تولى رئيس الوزراء ناريندرا مودي مهام مسؤولياته الرسمية لفترة الولاية الثانية، بتفويض شعبي كبير، ومن شأن الولاية الثانية أن تتسم بعملية تسريع الإصلاحات الاقتصادية والتركيز على ترسيخ الركائز المالية، في أعقاب التراجع المالي المشهود خلال السنوات الأخيرة.
كانت ولاية مودي الأولى تولي اهتماماً وتركيزاً كبيراً لإصلاح النظام المصرفي المنهك، والاضطلاع بإعادة ضبط الهيكل الاقتصادي في البلاد، مثالاً بضريبة السلع والخدمات، وقانون الإعسار والإفلاس، وقانون تنظيم العقارات، من بين أمور أخرى من التي أرست الأسس الهيكلية الراسخة التي ينبغي لها إعادة الهند إلى وضعية النمو الاقتصادي القوي عبر السنوات العشر المقبلة.
ومن المرجح أن يشهد شهر يوليو (تموز) المقبل طرح الميزانية الكاملة لعام 2019، خلال السنة المالية المتوجة بحلول مارس (آذار) 2020.
- إعادة إحياء الاقتصاد
جمع المستثمرون العالميون، وبشكل ملحوظ، ثروات صافية تقدر بـ216.3 مليار دولار في السندات الهندية، وذلك بعد يوم واحد من فوز مودي في الانتخابات الأخيرة، وهم يراقبون عن كثب كيف يقود مودي والبنك المركزي الهندي عجلة الاقتصاد في البلاد، وسط مخاوف من التباطؤ الممتد.
وقالت لاكشمي آيير، كبيرة مسؤولي الاستثمار لشؤون القروض في شركة «كوتاك ماهنيندرا لإدارة الأصول»: «ليس أمام الصناديق الأجنبية من خيار سوى التطلع إلى الهند. فإذا كانت العقود الآجلة لديك محتملة والعائدات مرتفعة، فهذا هو الوقت الذي تحقق فيه المكاسب الجيدة وربما الممتازة».
ومن شأن العائدات أن تلامس نسبة 7 في المائة إذا كانت سياسة البنك المركزي الهندي خلال شهر يونيو (حزيران) إيجابية بالنسبة للسندات، كما أضافت.
وفي خضم ذلك، منحت الصناعة الهندية لحكومة مودي – التي خرجت ظافرة في الانتخابات العامة الأخيرة – حق تقييم واقع الاقتصاد، وعبرت عن قلقها بشأن التباطؤ الجاري، مع الضغط بشدة لتنفيذ تخفيضات فورية في معدلات ضرائب الشركات وأسعار الفائدة، بغية إنعاش الصناعة في البلاد.
ومن المتوقع للناتج المحلي الإجمالي الهندي أن يصل إلى 6.9 نقطة مئوية، وهو المستوى الأدنى قليلاً من المستوى المتوقع سلفاً بواقع 7 نقاط مئوية كاملة، وفقاً لهيئة التصنيفات والأبحاث الهندية (إندرا)، التي تحاول حض الحكومة الهندية الجديدة على إعادة إحياء اقتصاد البلاد.
ومن واقع التنبؤات، التي ركزت على السنة المالية 2018 - 2019 التي تنتهي بتاريخ 31 يوليو القادم، أكدت هيئة التصنيفات والأبحاث الهندية (إندرا) على أن النمو في الربع الأخير سوف يشهد تراجعاً إلى مستوى 6.3 نقطة مئوية من واقع 6.6 نقطة مئوية المسجلة في الربع الثالث.
ووفقاً للهيئة المذكورة، فإن السنة المالية الجارية تمثل الفترة الثانية على التوالي من التراجع الاقتصادي في البلاد. وسجل الناتج المحلي الإجمالي في الهند نمواً بواقع 7.2 نقطة مئوية خلال السنة المالية 2017 - 2018. وتأتي التوقعات الجديدة قبل تنصيب رئيس الوزراء ناريندرا مودي في ولايته الثانية للبلاد.
تقول هيئة التصنيفات والأبحاث الهندية (إندرا): «إن الحد من التباطؤ وإنعاش الاقتصاد سوف يشكلان التحدي الأول القائم في وجه الحكومة الجديدة. وفي حين يمكن التعامل مع التحديات الدورية عبر الإجراءات قصيرة الأجل، فإن الحاجة الماسة والملحة الآن هي مواجهة التحديات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الهندي».
يقول فيكرام كيرلوسكار، رئيس اتحاد الصناعات الهندية: «ينبغي على الحكومة تخفيض معدلات الضرائب، وتوسيع مجال مخصصات الاستثمار في كافة القطاعات، بما في ذلك قطاع الخدمات، حتى يتسنى إطلاق محركات الأربعة للاستهلاك، والاستثمار، والإنفاق الحكومي، والصادرات دفعة واحدة».
الإصلاحات المطلوبة من مودي
يُنظر إلى ناريندرا مودي من زاوية الزعيم السياسي المناصر للأعمال التجارية، ومنذ توليه المنصب الرفيع في مايو (أيار) لعام 2014، سجلت مؤشرات الأسهم الهندية ارتفاعاً لأكثر من 40 في المائة. كما نجحت حكومة مودي أيضاً في تنفيذ إصلاحات كبرى، من بينها الرعاية الصحية، والنظام الضريبي، والسماح للاستثمارات الأجنبية، التي تشتد الحاجة إليها، بالدخول إلى مشروعات البناء والتشييد المحلية. ومع ذلك، فهناك قائمة مطولة من المشكلات المتعين حلها خلال فترة الولاية الثانية. ومن بين ذلك الامتثال مع العجز المستهدف في الميزانية، ومعدلات البطالة المرتفعة، فضلاً عن العجز التجاري.
بعض المجالات الرئيسية التي تستلزم إجراء الإصلاحات الفورية، إثر التحديات التي تشكلها على اقتصاد الهند:
- إصلاحات الزراعة والعمالة
تعتبر المعاناة الزراعية والريفية من أبرز المشكلات المشهودة في كافة أرجاء البلاد. وبالنسبة لرئيس الوزراء الذي تعهد بمضاعفة دخل المزارع بحلول عام 2022، فإنها سوف تشكل واحدة من أكبر التحديات خلال العام الجاري. فمن ناحية، بسبب الضائقة العميقة الراهنة، ومن ناحية أخرى، لأن التنبؤات الموسمية في العام الجاري لا تبشر بخير بصفة خاصة، ولا يزال جانب كبير من الزراعات الهندية يعتمد بشكل أساسي على الرياح الموسمية. وليس من المتوقع أن تُفلح الحلول قصيرة الأجل في تسوية المشكلات الزراعية في البلاد. وفي حين أن الاستجابة السريعة للجفاف قد تساعد المزارعين، مثل مبادرة «برادهان مانترا كيسان» لمعاونة المزارعين، فإنه يجب إجراء الإصلاحات الهيكلية طويلة الأجل قبل أن يشهد المزارعون أي زيادة حقيقية في دخولهم.
وكان المزارعون قد ساندوا مودي بقوة على خلفية نظام دعم الدخل الزراعي الذي تعهد به. ويشكل القطاع الزراعي نسبة 21 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2004 - 2005. ولقد انخفضت تلك النسبة إلى نحو 13 في المائة خلال السنوات الـ15 الماضية. ولكن أعداد القوى العاملة في القطاع الزراعي لم تنخفض بوتيرة مماثلة خلال الفترة نفسها.
ويعمل في الزراعة الهندية نحو 55 في المائة من القوى العاملة في البلاد. والرقم يناهز 260 مليون مواطن ممن يعملون في هذا القطاع، مما يشير إلى اعتماد نحو 55 إلى 57 في المائة من سكان البلاد على الزراعة، التي تشهد ضائقة كبيرة وممتدة للغاية.
والسبب المباشر لمعاناة المزارعين الهنود هو تدني أسعار المواد الغذائية في البلاد. وعلى الرغم من تنفيذ الحكومة الهندية لنظام الحد الأدنى لأسعار الدعم، فإن المزارعين لا يحصلون على العائدات المجزية من زراعتهم.
سوف يكون من المناسب أن تضمن الحكومة تدفق الائتمان والاستثمارات في صلب الاقتصاد الزراعي في البلاد، وبالتالي، فإن تسوية مشكلات الشركات المالية غير المصرفية من الضرورات الملحة؛ حيث إنها تضطلع بدور مهم للغاية في توفير الائتمان النهائي في الاقتصاد الريفي.
من شأن توحيد قوانين العمل عبر مختلف اللوائح، حتى مع الحد الأدنى الممكن من التغيير في القواعد الفعلية، أن يساعد القطاع الصناعي في البلاد. واليوم، هناك حالة كبيرة من الالتباس بشأن التعريفات الأساسية ذات الصلة بإدارة رأس المال البشري. ومن شأن المجموعة الموحدة من القوانين التعامل مع اللوائح والقواعد في بعض المجالات المحددة، مثل: العلاقات الصناعية، والضمان الاجتماعي، والأجور، والسلامة في أماكن العمل، والرعاية الاجتماعية.
وهذا التوحيد للقوانين (انتهى جانب كبير من العمل على هذه المسألة خلال فترة ولاية مودي الأولى للبلاد) سوف يساعد بشكل كبير في الحد من تكاليف الامتثال وتكاليف إجراءات التقاضي. وهو في حد ذاته سوف يكون من المكاسب الكبيرة للقطاع الصناعي في البلاد.
- انخفاض الرغبة في الاستثمار
المشكلة الأخرى التي يحتاج رئيس الوزراء ووزيرا المالية والصناعة الانتباه إليها ومحاولة علاجها على نحو عاجل، تتعلق بانخفاض الرغبة في الاستثمار في مشروعات القطاع الخاص الجديدة. وخلال السنوات الخمس الماضية، كانت الاستثمارات الحكومية في مجالات البنية التحتية والإنفاق على خطط القطاع الاجتماعي هي المتصدرة لدفع النمو الاقتصادي إلى حد كبير، إلى جانب الاستهلاك الخاص. وشهدت التجارة والاستثمار في القطاع الخاص تراجعاً كبيراً. ومن الناحية المثالية، فإن هذين المجالين في حاجة ماسة لتعديل الأوضاع حتى تستمر دورة النمو الاقتصادي.
ولكن تحفيز القطاع الخاص على الاستثمار بالطريقة التي اعتاد العمل وفقاً لها قبل عام 2008، هو من المهام العسيرة على اعتبار انخفاض المعنويات للغاية. وعبر محادثات متعددة مع كبار قادة الشركات الهندية، كانت هناك بعض النقاط المشتركة التي توالى ظهورها واحدة تلو الأخرى.
وبالنسبة إلى رئيس وزراء البلاد، فإن مهمته الرئيسية خلال فترة الولاية الثانية تتمثل في تعزيز ورفع المعنويات، بالنسبة لاستثمارات القطاع الخاص أو الاستهلاك الخاص. ومن شأن هذين المجالين المساعدة في المحافظة على معدلات النمو المرتفعة على المدى الطويل.
- اصنع في الهند
خلال الفترة الأولى من حكومة ناريندرا مودي، أطلقت البلاد برنامج «اصنع في الهند» الطموح، الذي سعى إلى توطين أجزاء من الصناعات التحويلية، والحد من الاعتماد على الواردات، وفي الوقت نفسه، تحفيز عوائد الصادرات. وكانت نتائج التقدم على هذا المسار مختلطة وغير واضحة المعالم. بعض المشروعات المهمة قد انطلقت وواصلت العمل في قطاعات الدفاع والسيارات، وجرى توطين أجزاء من سلاسل الصناعات التحويلية للأجهزة المحمولة في البلاد، ولكن لا يزال هناك كثير مما يمكن القيام به.
وصرح مادان سابنافيس، كبير خبراء الاقتصاد لدى مؤسسة «كير» للتصنيفات: «لا تزال الفرصة كبيرة الآن، مع دخول الولايات المتحدة الأميركية والصين في حرب تجارية مفتوحة. فلم يعرب أي طرف عن نواياه في التراجع عن المواقف المتخذة حتى الساعة. ويمكن للهند استغلال الوضع الراهن في تعزيز الصادرات إلى كل من الولايات المتحدة والصين على حد سواء».
- البطالة
من بين 1.36 مليار نسمة، هو العدد المقدر لسكان الهند، هناك نسبة 67 في المائة تقع ضمن الشريحة العمرية (15 - 64) سنة. ما يضع نسبة السكان الباحثين عن العمل في رقم يفوق 910 ملايين نسمة. ولن يبحث جميعهم عن العمل في الوقت نفسه، ولكن هذا الرقم في حد ذاته يشكل تحدياً كبيراً وضخماً أمام الحكومة.
وأسفر الوعد بتوفير 20 مليون فرصة عمل سنوياً، إلى جانب شعار «أشهي دين» الذي يعني «الأيام الطبية»، عن وصول حكومة مودي الأولى إلى الحكم في عام 2014. ولقد أدت الاضطرابات المزدوجة الناجمة عن: سحب فئات العملات الكبيرة من التداول، والفرض المفاجئ لضريبة السلع والخدمات، الذي أطلقت عليه الحكومة اسم «تصحيح مسار الاقتصاد»، إلى فقدان الوظائف بنسبة كبيرة بدلاً من توفيرها.
وأفاد تقرير عن مركز مراقبة الاقتصاد الهندي، الصادر في يناير (كانون الثاني) من العام الجاري، بأن نحو 11 مليون وظيفة قد فُقدت خلال عام 2018، بسبب الآثار الجانبية الناشئة عن قرار وقف التداول بالعملات ذات الفئات الكبيرة في عام 2016، ثم قرار العمل بضريبة السلع والخدمات في عام 2017.
الهند: تحديات اقتصادية لمودي في ولايته الثانية
كثير من الإصلاحات مطلوب لتخفيف الضغوط المعيشية
الهند: تحديات اقتصادية لمودي في ولايته الثانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة