أفغانستان وجهة مفضلة لـ«الدواعش»

تحذيرات أممية من تحول الأراضي الأفغانية مسرحاً للتنظيم

عناصر من «داعش» بعد اعتقالهم في جلال آباد شرق أفغانستان أبريل الماضي (إ.ب.أ)
عناصر من «داعش» بعد اعتقالهم في جلال آباد شرق أفغانستان أبريل الماضي (إ.ب.أ)
TT

أفغانستان وجهة مفضلة لـ«الدواعش»

عناصر من «داعش» بعد اعتقالهم في جلال آباد شرق أفغانستان أبريل الماضي (إ.ب.أ)
عناصر من «داعش» بعد اعتقالهم في جلال آباد شرق أفغانستان أبريل الماضي (إ.ب.أ)

هل أضحت الأراضي الأفغانية محجاً لـ«الدواعش» بعد اندحارهم في سوريا والعراق، ومع التضييق الذي يلاقونه في ليبيا وعموم أفريقيا؟ قبل بضعة أيام كان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، يدعو لاستخدام «الدرون» (الطائرات من دون طيار) وغيرها من وسائل المراقبة الحديثة لمتابعة حدود ومناطق أفغانستان، تلك التي صارت على حد تعبيره «محجاً لفلول الإرهابيين الفارين من سوريا والعراق»... ماذا وراء تصريح صاحب العسكرية الروسية والخبير بشؤون دولة مجاورة كان للسوفيات اليد العليا فيها لنحو عقد من الزمان؟
وتختمر يوماً تلو الآخر في عقول الكثيرين، وحتى بعد الانهيار الذي جرى لها في الشرق الأوسط، إلا أنها تبحث بجدية عن بطن رخوة حول العالم تصلح لأن تضحى مركزاً جديداً لصولاتها وجولاتها المقبلة، تلك التي لن تعتمد فيها على فكرة التنظيم التراتبي العنقودي، بل التوجيه والإلهام الدوجمائي وربما الآيديولوجي من على البعد البعيد إن جاز التعبير.
في هذا السياق، يمكن القطع بأن ظهور زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي الأخير، إنما كان يقصد منه إبقاء تأثير التنظيم حياً في عقول أتباعه المشتتين حول العالم، ودفع كل منهم إلى الحرية في اختيار أعمال الإرهاب التي يقوم بها، وإيقاع أكبر الأضرار بالأطراف المعتبرة أعداء منذ زمان وزمانين.
يقول الكاتب والصحافي الفرنسي نيكولاس هينين مؤلف كتاب «أكاديمية الجهاد: صعود (داعش)»، الذي قضى 10 أشهر رهينة لدى التنظيم عبر صفحات «الغارديان» البريطانية: «إنه رغم هزيمة (داعش)، فإنه لم يقتصر تأثير التنظيم على الأشخاص العزل، كونه أصبح علامة تجارية عالمية، فقد سعى التسجيل المصور الأخير للبغدادي إلى التأكيد على ضرورة الانتشار لاستمرار القتال، حيث لم يعد الفوز هو الهدف الأسمى لمقاتلي التنظيم، فمع سقوط الخلافة، فإن الغرب انتصر بوضوح في المعركة، لكنه لم يربح الحرب». ويضيف نيكولاس: «هنا يتعين علينا السؤال: هل يقوم (الدواعش) الآن بنقل تنظيمهم إلى أفغانستان التي مزق الاحتلال السوفياتي ولاحقاً الغزو الأميركي نسيجها الاجتماعي، ولهذا باتت أراضيها مغائر للإرهابيين من مشارق الشمس إلى مغاربها، ومن الشمال إلى اليمين، كل تنظيم باسمه، وكل جماعة بتوجهاتها؟».
لم يكن الروس وحدهم في واقع الحال من تحدثوا عن ضراوة نشوء وارتقاء الدواعش من جديد على الأراضي الأفغانية، فقد شاركهم الرأي المدعوم بالمعلومات الاستخبارية الأميركيون هناك، ففي 1 مايو (أيار) الحالي، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول أميركي كبير قوله إن «عناصر (داعش) اختاروا أفغانستان ملجأ لهم»، مضيفاً: «إننا حال لم نبقِ على الضغوط لمكافحة الإرهاب ضد فرع (داعش) في أفغانستان، فإن هجوماً نوعياً قد يقع على الأرجح على أمتنا خلال هذا العام».
والشاهد أن المسؤول السابق ذكره وهو غالباً مصدر استخباراتي ولهذا لم يكشف عن اسمه، لم يكن الوحيد من الجانب الأميركي الذي تناول القصة، إذ تكلم السيناتور الأميركي الديمقراطي المعروف جاك ريد، الذي يشغل عضوية لجنة القضايا العسكرية في مجلس الشيوخ الأميركي، مشيراً إلى أنه بعد زيارة ميدانية له لأفغانستان تأكد من أن قدرات الفرع المحلي لتنظيم داعش «ولاية خراسان»، قد ازدادت حضوراً ونفوذاً، وأن الأحلام التي رسمتها وزارة الدفاع الأميركية عام 2017 بأن ينتهي حضور هذا التنظيم في 2019 قد تبخرت، فقد تبين له أن الأمر ليس مشكلة صغيرة في جنوب ولاية ننغرهار، حيث معقل «داعش» شرق البلاد، وأن هناك حاجة لوقت أطول لتسوية الإشكالية، لا سيما أن تقريراً أخيراً للأمم المتحدة أشار إلى أن أعداد «داعش» على الأراضي الأفغانية تقترب من 5 آلاف عنصر، ما يصلح لنواة جديدة، ومرحلة أخرى من جولات الخلافة المزعومة.
وتدور التساؤلات حول «هل من عوامل مساعدة تجعل من إعادة (داعش) لتنظيم صفوفه في أفغانستان أمراً وارداً وممكناً؟».
أغلب الظن أن ذلك كذلك وفي المقدمة منها حالة الاضطراب الأهلي والتناحر القبلي المسلح بين القوات الحكومية وقوات «طالبان»، تلك المعارك التي لا تتوقف ولا تنتهي، ولهذا فإن الدواعش يتسربون وبقوة من بين الجانبين، ويرسخون من حضورهم، في غفلة من الطرفين المتطاحنين منذ عقود طوال.
يمكن للمرء أيضاً أن يرصد ملامح ومعالم أخرى تجعل من أفغانستان أرضاً خصبة للدواعش، والسبب هنا هو أن كل الجماعات المتطرفة المناهضة لحركة طالبان الأفغانية، قد صارت منجذبة للانضمام إلى «داعش»، لا سيما أن طروحات التنظيم تتجاوز الحدود الضيقة والجبلية لأفغانستان، وتتيح مجالات أوسع من حرية النضال بحسب المفهوم الحركي لتلك المنظمات التي اعتادت القتال منذ وقت طويل.
والمؤكد أن هناك نقطة في غاية الإثارة وتحوم من حولها شبهات كثيرة، وموصولة بالسياقات الدولية للإرهاب وبالدواعش، وبمن يقف وراءهم أو يتلاعب بهم كعرائس مسرح الموسيقى.
في هذا السياق، تتحتم علينا الإشارة إلى وجود تقارير إخبارية وربما استخباراتية متزايدة، تشير إلى أن دعماً ومدداً عسكريين يصلان إلى عناصر «داعش» على الأراضي الأفغانية من جهات غير معلومة، وليس سراً أن عدة دول مجاورة قد أشارت بأصابع الاتهام تلميحاً تارة وتصريحاً تارة أخرى إلى الولايات المتحدة الأميركية... هل لهذا الكلام من موثوقية أو موضوعية؟
قبل نحو عام تقريباً، توجه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتساؤلات رسمية ومباشرة للقوات الأميركية في أفغانستان ولـ«الناتو» عن هوية الطائرات المجهولة التي تلقي الأسلحة والمساعدات الأخرى إلى الجماعات الإرهابية، في مناطق أفغانية مختلفة، ولم يتلقَ الجانب الروسي رداً حتى الساعة.
في التحليل يمكن للمرء أن يربط بين ما يجري على الأراضي الأفغانية ولعبة الشطرنج الإدراكية الدولية، تلك المحتدمة بين روسيا والولايات المتحدة، وإن لم يكن بالضرورة التحليل صائباً بالمطلق، فإن بعضاً منه يقترب بشكل أو بآخر من الحقيقة عينها.
مقطوع أن هناك جولة ثانية من الحرب ما بعد الباردة تستعر مؤخراً بين موسكو وواشنطن، وفيها سباق ضروس على ملء مربعات القوة الجغرافية وربما الديموغرافية حول العالم.
وفيما روسيا تعزز من صداقاتها في الخلفية الجغرافية التاريخية لواشنطن، أي قارة أميركا الجنوبية، وما يجري في فنزويلا خير دليل على ذلك، حيث خبراء روس تم استدعاؤهم رسمياً من قبل نظام مادورو، يضحى من الطبيعي التساؤل: «لماذا لا تلجأ واشنطن إلى أعمال مشابهة بالقرب من روسيا وأيضاً الصين؟ وقد كان للأميركيين خبرة سابقة مع جماعات الإسلام السياسي في مواجهة السوفيات على الأراضي الأفغانية، ذلك يوم كان يتم استقبال أعضاء (طالبان) في البيت الأبيض، في ضيافة الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، وفي الوقت نفسه كانت وسائل الإعلام المرئية والمقروءة تخرج على الأميركيين واصفة إياهم بأنهم (المقاتلون الأحرار)».
هل تكرر واشنطن المشهد من دون اعتبار لدروس التاريخ والخسائر التي لحقت بها من جراء «طالبان» و«القاعدة»؟
ما تقدم في كل الأحوال يبقى داخل دائرة الاحتمالات، غير أن تصريحات شويغو توضح لنا إلى أي حد ومد هناك صحوة روسية هدفها عدم السماح بتكرار الألاعيب الأميركية مرة أخرى.
لم تعد مسألة الحضور الداعشي في أفغانستان إرهاصات أو تسريبات إعلامية، بل حقائق مزعجة للآسيويين، الذين يعلمون تمام العلم أنهم ربما على مقربة من مواجهات بالوكالة، لا سيما بعد مقتل 43 «داعشياً» مسلحاً على الأقل من «الدواعش» في غارتين جويتين منفصلتين شرق أفغانستان، في الأسبوع الأول من مايو الحالي، وقد استهدفت الغارتان معسكرات تدريب تابعة لـ«داعش» في حي شابارا بإقليم كونار بشرق البلاد.
والمفاجأة أنه كان بين القتلى عدد من الباكستانيين والأوزبك وجنسيات آسيوية أخرى، بل الأكثر صدمة أن من بين القتلى كان هناك قيادي «أوزبكي» بارز تم التعرف عليه، كان من الداعمين لتنظيم «القاعدة» على الأراضي الأفغانية، قبل أن ينضم إلى صفوف «داعش»، الأمر الذي يعني أن هناك حركة توجه ارتدادية من قبل المناوئين لـ«طالبان» وعناصر «القاعدة» السابقين، للانجذاب نحو الدواعش ما يجعل مستقبل حضورهم أقوى عوداً وأشد إرهاباً. يوماً تلو الآخر، يتحول المشهد الأفغاني الداخلي إلى مزيد من العبث والتشظي، فالكل يقاتل الكل، فيما عقول «داعش» تستقطب مزيداً من الشباب الذي سئم التناحر الداخلي الأفغاني. تستقطبهم عبر مشاغبات ومشاغلات عقلية، واستغلال للمشاعر والمعتقدات الدينية، وباللعب على الأوتار المتناقضة، لا سيما البطالة المنتشرة هناك، وأدلجة أدمغتهم بزعم أن حروب «داعش» هي دفاع عن شرع الله، وأن الجنة ثمن لمن يموت منهم.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».