الجيش الليبي ينفي تقهقره... وقوات السراج تعلن التقدم في الجنوب

مصادر عسكرية تروي تفاصيل ثاني أعنف معارك طرابلس

TT

الجيش الليبي ينفي تقهقره... وقوات السراج تعلن التقدم في الجنوب

قبل يومين فقط من اكتمال شهرين على بدء القتال في العاصمة الليبية طرابلس، ساد هدوء نسبي أمس جميع محاور المدينة بعد ليلة عنيفة من القتال الشرس بين قوات الجيش الوطني الذي يقوده المشير خليفة حفتر، والقوات الموالية لحكومة الوفاق التي يترأسها فائز السراج، راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من الطرفين.
وأفاد مسؤول عسكري بارز في الجيش الوطني أمس بأن قواته ألحقت ما وصفها بخسائر فادحة في صفوف الميليشيات المسلحة الموالية لحكومة السراج في طرابلس في القتال. وقال اللواء فوزي المنصوري قائد محور عين زارة التابع للجيش الوطني لـ«الشرق الأوسط» إن قوات الجيش تصدت مساء أول من أمس لما وصفه بهجوم عنيف شنته قوات موالية لحكومة السراج على المحور، مشيراً إلى أن حصيلة الاشتباكات التي دارت بمختلف الأسلحة الثقيلة تضمنت مقتل 30 شخصاً على الأقل في صفوف ميليشيات السراج مقابل 6 فقط وإصابة 17 من عناصر الجيش الوطني. وأضاف المنصوري «بالنسبة للميليشيات لديهم قتلى يفوق عددهم الثلاثين جثة والجرحى حدث ولا حرج، أعداد كبيرة جدا لدرجة أن المستشفيات لا تستوعبهم».
وبحسب المنصوري، تعد هذه المعركة التي دامت نحو سبع ساعات، ثاني أعنف معركة بين قوات الجيش والقوات الموالية لحكومة السراج منذ إطلاق عملية طرابلس، حيث لفت إلى أنه قبل نحو أسبوعين كانت هناك معركة بلغ عدد قتلى الميليشيات فيها 52 قتيلاً عدا الجرحى.
ونفى المنصوري أن تكون قوات الجيش قد خسرت أياً من المواقع التي تقع تحت سيطرتها في محاور جنوب طرابلس وخاصة محور عين زارة. وقال «ليس صحيحاً أننا خسرنا أي مواقع أو تأخرنا بالنسبة لمحور عين زارة، ولا يوجد حتى الآن تقهقر في أي محاور أخرى». وأرجع الهدوء أمس في المحاور بعد ساعات القتال الشرس إلى أن «العدو تم استهلاكه يوم أمس وعدد قتلى الميليشيات كان مرتفعاً، وهم ليسوا بالجيش النظامي حتى يستعيد أنفاسه ويعيد ترتيبات هجومه».
بدوره نفى اللواء إدريس مادي آمر المنطقة الغربية العسكرية التابعة للجيش الوطني، وقف إطلاق النار جنوب طرابلس. ونقلت غرفة عمليات تحرير طرابلس التابعة للجيش، في بيان لها مساء أول من أمس عن اللواء مادي قوله إن «العمليات العسكرية ضد الميليشيات المسلحة في طرابلس مستمرة، ومن يملك وقف إطلاق النار هي القيادة العامة وليس إدريس مادي».
وبعدما اعتبر أن «الطرف الآخر (قوات حكومة السراج) لم يتبق له سوى بث الأكاذيب عبر وسائله الإعلامية»، توعد بأن ساحات القتال، «ستشهد تغيرات مهمة خلال الأيام المقبلة»، لكن دون أن يكشف المزيد من التفاصيل. ومحورا صلاح الدين وعين زارة هما اثنان من سبعة محاور تخوض فيها قوات السراج معارك ضد قوات الجيش الوطني في جنوب وجنوب غربي طرابلس.
في المقابل، ادعت القوات الموالية لحكومة السراج والمشاركة في عملية «بركان الغضب» أنها حققت تقدما ميدانيا هو الثاني لها خلال شهر رمضان المبارك، مشيرة في ‎إيجاز صحافي في ساعة مبكرة من صباح أمس إلى أنها وجهت ما وصفته بضربات دقيقة لقوات للجيش الوطني في معسكرات بالقرب من غريان، وذكرت أنها كانت تستعد للالتحاق بمحاور محيط العاصمة. وأعلنت أنها استخدمت قواتنا تكتيكا جديدا تمكنت فيه من تمشيط مناطق واسعة في محيط المطار حيث كثفت المدفعية ضرباتها على تمركزات ما وصفته بالميليشيات الإجرامية (في إشارة إلى قوات الجيش الوطني) ما جعلها تهرب تاركة مواقعها، على حد تعبيرها. وتابعت «تحركت محاورنا القتالية في اليرموك والرملة ووادي الربيع وعين زارة والأحياء البرية والسواني، في تنسيق محكم، ومشطت مناطق واسعة دمرت فيها آليات للعدو واستحوذت على أخرى»، مشيرة إلى أنها دمرت مدرعة ودبابة وخمس آليات مسلحة، كما استحوذت على مدرعة وخمس آليات بعد أن أجبر سائقوها على الفرار. كما أعلنت أن قواتها تمكنت في محور عين زارة من التعامل مع قناصة تحصنوا بمبان سكنية وأجبرتهم على الهروب.
وقال محمد خالد، أحد القادة الميدانين بقوات حكومة السراج، «قواتنا وبعد خطة محكمة تمكنت من إحراز تقدم جديد من محوري (صلاح الدين وعين زارة)، وقامت بتدمير عدد من الآليات التابعة لقوات حفتر وأسر عدد منهم». وأضاف في تصريحات بثتها وكالة أنباء شينخوا الصينية «نجحنا بالتقدم بضعة كيلومترات والاشتباكات مستمرة وبشكل عنيف». وبعدما أكد سقوط قتيل وخمسة جرحى في صفوف قواتهم، أشار إلى عدم تنفيذ سلاح الجو أي طلعات بسبب حالة الطقس.
وفى بيان منفصل ومقتضب، قالت قوات السراج إن قواتها في المنطقة العسكرية الغربية أسقطت طائرة بدون طيار تابعة لدولة الإمارات كانت تقوم بعمليات داعمة لقوات الجيش جنوب طرابلس. لكن شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش الوطني اتهمت في المقابل، قوات السراج بفبركة الصور التي تشير إلى هوية الطائرة، وقالت في بيان لها إن ما وصفته بالميليشيات المنهارة الموجوعة بما تلقته من ضربات الليلة (قبل) الماضية، أقدمت على نشر صور لحطام متهالك زعمت أنه لطائرة إماراتية بدون طيار تعمل لصالح القوات المسلحة أسقطتها دفاعاتهم الجوية في محيط العزيزية.
وبعدما نفت باسم القيادة العامة للجيش الوطني هذه المزاعم جملة وتفصيلاً، أكدت الشعبة أن كل سكان العاصمة والمنطقة المعنية لم يلاحظوا الليلة (قبل) الماضية تحليقاً لأي طائرة أو قصف في المناطق المذكورة في عملية تذكرنا بمسرحية قصف الميليشيات لسكان حي الانتصار وأبو سليم ومحاولة إلصاقها بالجيش قبل أن تظهر الحقيقة. واعتبرت أن «هذه الميليشيات اليائسة لم تعد تخجل من اختلاق الفبركة والكذب التي اعتدناها كل يوم حتى ولو اضطرت لقتل مدنيين أبرياء قبل كل جلسة لمجلس الأمن»، مؤكدة أن «هذا الحطام المزعوم قديم وجلب من مكان ما وجرى إلصاق الشعارات عليه نظراً لتحطم عدة طائرات مجهولة خلال السنوات الماضية بالمنطقة الغربية». وأوضحت أن المعلومات الاستخباراتية المؤكدة تشير إلى أن الحطام يعود لطائرة أسقطتها دفاعات الجيش الجوية ليل الجمعة بعد اعتدائها على مدينة غريان والتي أنكرتها الميليشيات على مدى الـ24 ساعة الماضية.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم