«ضغوط إيرانية» تدفع قطر للتنصل من بياني قمتي مكة

استنكار سعودي ـ بحريني ـ إماراتي لـ«تحريف الدوحة للحقائق» وشقها للتضامن الخليجي

جانب من اجتماع القمة الخليجية في مكة المكرمة الخميس الماضي (واس)
جانب من اجتماع القمة الخليجية في مكة المكرمة الخميس الماضي (واس)
TT

«ضغوط إيرانية» تدفع قطر للتنصل من بياني قمتي مكة

جانب من اجتماع القمة الخليجية في مكة المكرمة الخميس الماضي (واس)
جانب من اجتماع القمة الخليجية في مكة المكرمة الخميس الماضي (واس)

بدلت قطر موقفها من الوحدة الخليجية والتضامن العربي اللذين أعلنا قبل أيام في قمتين استثنائيتين احتضنتهما مكة المكرمة، وأعلنت بعد ثلاثة أيام على انقضائهما، عبر فضائية إخبارية تابعة لها، أمس, على لسان وزير خارجيتها محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، اعتراضها على بياني القمة بدعوى {تعارض بعض بنودهما مع السياسة الخارجية للدوحة}. وبعثت بخطاب رسمي للجامعة العربية لتثبيت الاعتراض.
ورغم أن كلمات القادة المشاركين، خصوصاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وبيانات قمم مكة شددت على «التمسك بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة على أراضيه حتى خط الرابع من يونيو (حزيران) 1967، وعاصمتها القدس الشرقية»، فإن الوزير القطري زعم أن «قمتي مكة تجاهلتا القضايا المهمة في المنطقة، كفلسطين والحرب في ليبيا واليمن}. وأضاف: {كنا نتمنى أن تضع (القمتان) أسس الحوار لخفض التوتر مع إيران}، مشيراً إلى أن بياني القمتين كانا جاهزين مسبقاً {ولم يتم التشاور فيهما}.
وجاء الرد سريعاً من السعودية عبر تغريدات وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير الذي قال إن {الدول التي تملك قرارها عندما تشارك في المؤتمرات والاجتماعات تعلن مواقفها وتحفظاتها في إطار الاجتماعات ووفق الأعراف المتبعة وليس بعد انتهاء الاجتماعات}.
وأشار الجبير إلى أن البيانين اللذين أعلنت قطر تحفظها عليهما يرفضان التدخل الإيراني في شؤون دول المنطقة، وبيان القمة العربية أكد مركزية القضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لافتاً في ختام رده إلى أن {الجميع يعلم بأن تحريف قطر للحقائق ليس مستغرباً}.
وقالت مصادر خليجية إن {ضغوطاً إيرانية} تقف وراء قرار قطر الأخير، لافتة إلى أن {من ترأس وفد قطر إلى القمم الثلاث في مكة هو رئيس الوزراء الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني، الذي يعد ثاني أعلى منصب رسمي في الدولة، إلا أن التراجع جاء من نائبه}.
وكان البيانان أشارا صراحة إلى إيران وطالبا المجتمع الدولي بالحزم معها ومنعها من الحصول على القدرات النووية. وشدد بيان القمة الخليجية، على {قوة وتماسك ومنعة مجلس التعاون ووحدة الصف بين أعضائه}، مذكراً باتفاقية الدفاع المشترك. ودعا النظام الإيراني إلى التحلي بالحكمة ووقف تغذية النزاعات الطائفية.
وفيما كانت الأنظار تتجه إلى مكة المكرمة أملاً بأن يكون حضور قطر فرصة للاتفاق ووحدة الصف أمام التهديدات والتحديات التي تحيط بالمنطقة، أخذت الدوحة اتجاهاً مطابقا للرأي الرسمي الإيراني في رفضه لبيان قمة مكة، كونه وفق رؤى طهران {لا يمثل الرؤى الحقيقية للدول الإسلامية}.
ويشكل الموقف القطري، وإن لم يكن مفاجئاً لدى عواصم الخليج، تحدياً للموقف الأميركي، خصوصاً أن الدوحة استأثرت بالتفرد في موقفها من إيران التي تحرك ميليشياتها في المنطقة وتهديداتها للممرات البحرية الدولية، رغم الإجماع العربي والخليجي. وأبدى وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة استغرابه من تحفظ قطر على البيانين، مشيراً إلى أنه «يعكس مدى تراجع هدف تعزيز العلاقات مع دول مجلس التعاون في أولويات سياسة قطر».
ووصف الوزير البحريني في تصريحات صحافية مشاركة الدوحة في القمة بأنها كانت «ضعيفة وغير فاعلة ولا تتناسب مع أهمية القمم، وخطورة الظرف الذي انعقدت فيه، والغايات المنشودة منها في الحفاظ على الأمن القومي المشترك، بما يحفظ للمنطقة أمنها واستقرارها».
وأضاف أن «القمم حققت أهدافها، وخرجت بنتائج بناءة تعبر عن مواقف الدول العربية والإسلامية، وتعكس إرادتها المشتركة في مواصلة جهودها لأجل التغلب على التحديات كافة المحيطة بها، والتصدي لكل المحاولات والمساعي التي تقوم بها دول وجهات دأبت على التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، من دون أي احترام للاتفاقيات والقوانين، أو اكتراث بمبادئ حسن الجوار، وتهدف للنيل من الأمن القومي، وعرقلة جهودنا نحو المزيد من التنمية والرخاء لشعوبنا».
وأعرب عن استغرابه لتحفظ قطر على البيان الصادر عن قمة قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي أكد على المبادئ التي تضمنتها اتفاقية الدفاع المشترك، من أن أمن دول المجلس وحدة لا تتجزأ، كما أكد أيضاً على قوة وتماسك مجلس التعاون ووحدة الصف بين أعضائه، لما يربط بينها من علاقات خاصة وسمات مشتركة، لافتاً إلى أن التحفظ «يعكس مدى تراجع هدف تعزيز العلاقات بين دول مجلس التعاون في أولويات سياسة دولة قطر، ويؤكد أن ارتباطها بأشقائها أصبح ضعيفاً جداً، في الوقت الذي أصبحت فيه مديونة وتستنجد بالوسطاء لإنقاذها من أزمتها».
وأوضح الوزير البحريني أن «عدم تجاوب قطر مع المطالب العادلة التي تقدمت بها دولنا أدى إلى استمرار أزمتها وإطالة أمدها، فنحن لا مصلحة لنا في إطالة أزمة قطر، لكنها ليست راغبة في الحل بعد أن وضعت نفسها في الخط المخالف لأشقائها، وهو أمر لا يصب مطلقاً في مصلحة الشعب القطري الشقيق الذي سيظل جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الخليجي الذي تربط دوله وشعوبه وحدة الأهداف والمصير المشترك».
وقال وزير الدولة الاماراتي للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش: {يبدو لي أن الحضور والاتفاق في الاجتماعات ومن ثم التراجع عما تم الاتفاق عليه، يعود إما إلى الضغوط على الضعاف فاقدي السيادة أو النوايا غير الصافية أو غياب المصداقية، وقد تكون العوامل هذه مجتمعة}.
وأضاف الوزير الإماراتي عبر حسابه الرسمي في {تويتر} أن {قطر تتحفظ اليوم على بيانين يرفضان التدخل الإيراني في شؤون دول المنطقة، وبيان القمة العربية أكد مركزية القضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية... الجميع يعلم بأن تحريف قطر للحقائق ليس مستغرباً}.



مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
TT

مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)

أكد نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، أن إيران والسعودية تعتزمان إرساء السلام وديمومة الهدوء في منطقة متنامية ومستقرّة، مضيفاً أن ذلك يتطلب «استمرار التعاون الثنائي والإقليمي وتعزيزه، مستهدفين تذليل التهديدات الحالية».

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش زيارته إلى السعودية التي تخلّلها بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، خلال لقاء، الاثنين، مع وليد الخريجي، نائب وزير الخارجية السعودي، قال روانجي: «الإجراءات الإيرانية - السعودية تتوّج نموذجاً ناجحاً للتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف دوليّاً في إطار التنمية والسلام والأمن الإقليمي والدولي»، مشدّداً على استمرار البلدين في تنمية التعاون في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والقنصلية؛ بناءً على الأواصر التاريخية والثقافية ومبدأ حسن الجوار، على حد وصفه.

الجولة الثانية من المشاورات الثلاثية عُقدت في الرياض الثلاثاء (واس)

والثلاثاء، رحبت السعودية وإيران «بالدور الإيجابي المستمر لجمهورية الصين الشعبية وأهمية دعمها ومتابعتها لتنفيذ (اتفاق بكين)»، وفقاً لبيان صادر عن الخارجية السعودية، أعقب الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في العاصمة السعودية الرياض.

وأشار نائب وزير الخارجية الإيراني إلى أن الطرفين «تبادلا آراءً مختلفة لانطلاقة جادة وعملية للتعاون المشترك»، ووصف اجتماع اللجنة الثلاثية في الرياض، بأنه «وفَّر فرصة قيّمة» علاقات متواصلة وإيجابية بين إيران والسعودية والصين.

روانجي الذي شغل سابقاً منصب سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وعضو فريق التفاوض النووي الإيراني مع مجموعة «5+1»، اعتبر أن أجواء الاجتماعات كانت «ودّية وشفافة»، وزاد أن الدول الثلاث تبادلت الآراء والموضوعات ذات الاهتمام المشترك وأكّدت على استمرار هذه المسيرة «الإيجابية والاستشرافية» وكشف عن لقاءات «بنّاءة وودية» أجراها الوفد الإيراني مع مضيفه السعودي ومع الجانب الصيني، استُعرضت خلالها مواضيع تعزيز التعاون الثنائي، والثلاثي إلى جانب النظر في العلاقات طوال العام الماضي.

الجولة الأولى من الاجتماعات التي عُقدت في بكين العام الماضي (واس)

وجدّد الجانبان، السعودي والإيراني، بُعيد انعقاد الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في الرياض، الخميس، برئاسة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، ومشاركة الوفد الصيني برئاسة نائب وزير الخارجية الصيني دنغ لي، والوفد الإيراني برئاسة نائب وزير خارجية إيران للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي؛ التزامهما بتنفيذ «اتفاق بكين» ببنوده كافة، واستمرار سعيهما لتعزيز علاقات حسن الجوار بين بلديهما من خلال الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والقانون الدولي، بما في ذلك احترام سيادة الدول واستقلالها وأمنها.

من جانبها، أعلنت الصين استعدادها للاستمرار في دعم وتشجيع الخطوات التي اتخذتها السعودية وإيران، نحو تطوير علاقتهما في مختلف المجالات.

ولي العهد السعودي والنائب الأول للرئيس الإيراني خلال لقاء في الرياض الشهر الحالي (واس)

ورحّبت الدول الثلاث بالتقدم المستمر في العلاقات السعودية - الإيرانية وما يوفره من فرص للتواصل المباشر بين البلدين على المستويات والقطاعات كافة، مشيرةً إلى الأهمية الكبرى لهذه الاتصالات والاجتماعات والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، خصوصاً في ظل التوترات والتصعيد الحالي في المنطقة؛ ما يهدد أمن المنطقة والعالم.

كما رحّب المشاركون بالتقدم الذي شهدته الخدمات القنصلية بين البلدين، التي مكّنت أكثر من 87 ألف حاج إيراني من أداء فريضة الحج، وأكثر من 52 ألف إيراني من أداء مناسك العمرة بكل يسر وأمن خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي.

ورحّبت الدول الثلاث بعقد الاجتماع الأول للجنة الإعلامية السعودية - الإيرانية المشتركة، وتوقيع مذكرة تفاهم بين معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية ومعهد الدراسات السياسية والدولية، التابع لوزارة الخارجية الإيرانية.

كما أعرب البلدان عن استعدادهما لتوقيع اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي (DTAA)، وتتطلع الدول الثلاث إلى توسيع التعاون فيما بينهما في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والسياسية.

ودعت الدول الثلاث إلى وقف فوري للعدوان الإسرائيلي في كلٍ من فلسطين ولبنان، وتدين الهجوم الإسرائيلي وانتهاكه سيادة الأراضي الإيرانية وسلامتها، كما دعت إلى استمرار تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى فلسطين ولبنان، محذرة من أن استمرار دائرة العنف والتصعيد يشكل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة والعالم، بالإضافة إلى الأمن البحري.

وفي الملف اليمني، أكدت الدول الثلاث من جديد دعمها الحل السياسي الشامل في اليمن بما يتوافق مع المبادئ المعترف بها دولياً تحت رعاية الأمم المتحدة.

وكانت أعمال «الاجتماع الأول للجنة الثلاثية المشتركة السعودية - الصينية - الإيرانية»، اختتمت أعمالها في العاصمة الصينية بكّين، ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وأكد خلاله المجتمعون على استمرار عقد اجتماعات اللجنة الثلاثية المشتركة، وعلى مدى الأشهر الماضية، خطت السعودية وإيران خطوات نحو تطوير العلاقات وتنفيذ «اتفاق بكين»، بإعادة فتح سفارتيهما في كلا البلدين، والاتفاق على تعزيز التعاون في كل المجالات، لا سيما الأمنية والاقتصادية.

وأعادت إيران في 6 يونيو (حزيران) الماضي، فتح أبواب سفارتها في الرياض بعد 7 أعوام على توقف نشاطها، وقال علي رضا بيغدلي، نائب وزير الخارجية للشؤون القنصلية (حينها): «نعدّ هذا اليوم مهماً في تاريخ العلاقات السعودية - الإيرانية، ونثق بأن التعاون سيعود إلى ذروته»، مضيفاً: «بعودة العلاقات بين إيران والسعودية، سنشهد صفحة جديدة في العلاقات الثنائية والإقليمية نحو مزيد من التعاون والتقارب من أجل الوصول إلى الاستقرار والازدهار والتنمية».