السجال حول ميزانية وزارة المهجرين يعيد فتح ملفات الحرب الأهلية

عطا الله لـ «الشرق الأوسط»: مسيحيو الجبل أصبحوا بعد الحرب بلا حقوق

البطريرك الراحل صفير مع وليد جنبلاط في الجبل في إطار المصالحة
البطريرك الراحل صفير مع وليد جنبلاط في الجبل في إطار المصالحة
TT

السجال حول ميزانية وزارة المهجرين يعيد فتح ملفات الحرب الأهلية

البطريرك الراحل صفير مع وليد جنبلاط في الجبل في إطار المصالحة
البطريرك الراحل صفير مع وليد جنبلاط في الجبل في إطار المصالحة

تجاوز السجال على خلفية ميزانية وزارة المهجرين في الحكومة اللبنانية الشأن المالي، ليعيد فتح ملفات الحرب الأهلية اللبنانية، وتحديداً حرب الجبل (في قضائي عاليه والشوف) التي اندلعت في خريف 1983 بين المسيحين والدروز، واُرتكبت خلالها مجازر في حق المدنيين من الفريقين، وتسببت بتدمير عشرات القرى بالمنطقة، وتهجير سكانها.
وفي حين اعتذر رئيس الحزب الاشتراكي، وليد جنبلاط، عن هذه الحرب، وغرد في شهر مارس (آذار) الماضي بأنه أجرى «مراجعة ونقداً ذاتياً ومصارحة»، وذلك في خطوة أرادها إيجابية. وبالتزامن مع تولي الوزير غسان عطا الله، من «التيار الوطني الحر»، حقيبة وزارة المهجرين، صرح الأخير بأن «بعض المسيحيين يخافون من النوم في الجبل».
وكانت الوزارة قد أنشئت لطي صفحة «حرب الجبل»، وإعادة المهجرين المسيحيين إلى قراهم عبر المصالحة والتعويضات، إلا أن المحطة الأبرز في مسيرة المصالحة كانت مع البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير الذي زار مناطق التهجير في الجبل برفقة جنبلاط عام 2001. وسجلت خطوته محطة تاريخية في أوج السيطرة السورية، لا سيما أنها جاءت عقب نداء البطاركة الموارنة الشهير في عام 2000 الذي تضمن دعوة لخروج الوصاية السورية من لبنان.
إلا أن التجاذبات السياسية أعادت فتح ملف التهجير، ويصر عطا الله على أن «العودة لم تحدث»، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «عودة المسيحين إلى قراهم لا تزال خجولة غير ثابتة لعدة ظروف، منها الظروف المعنوية التي تحول دون ممارستهم لحقوقهم السياسية والدينية بحرية. ففي ظل الأحادية التي كانت سائدة، شعروا بأنهم مكسورون ولا زعيم لهم، ويعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، في حين يجب توفير الحياة الكريمة لهم. فهذه الأحادية فرضت واقعاً وتعاطياً استنسابياً مع الناس».
ويفرق عطا الله بين مشروعه لإنهاء عمل وزارة المهجرين وبين إنجاز العودة، ويقول إن «الأمرين مختلفين. ومع ذلك، سنقفل الوزارة لتخفيف الهدر، وليس لأن العودة حصلت، فالوزارة من دون فائدة. ونعمل على تحويلها إلى وزارة للإنماء الريفي، لترسيخ الناس في أرضهم، ووجود وزير من أبناء الجبل يحقق هذا الهدف».
ويرفض عطا لله ربط عدم عودة فئة من المهجرين بالفرز السكاني الذي كان أحد نتائج الحرب الأهلية في لبنان، ولم يقتصر على مناطق التهجير في عاليه والشوف، بل شمل كسروان وبيروت ومناطق الكرنتينا التي هجر منها المسلمون بشكل كامل، والضاحية الجنوبية التي هجر منها المسيحيون بشكل كامل.
ويوضح أن «من يترك القرية إلى بيروت لا تعود سهلة عودته. ففي حين خضعت الكرنتينا والضاحية الجنوبية إلى تغيير كامل للديموغرافيا، بقيت أملاك المسحيين في الجبل، وما زالت التركيبة السكانية ذاتها، إلا أن الحياة أصعب. لو راعينا الجبل بطريقة أفضل لعاد الجميع. هذه القرى بحاجة إلى مدارس وطبابة وإنماء ريفي ومساعدات زراعية وسياحة. تنشيط الحركة الاقتصادية يؤدي إلى بقاء العائلات في قراها».
لكن هذه الظروف تنسحب على الدروز كما على المسيحيين؟ يجيب عطا الله: «لو أرادت القوى المسيطرة على المنطقة العودة، كان يجب أن توفر هذه الأمور. قبل التسعينات، وقبل الحرب، كانوا يعيشون، وكانوا يمارسون طقوسهم وحريتهم. بعد الحرب، أصبحوا بلا حقوق. أنا لا أسعى إلى نبش القبور، ولكن هذه حقيقة. واليوم، تغيرت الأوضاع».
وعن مصالحة البطريرك صفير، يقول عطا لله: «المصالحة عندما لا تغير شيئاً، لا مفعول لها. لا أحد يستطيع أن يعطي معنويات عندما يمر كضيف. يجب أن يكون موجوداً ليريح الناس فيعودون. والتغيير بعد الانتخابات النيابية بقانون عادل أعطى دفعاً وفرصة لكسر الأحادية».
ويرفض أمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي، ظافر ناصر، الدخول في سجالات للرد على عطا الله، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «المصالحة في الجبل أنجزت مع الزيارة التاريخية للبطريرك صفير. فهذه المصالحة هي الأساس، وقد أعادت الناس والحياة. ومن يريد بناء أمجاده في السياسة بما يغاير الواقع سيساهم بإعادة الأمور إلى الوراء. يجب أن نفكر في المستقبل».
ويضيف: «بالنسبة إلينا، الحياة في الجبل طبيعية، سياسياً واجتماعياً. والعودة تمت، باستثناء بعض القرى التي لم تجرِ فيها المصالحات، ويجب أن تنجز في المرحلة المقبلة. وأي كلام له غايات سياسية لا يفيد أصحابه، ولا وجود للأحادية. فقد حصلت الانتخابات في السابق بنظام أكثري وبنظام نسبي. وخلال المراحل المتعاقبة، حرصنا على الشراكة مع القوى المتمثلة على الأرض، من «كتائب» و«قوات لبنانية» ومستقلين وأحرار، ولم نستفرد بالتمثيل الشعبي. وتبقى دعوتنا للتفكير بالمستقبل، وليس بناء أمجاد سياسية على ركام الماضي».
وفي إطار تجربته الخاصة، يقول رئيس رابطة الشبيبة الرشماوية، الإعلامي سعد إلياس، من بلدة رشميا في قضاء عاليه، إنه «لا مانع، سياسياً أو أمنياً، يحول دون عودة المسيحيين إلى قراهم في جبل لبنان»، ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «إحجام البعض عن العودة ليس لأسباب سياسية أو اجتماعية، ولكن لأن الناس تأقلمت خلال سنوات الحرب، حيث استقرت بعيداً عن قراها، بسبب الفرز السكاني من جهة، وبسبب القرب من مراكز العمل والمستشفيات والمدارس من جهة ثانية. فكثير من اللبنانيين، وفي مختلف المناطق، بعيدون عن قراهم، للسبب ذاته».
وفي مراجعة نقدية لحرب الجبل، يقول: «ما حصل في الجبل كان مؤسفاً. وسببه التعاطي الخاطئ خلال الحرب مع خصوصية الجبل الذي أدى إلى التهجير، إلا أن الملف أقفل. مصالحة البطريرك صفير عبدت الطريق لكل الناس. ومن لم يعد بعد عام 2001، فذلك لأسباب خاصة. ونحن في قضاء عاليه نعيش صيفاً شتاءً. ومن لا يعيش طوال العام، يمضي فترات طويلة في قريته. الوزير عطا الله أخطأ عندما قال إن الناس تخاف من العودة».
وأشار إلى أن «أداء وزارة المهجرين في كل الفترات ومع كل الوزراء لم يكن صحيحاً. فقد عرفت الوزارة في بداية عهدها البحبوحة، وهدرت الأموال بشكل عشوائي غير مدروس، ولم يتغير الأداء أياً كانت الجهة السياسية التي تولت الوزارة، فقد تحولت إلى نبع مساعدات لأهداف سياسية أو انتخابية. واليوم، نضبت الموارد. فكل من تسنح له الفرصة بمد يده إلى المال العام لا يقصر».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.