سنوات السينما

نور الشريف وجميل راتب في «قاهر الزمن»
نور الشريف وجميل راتب في «قاهر الزمن»
TT

سنوات السينما

نور الشريف وجميل راتب في «قاهر الزمن»
نور الشريف وجميل راتب في «قاهر الزمن»

- قاهر الزمن
- (1987)
- الرهان الصعب لكمال الشيخ
إعجاب المخرج كمال الشيخ بقصّـة نهاد شريف المنشورة سنة 1972 له ما يبرره. الشيخ كان من بين أكثر المخرجين العرب اهتماماً بالأعمال التشويقية، ولو أنه أخرج أيضاً «بئر الحرمان»، مثلاً، ذي الصياغة الأدبية البحتة.
«قاهر الزمن» يختلف في أنه من نوع الخيال - العلمي. نوع نادر الحدوث في سينمانا العربية. والنوع ذاته ليس محبوباً من قِـبل الكثيرين، خصوصاً من بين الذين يطالبون السينما ومخرجيها بالاهتمام بالقضايا الاجتماعية الراهنة. لا عجب إذن أن «قاهر الزمن» لم يحظ حين خروجه إلا بقليل من التقدير وهوجم من قـِـبل الكثير من النقاد والسينمائيين.
إنه عن الطبيب الذي يقوم بعمليات تجميد لخلايا الجسم لأجل إعادتها إلى الحياة، وكيف يلتقي الدين والعلم ولا يتناقضان. كامل (نور الشريف) يبحث عن ابن عمّـه الشاب فكري (خالد زكي) المختفي. هو واثق من أنه محجوز في منزل الدكتور حليم (جميل راتب). لذلك يحاول اقتحام المنزل (الواقع نصفه داخل كهف) فيلقى القبض عليه. ابن عمّـه ميت، علمياً، لكن الدكتور سيقوم بمهمّـته في إعادة الحياة إليه لأنه كان جمّـد الخلايا عندما تعرّض فكري لصعقة كهربائية خلال محاولته اقتحام المنزل في حادث مسبق.
بالطبع الفيلم ليس عملاً بلا عيوب. من ناحية محدود التكلفة ما يحتم على السيناريو (كتبه أحمد عبد الوهاب) أن يعي ما يمكن وما لا يمكن للإنتاج القيام به. من ناحية أخرى تقع معظم أحداثه في موقع واحد. هذا بدوره اختيار ليس منتشر الحدوث في السينما العربية، خصوصاً في ذلك الحين. الاستثناء الأقرب إلى «قاهر الزمن» هو «بين السماء والأرض» لصلاح أبو سيف (1959) الذي وقعت معظم أحداثه في مصعد انقطعت الكهرباء عنه فتوقف بين الأدوار بركابه.
الحدود الإنتاجية فرضت على «قاهر الزمن» المكوث في المكان الواحد (غالباً) وتقليص فرص استعراض أحداث جانبية في وموازية. بذلك ليس الفيلم من النوع الذي لا يتحمّـل الخروج أكثر إلى آفاق أخرى.
ما كان بإمكان السيناريو الاشتغال عليه ولم يفعل هو خلق حكاية متوازية تقع خارج البيت مفادها الاختفاء الغامض لفكري ثم الاختفاء الذي لا يقل غموضاً لكامل. لكن ما نجح فيه هو التأكيد على أن أي إنجاز علمي هو بمثابة تأكيد على ما وهبه الله للإنسان من قدرات وأدوات تفكير وعمل. وهو يبدو حذراً من أن يُساء فهمه من قِبل المتشددين أنفسهم. هناك تأكيد على الإيمان ممثل بشخصية ابنة الدكتور زين (آثار الحكيم) ومساعده عبده (متولي علوان). الأولى نموذج لمسلم متطور التفكير. الثاني نموذج لمسلم عالق في شباك التطرف ما يجعله يقوم بتحطيم المختبر وتفجير المكان ما يؤدي إلى موته (الدين) مع الدكتور (العلم) نتيجة تطرفه.
نهاية وخيمة لولا أن المخرج يسارع في تقديم تصوّر معماري وحضاري حديث لما يعتقد الفيلم أن القاهرة ستكون عليه سنة 2110.
هناك كثير من الأخطاء والهفوات الصغيرة، لكن ما أن يدخل كامل بيت دكتور حليم ومعه معظم الأحداث حتى يرتاح المشاهد لإدارة أكثر من مقبولة وأقل من كاملة، ليست في مستوى أعمال سابقة للمخرج الفذ كمال الشيخ، فالمخرج يرتاح لسيناريو يتكاسل بالإتيان بجديد ويحدد ما سيقوله الممثلون طوال ساعة ونصف الساعة؛ لأنه لم يسع لاكتشاف زوايا جديدة (كان يستحق مثلاً سبر غور مشاعر عاطفية بين كامل وزين أو منح شخصية عبده القدرة الثقافية أو الدينية على النقاش أو يمنح مشكلة الطبيب المساعد مرزوق (الجيد حسين الشربيني) ما يزيد من توتر الحدث عوض أن يمر على موقفها وتاريخها في مشهد واحد.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.