، يقدم الصندوق الروسي لتطوير أقصى الشرق 2 مليار منها، والباقي استثمارات من المجموعة الصينية. ووقع الجانبان الاتفاقية على هامش أعمال منتدى بطرسبورغ الاقتصادي.
وإلى جانب تعزيز التعاون مع الصين، شهدت أروقة منتدى بطرسبورغ الاقتصادي توقيع اتفاقيات من شأنها تعزيز التعاون بين روسيا ودول أوروبية في مجال الطاقة، وفي الوقت نفسه المساهمة في تخفيف عبء العقوبات الأميركية عن الشركات الروسية. وفي هذا السياق، أعلنت واحدة من المجموعات التابعة لـ«غاز بروم بنك» عن توقيع اتفاق يوم أمس مع شركة «أنسالدو إنيرجيا» Ansaldo Energia الإيطالية، ينص على تأسيسهما شركة مشتركة لتصنيع وصيانة المضخات (توربينات) الغازية والبخارية الضخمة، يملك كل طرف 50 في المائة. وسيتم تسجيل الشركة في مدينة بطرسبورغ، بينما ستستفيد من مساحات وإمكانيات المجموعة الروسية كمعمل للإنتاج. ولم يكشف الجانبان عن قيمة المشروع وتكلفته وحجم الاستثمارات فيه.
وتمنح الشركة الإيطالية للشركة المشتركة حقوقاً خاصة لاستخدام تقنياتها في الإنتاج، وبيع وصيانة المضخات في روسيا وبلدان رابطة الدول المستقلة ودول أخرى. وسيولي الجانبان أهمية خاصة للإنتاج المحلي. ويرى جوزيبه إمباني، مدير عام الشركة الإيطالية، أن تأسيس الشركة المشتركة «قرار مربح لتوفير أفضل المعدات والخدمات للعملاء في روسيا ورابطة الدول المستقلة».
وتجدر الإشارة إلى أن شركة واحدة تنتج حالياً هذه المضخات في روسيا، وهي شركة مشتركة بين «سيمنس» الألمانية ومؤسسة «سيلوفيخ ماشين» الروسية. ومن غير الواضح ما إذا كان إنتاج الشركة الروسية - الإيطالية المشتركة سيكون خاضعاً للعقوبات الأميركية التي تحظر توريد المضخات الضخمة إلى القرم وسيفاستوبل. لكن أياً كان الأمر، فإن وفرة التصنيع المحلي لهذه المعدات يساعد روسيا على تخفيف تأثير أي عقوبات جديدة قد تضيق الخناق أكثر على قطاع الطاقة الروسي.
وفي غضون ذلك، دعا وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير أمس روسيا للتركيز على مشاريع اقتصادية محددة من أجل تعزيز التعاون الثنائي وزيادة التجارة.
وإذا قارنتم التجارة بين أوروبا وروسيا وأوروبا والصين وأوروبا والولايات المتحدة، فستشهدون مساحة كبيرة للتقدم... هذا ما نعتزم عمله». وأضاف أن برلين ترى أنه من الضروري التعاون مع روسيا، رغم نظام العقوبات الحالي.
وكانت شركة «مرسيدس بنز» الألمانية (فرع روسيا) قد افتتحت يوم 3 أبريل (نيسان) الماضي مصنعاً لإنتاج السيارات الخفيفة في ضواحي موسكو، بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويُذكر أن منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي انطلق أول من أمس في مدينة سان بطرسبورغ الروسية، ويستمر حتى الثامن من يونيو (حزيران) الجاري، ويعد حدثاً سنوياً اقتصادياً روسياً يُعقد منذ عام 1997، ويشارك فيه بشكل أساسي مديرو أكبر الشركات الروسية والأجنبية ورؤساء دول ورؤساء حكومات.