خلافات موازنة «سيدر» من الحكومة إلى البرلمان

إقرارها من دون قطع الحساب يعرّضها للإبطال

بري في أثناء لقاء الأربعاء النيابي
بري في أثناء لقاء الأربعاء النيابي
TT

خلافات موازنة «سيدر» من الحكومة إلى البرلمان

بري في أثناء لقاء الأربعاء النيابي
بري في أثناء لقاء الأربعاء النيابي

ما إن وقّع رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوم موازنة عام 2019، وأحالها على البرلمان، حتى سارع رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب إبراهيم كنعان، إلى دعوة أعضاء اللجنة إلى جلسة تُعقد، الاثنين المقبل، للبدء بمناقشة مشروع الموازنة الذي تأخر إقراره أكثر من ستة أشهر، ما اضطر الدولة للصرف في النصف الأول من السنة الحالية على «القاعدة الاثنتي عشرية»، على أمل إقرار الموازنة في المجلس النيابي ونشرها قبل نهاية شهر يوليو (تموز) المقبل.
وأكد رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال «لقاء الأربعاء» النيابي، الذي يُعقد في مقرّ الرئاسة الثانية في قصر عين التينة، أن «المجلس سيقوم بواجباته ويمارس دوره كاملاً في درس الموازنة التي يجري طبع 128 نسخة عنها لتوزيعها على النواب». وتوقع عقد جلسة للجنة المال يوم الاثنين المقبل لدرس «فذلكة الموازنة»، على أن تعقد اللجنة جلساتها المتتالية بعد عطلة عيد الفطر المبارك. ولفت إلى أن «النقاش حول الموازنة مفتوح في اللجنة، ثم في الهيئة العامة للموازنة وبنودها وسيأخذ مداه»، مشيراً إلى أنه «أعطى توجيهاته من أجل أن تعقد لجنة المال أكثر من جلسة في اليوم».
ورغم الانطباع الإيجابي الناجم عن إقرار الحكومة للموازنة، وتخفيض العجز من 11.5 في المائة إلى 7.59 في المائة، تطبيقاً لشروط مؤتمر «سيدر»، فإن هذه الموازنة يشوبها عيب دستوري، يتمثّل بإقرارها من دون قطع حساب، ما يعرّضها لخطر الطعن بها وإبطالها أمام المجلس الدستوري، لذلك فإن الموازنة ستوضع بدءاً من الأسبوع المقبل على مقصلة التشريح النيابي، وسط توقعات بأن تواجه معارضة شديدة من النواب المستقلين والكتل غير الممثلة في الحكومة، حتى من بعض الأحزاب التي صادقت عليها في الحكومة مثل «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي.
وتتحمّل الحكومات المتعاقبة مسؤولية الإخفاق في إعداد قطوعات الحسابات لأكثر من عقدين، بسبب الخلافات السياسية بين مكوناتها، وأوضح رئيس ديوان المحاسبة القاضي أحمد حمدان لـ«الشرق الأوسط»، أن الديوان «تسلّم قطوعات الحسابات للأعوام العشرين الماضية قبل شهرين فقط، وبالتالي ليس بالإمكان إقرار قطع الحساب لموازنة 2019، قبل إقرار القطوعات عن السنوات السابقة ما بين عامي 1997 و2017». وأكد أن الديوان «بدأ بدراسة قطع حساب 2017، ليتمكن مجلس النواب من إقرار موازنة 2019، ويتحفّظ على إعداد قطوعات الحسابات السابقة، إلا أن النصّ الدستوري يفرض إعداد جميع قطوعات الحسابات». وقال: «إذا لم تأخذ السلطة التشريعية بقطع حساب عام 2017 لوحده، عندها يمكنها إعطاء مهلة لديوان المحاسبة لإنجاز قطوعات الحسابات عن السنوات العشرين الماضية». وأشار القاضي حمدان إلى أن «دراسة قطع الحساب لكلّ سنة يحتاج إلى أربعة أشهر من التدقيق ومطابقة حسابات النفقات وضبطها، ومقارنتها مع الواردات، والمصادقة على ما هو صحيح وتسليط الضوء على الحسابات غير المطابقة».
وكانت وزارة المال أعدت قطوعات الحسابات منذ عام 1997 حتى عام 2017، وأحالتها إلى ديوان المحاسبة لدراستها والتصديق عليها، وهو ما وضع الديوان أمام استحالة إنجازها قبل إقرار الموازنة، لكنّ النائب السابق صلاح حنين، شدد على «عدم جواز إقرار قانون الموازنة ونشره، ما لم يسبقه قطع الحساب». وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الموازنة «لا تكون دستورية إلا مع قطع حساب، يثبت خضوعها للرقابة والمحاسبة». وتوقّع حنين أن تكون الموازنة «أمام منازلة نيابية، خصوصاً أنها تجاهلت مكامن الهدر والفساد في الإدارات، بدءاً من ملف الكهرباء إلى التهرّب الضريبي في الجمارك، وصولاً إلى الأملاك البحرية والجمعيات الوهمية وغيرها»، داعياً إلى «محاسبة المسؤولين عن عدم إنجاز قطوعات الحساب لسنوات طويلة، ووضع الرأي العام أمام الحقاق، ومحاسبة المسؤولين عن هذا الخلل».
وتتعدد المخارج التي قد يلجأ إليها البرلمان اللبناني، للإسراع بإقرار قانون الموازنة لوضع مقررات مؤتمر «سيدر» موضع التنفيذ من دون معوقات دستورية، وذكّر الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك، بأن «المادة 87 من الدستور واضحة، وتنص على إنجاز قطع الحساب قبل إقرار موازنة العام المقبل»، مشدداً على أن «إقرار الموازنة من دون قطع حساب، يشكل مخالفة دستورية ويعرّضها للإبطال أمام المجلس الدستوري». وقال: «سبق أن تغاضى المجلس النيابي عن قطع الحساب في موازنة عام 2018، عندما جرى الطعن بها أمام المجلس الدستوري، ويومها آثر الأخير عدم إبطال الموازنة، وذهب إلى القول إن قطع الحساب هو في خدمة الموازنة وليس العكس، لكن إذا ما جرى الطعن بالقانون هذه المرّة فقد لا يتردد المجلس الدستوري بإبطاله».
وأمام معضلة الخوف من الإطاحة بالموازنة، رأى المحامي سعيد مالك، أن «المخرج الوحيد لهذه الأزمة، قد يكون شبيهاً بما حصل عند إقرار موازنة عام 2017، حيث تضمنت المادة 65 من هذا القانون، تعهّداً من الحكومة والمجلس النيابي بإعداد قطوعات الحسابات كافة قبل إقرار موازنة عام 2020»، محذراً من الذهاب إلى تعديل دستوري لأنه «سيفتح الباب على مشكلات كبيرة».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.