الأيام الأخيرة من رمضان في مكة: سياسة ودعاء وصلاة

ضيوف الرحمن يؤدون بالمسجد الحرام آخر جمعة من شهر رمضان (واس)
ضيوف الرحمن يؤدون بالمسجد الحرام آخر جمعة من شهر رمضان (واس)
TT

الأيام الأخيرة من رمضان في مكة: سياسة ودعاء وصلاة

ضيوف الرحمن يؤدون بالمسجد الحرام آخر جمعة من شهر رمضان (واس)
ضيوف الرحمن يؤدون بالمسجد الحرام آخر جمعة من شهر رمضان (واس)

في شهر رمضان تمتلئ شوارع أم القرى بالزوار والمعتمرين من كل أنحاء العالم وتتحول المدينة لخلية نحل تموج بالدعاء والصلوات واللغات المختلفة لزوارها. وفي الأيام العشرة الأخيرة تستفيق شوارع مكة متأخرة، فقد قضى سكانها ساعات الليل في صلاة القيام ووصلوها بصلاة الفجر. وإضافة إلى الزحام الشديد الذي يميز هذه الأيام كل عام، زادت هذا العام الأعداد مع توافد زوار حضروا للمشاركة في 3 قمم؛ الأولى لدول مجلس التعاون الخليجي، والثانية لدول الجامعة العربية والثالثة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
ورصد تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية مشاهد من الشارع في أم القرى، حيث ازدانت شوارع المدينة بأعلام الدول المشاركة وبلافتات الترحيب بالزوار الكبار. بينما امتلأت بأشخاص يسيرون باتجاه المسجد الحرام مرتدين لباس الإحرام الأبيض.
وفي فندق في وسط مكّة، جلس الإماراتي سهيل الزبيدي مرتدياً ملابس أداء مناسك العمرة البيضاء الجمعة، بينما كان يمر أمامه إعلاميون جاءوا إلى المدينة لتغطية أعمال الاجتماعات السياسية التي تطغى عليها التوترات السعودية مع إيران. ويقع مقر الإعلاميين المعتمدين للتغطية في الفندق نفسه.
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: «مكّة كانت رسالة محبة في الماضي، واليوم تعود لتوجّه رسالة لتفادي الحرب والتعايش، إنّما بحزم».
في مسجد وسط المدينة، خرج عشرات الأشخاص، نساء ورجال، إلى الباحة الرئيسية عند موعد الإفطار. افترشوا الأرض وتقاسموا الطعام الذي تمّ مده على شرشف أبيض على العشب، بينما كان صوت الأذان يصدح من مكبرات للصوت فملأ المكان كله.
وقال موظف إداري في المسجد لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إن هؤلاء يعتكفون في المسجد للعبادة طوال الأيام العشرة الأخيرة في رمضان، مضيفاً: «لا يريد هؤلاء سوى الدعاء. منهم من يدعو لحبيب، ومنهم من يدعو لعمل، ومنهم من يدعو لأن يشفي الله قريباً له».
ويتابع: «يقضون كل أيامهم في الداخل، ولا يخرجون إلا لتناول الطعام».
ويشير خالد الغامدي المقيم في مكة منذ شهرين للعمل فيها والآتي من جنوب المملكة، إلى أن ارتفاع أعداد المصلين وإغلاق بعض الطرق مع انعقاد الاجتماعات السياسية، تسبب بازدحام، لكن ذلك لا يمنع الزوار من مواصلة التدفق على المساجد. ويضيف: «لكن لا مشكلة أبداً، كله يهون. الحمد لله».
ويؤكد السعودي أحمد الراجحي أنه في الأيام الأخيرة من رمضان «أي شيء تريده في حياتك يمكنك أن تدعو له في هذه الفترة»، مضيفاً: «كل شخص له قصته الفريدة هنا».
لكن ليست كل القصص جميلة.
فقد قدم الباكستاني أحمد نعيم مع أفراد عائلته إلى مكة هذا الأسبوع للصلاة والدعاء وأداء العمرة، إلا أنّ الرحلة تحوّلت إلى مأساة بعدما قتلت الأم في حادث سير في المدينة، وأصيبت والدته التي قدمت من الولايات المتحدة بجروح نقلت على أثرها إلى المستشفى.
وقال نعيم، وهو أب لـ4 أطفال تتراوح أعمارهم بين 4 و10 أعوام: «كانت هذه عادتنا خلال السنوات الأخيرة. نفضّل أن نؤدي مناسك العمرة خلال رمضان لأنه وفقاً للحديث، ننال حسنات أكثر». ونعيم مقيم في الخُبر منذ نحو 10 سنوات، حيث يعمل مديراً للمشاريع في شركة متخصّصة بخدمات النفط والطاقة. وقاد سيارته إلى مكة آتياً من المدينة التي يعيش فيها في شرق السعودية على بعد 1200 كلم.
وأضاف بينما كان متوجّهاً للصلاة في مسجد مع حلول موعد الإفطار: «دفنا زوجتي قرب الحرم»، مستدركاً وهو يحاول حبس دموعه: «بالنسبة لي ولأولادي، هذا حافز إضافي للعودة إلى هنا (...) نزور قبرها وندعو لها».
وبالأمس، أدى ضيوف الرحمن من الزوار والمعتمرين والمواطنين صلاة آخر جمعة من شهر رمضان المبارك بالمسجد الحرام، إذ شهد كثافة كبيرة من المعتمرين والمصلين من داخل المملكة وخارجها الذين حرصوا على أداء مناسك العمرة في هذا اليوم المبارك وامتلأت جميع أدواره وأروقته وسطوحه وساحاته والطرق المؤدية إليه بالمصلين الذي توافدوا منذ الساعات الأولى من صباح اليوم.



«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.