تمويل الجيش الأفغاني لـ3 أعوام.. ومطالب بإطار قانوني لإبقاء قوات دولية

الأزمة السياسية في كابل ألقت بظلالها على القمة

تمويل الجيش الأفغاني لـ3 أعوام.. ومطالب بإطار قانوني لإبقاء قوات دولية
TT

تمويل الجيش الأفغاني لـ3 أعوام.. ومطالب بإطار قانوني لإبقاء قوات دولية

تمويل الجيش الأفغاني لـ3 أعوام.. ومطالب بإطار قانوني لإبقاء قوات دولية

قبل ثلاثة أشهر من موعد سحب القوات الدولية «إيساف» القتالية من أفغانستان، أكد حلف الشمال الأطلسي «الناتو» دعمه لأفغانستان والتزامه بمواصلة تدريب ومساندة القوات الأفغانية. كما أكد «الناتو» أمس أنه تم الاتفاق على تمويل القوات الأمنية الأفغانية من مانحين خارجيين حتى نهاية عام 2017. إلا أن الأزمة السياسية في أفغانستان ألقت بظلالها على قمة «الناتو» التي خصصت جلستها الأولى أمس لموضوع أفغانستان إذ غاب تمثيل رفيع المستوى عن القمة. وكان من المرتقب أن ينصب الرئيس الأفغاني الجديد بداية سبتمبر (أيلول) الجاري ليحضر قمة نيوبورت، إلا أن الخلافات بين المرشحين عبد الله عبد الله وأشرف غني أدت إلى تأخير حسم نتائج الانتخابات الرئاسية. وبينما ألقت الأزمة السياسية بظلالها على قمة «الناتو» بغياب الرئيس الأفغاني، كان موقف «الناتو» واضحا من حيث مواصلة عملية عسكرية في أفغانستان بعد عام 2014 ولكن لن تكون قتالية.
وانطلقت قمة «الناتو» أمس بجلسة حول أفغانستان حضرها رؤساء الدول والحكومات المشاركون في القمة، تركزت على المرحلة المقبلة لمهام الحلف وشركائه في أفغانستان مع انتهاء العمليات القتالية. وحضرت الدول المساهمة في قوات «إيساف» قمة «الناتو» – وهي 27 دولة إضافة لدول الحلف الـ28 – للتأكيد على بقاء الإجماع الدولي في دعم أفغانستان. واجتمع وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل مع نظيره الأفغاني أمس لبحث التطورات الأمنية في البلاد والإعداد لسحب قوات «إيساف» نهاية العام.
ويسعى حلف «الناتو» إلى إظهار انتهاء عملياته في أفغانستان على أنه «نجاح» رغم الوضع الأمني المضطرب في البلاد. وقال أمين عام حلف «الناتو» أندرس فوغ راسموسن أمس: «حققنا هدفنا الأوسع.. أفغانستان لم تعد ملاذا آمنا للإرهابيين الدوليين». وأضاف: «بنهاية العام، مهمتنا في أفغانستان ستنتهي وسيتولى 350 ألف جندي ورجل أمن أفغاني مهام أمن بلادهم.. ورغم جميع التحديات، أثبتوا أنهم قوة ذات كفاءة تتمتع باحترام الشعب الأفغاني». ومع انتهاء المهام القتالية للقوات الأفغانية، قال راسموسن: «ستتغير مهمتنا في أفغانستان ولكن الالتزام تجاهه سيبقى.. سندعم أفغانستان لأن السلم في أفغانستان يعني استقرارنا».
وبعد أن رفض الرئيس المنتهية ولايته حميد كرزاي توقيع اتفاقية أمنية مع واشنطن تسمح ببقاء قوات دولية بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان، شدد الحلف أمس أنه يحتاج إلى «توقيع الرئيس الجديد» لضمان بقاء قوات بعد موعد انتهاء. وشرح راسموسن في مؤتمر صحافي لحق اجتماع الدول الأعضاء بوزير الدفاع الأفغاني بسم الله محمدي. وشدد الأعضاء خلال الاجتماع على ضرورة التوصل إلى حل للأزمة السياسية القائمة في البلاد وتنصيب رئيس مستعد لتوقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة وقوات «الناتو». وقدم الوزير الأفغاني رسالة من المرشحين الأفغان يتعهدان فيها باحترام العملية السياسية وتوقيع اتفاقية أمنية لضمان بقاء القوات الدولية ضمن مهمة غير قتالية لـ«تدريب ودعم ومساعدة» الأفغان. وقال راسموسن: «حصلنا على رسالة من المرشحين الرئاسيين بأنهم سيعملان كل ما بوسعهما للتوصل إلى اتفاقية سياسية بأقرب وقت ممكن». وأكد أن هذه المهمة وعدد القوات الدولية التي ستبقى في أفغانستان «تحتاج إلى توقيع، من دون توقيع، لا يمكن تنفيذ التزاماتنا». وأضاف: «كل ما وضع الإطار القانوني بوقت أسرع، كلما كان ذلك أفضل.. قيادتنا العسكرية تخطط لكل الاحتمالات ولكن عامل الوقت مهم».
وفيما يخص الدعم المالي للقوات الأفغانية، قال راسموسن: «سندعم القوات الأفغانية ماليا حتى نهاية عام 2017 على الأقل»، ولكن شدد على ضرورة أن تكون هناك آلية واضحة لحماية الأموال من الفساد. وقال: «علينا أن نضمن أين يذهب تمويلنا وكيف يتم صرف الأموال الموجهة للقوات الأمنية». وهناك مخاوف في أوساط «الناتو» من الفساد أو من استخدام الأموال لمجموعات مسلحة مسيسة في البلاد.
واجتمع صندوق ضمان الجيش الأفغاني يوم 1 سبتمبر نحن واتفق الحلفاء على ضمان تمويل القوات الأفغانية حتى نهاية عام 2017. وقال مسؤول من «الناتو»: «نتوقع أن يمتد التمويل لفترة أطول ولكن الكثير من الدول لا تستطيع أن تضمن التمويل أكثر من عامين أو ثلاثة أعوام إلى الأمام. سنؤكد للأفغان التزامنا بضمان التمويل».



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»