الدمشقيون يستقبلون العيد بقلوب مكسورة وجيوب خاوية

TT

الدمشقيون يستقبلون العيد بقلوب مكسورة وجيوب خاوية

«لا داعي لأي تحضيرات. لن يطرق بابنا أحد لا من الأولاد ولا من الأقارب ولا حتى من الجيران على الأغلب»، هي عبارات كان أبو مروان يرد بها على زوجته لدى استشارته بالاستعدادات التي يمكن أن ستقوم بها لاستقبال عيد الفطر السعيد.
الرجل الستيني يوضح بعبارات متقطعة مشوبة بالحسرة لـ«الشرق الأوسط»، أن لديه أربعة أولاد وثلاث فتيات، أجبرتهم ظروف الحرب في البلاد على الهجرة إلى دول الجوار السوري ودول أوروبية. ولم يبق سوى هو وزوجته يعيشان في المنزل، وبالتالي «لم يبق من أحد من الأولاد يقبّل يدي في صباح العيد ويقول لي كل عام وأنت بخير». ويضيف: «أيضاً معظم الأقارب هاجروا ومن تبقى من أناس انطوى على نفسه، وبالتالي من النادر تشاهد تلك المجموعات من الأقارب التي كانت تذهب إلى منازل بعضها بعضاً للتهنئة بالعيد».
واعتاد السوريون في الأيام الأخيرة من شهر رمضان على إجراء استعدادات الاستقبال عيد الفطر السعيد من قبيل تنظيف المنازل وتزيينها وشراء ملابس جديدة لجميع أفراد العائلة وأنواع عدة من الحلويات والفاكهة، بينما اعتاد أفراد العائلة الواحدة على الاجتماع في منزل العائلة صباح العيد للمعايدة على الأبوين، ومن ثم الانطلاق من هناك إلى منازل بعضهم بعضاً للتهنئة بالعيد، ومن ثم إلى منازل الأقارب الآخرين ومن ثم الجيران. لكن الحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من ثماني سنوات أجبرت نحو ستة ملايين سوري على الهجرة إلى دول الجوار ودول غربية، ومثلهم على النزوح داخل البلاد؛ ما أدى إلى تشتت أفراد العائلة الواحدة في أكثر من دولة، واقتصار التواصل فيما بينهم على المكالمات الهاتفية ووسائل التواصل.
بالنسبة لـ«أم محمد»، لم تفرح بعيد مر منذ اعتقال ابنها في العام الأول للأحداث واختفائه حتى الآن. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «كيف نعيد وقلوبنا مكسورة على محمد الذي لا نعرف مصيره إن كان حياً أو ميتاً، وإن كان حياً أين هو. لم نترك باباً إلا وطرقناه، وبعنا كل ما نملك من أجل معرفة مصيره، لكن دون جدوى»، بينما تتحدث ابنتها التي كانت تجلس بجوارها عن أن الدمعة تكاد لا تفارق عيون والدتها على اختفاء محمد، وأنها لم تشعر بعيد منذ اعتقاله واختفائه، وترفض رفضاً قاطعاً جلب الحلويات إلى المنزل في الأعياد والمناسبات، وتقول لن «تدخل دارنا حتى يعود محمد».
ومنذ الأيام الأخيرة من شهر رمضان، بدأت الاستعدادات للعيد تظهر في أسواق دمشق وريفها من بضائع وملبوسات وحلويات، وبدت الأسواق مزدحمة جداً بالمارة، لكن حركة البيع والشراء في الأسواق بدت ضعيفة جداً.
«وسيم» الذي كان في إحدى أسواق وسط العاصمة هو وأبناؤه الثلاثة، يقول: إن الأعياد وغيرها من المناسبات المشابهة باتت تشكل «مشكلة كبيرة» بالنسبة للكثير من الأسر بسبب تراجع الحالة المعيشية لها. ويقول: «كسوة الطفل تكلف ما بين 50 و70 ألف ليرة والراتب 40 ألفاً، فماذا تفعل الناس؟ الواحد بات محرجاً جداً أمام عائلته وأمام أصدقائه»، ويوضح أنه يقوم بشراء حاجيات لأطفاله بحسب إمكاناته المادية.
وخلال سنوات الحرب، تضاعفت الأسعار في عموم المناطق السورية أكثر من 12 مرة، بعد تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي إلى نحو 12 ضعفاً أيضاً مع بقاء مرتبات الموظفين على حالها التي كانت عليها قبل عام 2011 (الراتب الشهري لموظف الدرجة الأولى 40 ألف ليرة)؛ الأمر الذي ضيّق سبل العيش على الغالبية العظمى من الناس، وبات 87 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، بحسب أرقام البنك الدولي.
ما زاد أكثر من معاناة الناس المعيشية خلال شهر رمضان الحالي هو أزمة توافر مواد الطاقة (بنزين، مازوت، غاز منزلي) الخانقة التي عصفت بمناطق سيطرة الحكومة، وحصول تراجع جديد في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، ووصوله إلى نحو 575 ليرة، بعد أن كان يتراوح ما بين 530 و540 قبل هذه الأزمة؛ مما تسبب في تحليق جديد بالأسعار التي تضاعفت مرتين أو ثلاث مرات عما كانت عليه قبل أشهر عدة، علماً بأن سعر صرف الدولار أمام الليرة قبل الحرب كان نحو 50 ليرة.
ولوحظ في سوق حي الميدان جنوب العاصمة انحسار الإقبال على محال الحلويات التي يشتهر بها السوق منذ زمن بعيد رغم ازدحامه بالناس. ويقول أحد أصحاب المحال: «الحالة المادية للناس سيئة للغاية. وهذا هو السبب في تراجع الإقبال عن الشراء. الناس بالكاد تأكل خبزاً، فكيف ستشتري كيلو بقلاوة بـ10 آلاف ليرة سورية». ووصل سعر كيلو المبرومة إلى 15 ألف ليرة سورية والاسية إلى 12 ألفاً، بينما وصل سعر كيلو المعمول بالفستق الحلبي إلى 10 آلاف ليرة، والبيتيفور والبرازق إلى 5 آلاف ليرة، على حين كان أفخم كيلو حلويات في سوريا قبل الحرب لا يتجاوز 1500 ليرة.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.