أفغانستان وجهة مفضلة لـ«الدواعش»

تحذيرات أممية من تحول الأراضي الأفغانية مسرحاً للتنظيم

عناصر من «داعش» بعد اعتقالهم في جلال آباد شرق أفغانستان أبريل الماضي (إ.ب.أ)
عناصر من «داعش» بعد اعتقالهم في جلال آباد شرق أفغانستان أبريل الماضي (إ.ب.أ)
TT

أفغانستان وجهة مفضلة لـ«الدواعش»

عناصر من «داعش» بعد اعتقالهم في جلال آباد شرق أفغانستان أبريل الماضي (إ.ب.أ)
عناصر من «داعش» بعد اعتقالهم في جلال آباد شرق أفغانستان أبريل الماضي (إ.ب.أ)

هل أضحت الأراضي الأفغانية محجاً لـ«الدواعش» بعد اندحارهم في سوريا والعراق، ومع التضييق الذي يلاقونه في ليبيا وعموم أفريقيا؟ قبل بضعة أيام كان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، يدعو لاستخدام «الدرون» (الطائرات من دون طيار) وغيرها من وسائل المراقبة الحديثة لمتابعة حدود ومناطق أفغانستان، تلك التي صارت على حد تعبيره «محجاً لفلول الإرهابيين الفارين من سوريا والعراق»... ماذا وراء تصريح صاحب العسكرية الروسية والخبير بشؤون دولة مجاورة كان للسوفيات اليد العليا فيها لنحو عقد من الزمان؟
وتختمر يوماً تلو الآخر في عقول الكثيرين، وحتى بعد الانهيار الذي جرى لها في الشرق الأوسط، إلا أنها تبحث بجدية عن بطن رخوة حول العالم تصلح لأن تضحى مركزاً جديداً لصولاتها وجولاتها المقبلة، تلك التي لن تعتمد فيها على فكرة التنظيم التراتبي العنقودي، بل التوجيه والإلهام الدوجمائي وربما الآيديولوجي من على البعد البعيد إن جاز التعبير.
في هذا السياق، يمكن القطع بأن ظهور زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي الأخير، إنما كان يقصد منه إبقاء تأثير التنظيم حياً في عقول أتباعه المشتتين حول العالم، ودفع كل منهم إلى الحرية في اختيار أعمال الإرهاب التي يقوم بها، وإيقاع أكبر الأضرار بالأطراف المعتبرة أعداء منذ زمان وزمانين.
يقول الكاتب والصحافي الفرنسي نيكولاس هينين مؤلف كتاب «أكاديمية الجهاد: صعود (داعش)»، الذي قضى 10 أشهر رهينة لدى التنظيم عبر صفحات «الغارديان» البريطانية: «إنه رغم هزيمة (داعش)، فإنه لم يقتصر تأثير التنظيم على الأشخاص العزل، كونه أصبح علامة تجارية عالمية، فقد سعى التسجيل المصور الأخير للبغدادي إلى التأكيد على ضرورة الانتشار لاستمرار القتال، حيث لم يعد الفوز هو الهدف الأسمى لمقاتلي التنظيم، فمع سقوط الخلافة، فإن الغرب انتصر بوضوح في المعركة، لكنه لم يربح الحرب». ويضيف نيكولاس: «هنا يتعين علينا السؤال: هل يقوم (الدواعش) الآن بنقل تنظيمهم إلى أفغانستان التي مزق الاحتلال السوفياتي ولاحقاً الغزو الأميركي نسيجها الاجتماعي، ولهذا باتت أراضيها مغائر للإرهابيين من مشارق الشمس إلى مغاربها، ومن الشمال إلى اليمين، كل تنظيم باسمه، وكل جماعة بتوجهاتها؟».
لم يكن الروس وحدهم في واقع الحال من تحدثوا عن ضراوة نشوء وارتقاء الدواعش من جديد على الأراضي الأفغانية، فقد شاركهم الرأي المدعوم بالمعلومات الاستخبارية الأميركيون هناك، ففي 1 مايو (أيار) الحالي، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول أميركي كبير قوله إن «عناصر (داعش) اختاروا أفغانستان ملجأ لهم»، مضيفاً: «إننا حال لم نبقِ على الضغوط لمكافحة الإرهاب ضد فرع (داعش) في أفغانستان، فإن هجوماً نوعياً قد يقع على الأرجح على أمتنا خلال هذا العام».
والشاهد أن المسؤول السابق ذكره وهو غالباً مصدر استخباراتي ولهذا لم يكشف عن اسمه، لم يكن الوحيد من الجانب الأميركي الذي تناول القصة، إذ تكلم السيناتور الأميركي الديمقراطي المعروف جاك ريد، الذي يشغل عضوية لجنة القضايا العسكرية في مجلس الشيوخ الأميركي، مشيراً إلى أنه بعد زيارة ميدانية له لأفغانستان تأكد من أن قدرات الفرع المحلي لتنظيم داعش «ولاية خراسان»، قد ازدادت حضوراً ونفوذاً، وأن الأحلام التي رسمتها وزارة الدفاع الأميركية عام 2017 بأن ينتهي حضور هذا التنظيم في 2019 قد تبخرت، فقد تبين له أن الأمر ليس مشكلة صغيرة في جنوب ولاية ننغرهار، حيث معقل «داعش» شرق البلاد، وأن هناك حاجة لوقت أطول لتسوية الإشكالية، لا سيما أن تقريراً أخيراً للأمم المتحدة أشار إلى أن أعداد «داعش» على الأراضي الأفغانية تقترب من 5 آلاف عنصر، ما يصلح لنواة جديدة، ومرحلة أخرى من جولات الخلافة المزعومة.
وتدور التساؤلات حول «هل من عوامل مساعدة تجعل من إعادة (داعش) لتنظيم صفوفه في أفغانستان أمراً وارداً وممكناً؟».
أغلب الظن أن ذلك كذلك وفي المقدمة منها حالة الاضطراب الأهلي والتناحر القبلي المسلح بين القوات الحكومية وقوات «طالبان»، تلك المعارك التي لا تتوقف ولا تنتهي، ولهذا فإن الدواعش يتسربون وبقوة من بين الجانبين، ويرسخون من حضورهم، في غفلة من الطرفين المتطاحنين منذ عقود طوال.
يمكن للمرء أيضاً أن يرصد ملامح ومعالم أخرى تجعل من أفغانستان أرضاً خصبة للدواعش، والسبب هنا هو أن كل الجماعات المتطرفة المناهضة لحركة طالبان الأفغانية، قد صارت منجذبة للانضمام إلى «داعش»، لا سيما أن طروحات التنظيم تتجاوز الحدود الضيقة والجبلية لأفغانستان، وتتيح مجالات أوسع من حرية النضال بحسب المفهوم الحركي لتلك المنظمات التي اعتادت القتال منذ وقت طويل.
والمؤكد أن هناك نقطة في غاية الإثارة وتحوم من حولها شبهات كثيرة، وموصولة بالسياقات الدولية للإرهاب وبالدواعش، وبمن يقف وراءهم أو يتلاعب بهم كعرائس مسرح الموسيقى.
في هذا السياق، تتحتم علينا الإشارة إلى وجود تقارير إخبارية وربما استخباراتية متزايدة، تشير إلى أن دعماً ومدداً عسكريين يصلان إلى عناصر «داعش» على الأراضي الأفغانية من جهات غير معلومة، وليس سراً أن عدة دول مجاورة قد أشارت بأصابع الاتهام تلميحاً تارة وتصريحاً تارة أخرى إلى الولايات المتحدة الأميركية... هل لهذا الكلام من موثوقية أو موضوعية؟
قبل نحو عام تقريباً، توجه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتساؤلات رسمية ومباشرة للقوات الأميركية في أفغانستان ولـ«الناتو» عن هوية الطائرات المجهولة التي تلقي الأسلحة والمساعدات الأخرى إلى الجماعات الإرهابية، في مناطق أفغانية مختلفة، ولم يتلقَ الجانب الروسي رداً حتى الساعة.
في التحليل يمكن للمرء أن يربط بين ما يجري على الأراضي الأفغانية ولعبة الشطرنج الإدراكية الدولية، تلك المحتدمة بين روسيا والولايات المتحدة، وإن لم يكن بالضرورة التحليل صائباً بالمطلق، فإن بعضاً منه يقترب بشكل أو بآخر من الحقيقة عينها.
مقطوع أن هناك جولة ثانية من الحرب ما بعد الباردة تستعر مؤخراً بين موسكو وواشنطن، وفيها سباق ضروس على ملء مربعات القوة الجغرافية وربما الديموغرافية حول العالم.
وفيما روسيا تعزز من صداقاتها في الخلفية الجغرافية التاريخية لواشنطن، أي قارة أميركا الجنوبية، وما يجري في فنزويلا خير دليل على ذلك، حيث خبراء روس تم استدعاؤهم رسمياً من قبل نظام مادورو، يضحى من الطبيعي التساؤل: «لماذا لا تلجأ واشنطن إلى أعمال مشابهة بالقرب من روسيا وأيضاً الصين؟ وقد كان للأميركيين خبرة سابقة مع جماعات الإسلام السياسي في مواجهة السوفيات على الأراضي الأفغانية، ذلك يوم كان يتم استقبال أعضاء (طالبان) في البيت الأبيض، في ضيافة الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، وفي الوقت نفسه كانت وسائل الإعلام المرئية والمقروءة تخرج على الأميركيين واصفة إياهم بأنهم (المقاتلون الأحرار)».
هل تكرر واشنطن المشهد من دون اعتبار لدروس التاريخ والخسائر التي لحقت بها من جراء «طالبان» و«القاعدة»؟
ما تقدم في كل الأحوال يبقى داخل دائرة الاحتمالات، غير أن تصريحات شويغو توضح لنا إلى أي حد ومد هناك صحوة روسية هدفها عدم السماح بتكرار الألاعيب الأميركية مرة أخرى.
لم تعد مسألة الحضور الداعشي في أفغانستان إرهاصات أو تسريبات إعلامية، بل حقائق مزعجة للآسيويين، الذين يعلمون تمام العلم أنهم ربما على مقربة من مواجهات بالوكالة، لا سيما بعد مقتل 43 «داعشياً» مسلحاً على الأقل من «الدواعش» في غارتين جويتين منفصلتين شرق أفغانستان، في الأسبوع الأول من مايو الحالي، وقد استهدفت الغارتان معسكرات تدريب تابعة لـ«داعش» في حي شابارا بإقليم كونار بشرق البلاد.
والمفاجأة أنه كان بين القتلى عدد من الباكستانيين والأوزبك وجنسيات آسيوية أخرى، بل الأكثر صدمة أن من بين القتلى كان هناك قيادي «أوزبكي» بارز تم التعرف عليه، كان من الداعمين لتنظيم «القاعدة» على الأراضي الأفغانية، قبل أن ينضم إلى صفوف «داعش»، الأمر الذي يعني أن هناك حركة توجه ارتدادية من قبل المناوئين لـ«طالبان» وعناصر «القاعدة» السابقين، للانجذاب نحو الدواعش ما يجعل مستقبل حضورهم أقوى عوداً وأشد إرهاباً. يوماً تلو الآخر، يتحول المشهد الأفغاني الداخلي إلى مزيد من العبث والتشظي، فالكل يقاتل الكل، فيما عقول «داعش» تستقطب مزيداً من الشباب الذي سئم التناحر الداخلي الأفغاني. تستقطبهم عبر مشاغبات ومشاغلات عقلية، واستغلال للمشاعر والمعتقدات الدينية، وباللعب على الأوتار المتناقضة، لا سيما البطالة المنتشرة هناك، وأدلجة أدمغتهم بزعم أن حروب «داعش» هي دفاع عن شرع الله، وأن الجنة ثمن لمن يموت منهم.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».