المجلس العسكري يدعو إلى مفاوضات ويؤكد قرب التوصل لاتفاق

استجابة واسعة للإضراب السياسي في يومه الأخير... وحميدتي: لن نسمح بالفوضى كما في سوريا وليبيا

محتجون سودانيون أمام مقر البنك المركزي في الخرطوم (أ.ف.ب)
محتجون سودانيون أمام مقر البنك المركزي في الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

المجلس العسكري يدعو إلى مفاوضات ويؤكد قرب التوصل لاتفاق

محتجون سودانيون أمام مقر البنك المركزي في الخرطوم (أ.ف.ب)
محتجون سودانيون أمام مقر البنك المركزي في الخرطوم (أ.ف.ب)

شهدت مدن السودان المختلفة إضراباً سياسياً عاماً لليوم الثاني على التوالي حقق، حسب منظميه، نجاحاً كبيراً انعكس في تحريك العملية السياسية بعد أيام من حالة شد وجذب شهدتها الساحة السودانية. وأعلن المجلس العسكري الانتقالي، في وقت مبكر من فجر أمس، أي بعد 24 ساعة من الإضراب، موافقته على استئناف المفاوضات مع قوى إعلان الحرية والتغيير والقوى السياسية الأخرى دون تحديد زمن قاطع.
وفي التطورات الأخرى استدعت نيابة الخرطوم شمال رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي، ليدلي بشهادته اليوم (الخميس)، في البلاغ المفتوح في مواجهة الرئيس المخلوع عمر البشير وآخرين بتقويض النظام الدستوري والاستيلاء على السلطة المدنية بانقلاب عسكري.
وارتفعت وتيرة المشاركة في اليوم الثاني من الإضراب الذي شارك فيه الآلاف من الموظفين والعاملين في الدواوين الحكومية والقطاع الخاص. وشهد أمس وقفات احتجاجية عديدة بالتزامن مع الإضراب العام الذي دعا إليه تحالف الحرية والتغيير للضغط على المجلس العسكري لنقل السلطة إلى المدنيين.
وخرج العاملون في وزارة النفط والبنك المركزي، وتعطلت حركة الحافلات في اليوم الثاني للإضراب، وكانت المفاجأة من دارفور حيث أعلنت قوى التغيير أن الإضراب نجح بنسبة مائة في المائة. وتجمع المئات في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور الإقليم المضطرب غرب البلاد، يحملون لافتات كُتب عليها «المدنية خيار الشعب».
كما نفّذ العاملون في بنك السودان المركزي وقفة احتجاجية حاشدة أمام مقر البنك بالخرطوم، احتجاجاً على المضايقات التي تعرض لها بعض زملائهم أول من أمس، من قبل القوات النظامية.
وقال تجمع المهنيين السودانيين إنه شرع في إجراء تحقيق في الحادثة، وأعلن عن إغلاق جميع فروع البنك في كل مدن البلاد، وحذر كل من يرتكب اعتداء على المضربين من الأجهزة الأمنية أو غيرها. وأكد تجمع المهنيين أنْ «لا تراجع عن المطالبة بتحقيق أهدافنا المعلنة والمنصوص عليها في إعلان الحرية والتغيير ومنها إقامة سلطة مدنية انتقالية كأولوية. وسيتواصل الضغط عبر الأشكال السلمية كافة احتجاجاً واعتصاماً وإضراباً حتى الوصول للعصيان المدني». واستمر إضراب العاملين بالبنوك والمصارف التجارية بالعاصمة الخرطوم وفروعها بالولايات، وأدى إضراب بنك السودان المركزي وتوقفه عن العمل إلى توقف تام للتعاملات المالية بكل البلاد. ولا تزال حركة الطيران متذبذبة بعد تأجيل عدة رحلات خارجية وداخلية نتيجة لإضراب عدد من شركات الطيران السودانية، فيما لا يزال الإضراب نافذاً في الميناء البري المخصص للسفريات من الخرطوم إلى الولايات. في سياق متصل، نفّذ المئات من العاملين بالإمدادات الطبية وقفة احتجاجية وإضراباً أدى إلى توقف جميع المعاملات الإدارية والمحاسبية بالمؤسسة، كما استمر العاملون بالإدارة العامة للكهرباء والمياه في الإضراب عن العمل رغم المضايقات التي تواجههم من قبل النقابات القديمة. وكان تحالف الحرية والتغيير، قد دعا لهذا الإضراب للضغط على المجلس العسكري لنقل السلطة إلى المدنيين. بدوره أعلن المجلس العسكري الانتقالي، في وقت مبكر من فجر أمس، موافقته على استئناف المفاوضات مع قوى الحرية والتغيير دون تحديد زمن قاطع. وقال المتحدث الرسمي باسم المجلس العسكري الفريق أول شمس الدين كباشي، إنه لا مجال للتراجع عما تم الاتفاق عليه مع قوى الحرية والتغيير التي منحها تشكيل حكومة منفردة و67% من عضوية المجلس التشريعي، بالإضافة إلى المشاركة في مجلس السيادة. وأكد أن الاتفاق على وثيقة الفترة الانتقالية بات وشيكاً. من جانبه قال عضو الوفد المفاوض لقوى الحرية والتغيير مدني عباس مدني، لـ«الشرق الأوسط» لم نتلقَّ أي دعوة من المجلس العسكري للعودة إلى المفاوضات، ولكن ما زالت اللجان تعمل على تقريب وجهات النظر بين الجانبين.
وأضاف مدني أن التصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم «العسكري» إيجابية ويمكن أن تعمل على تهيئة الأجواء للحوار حال استؤنفت جولات المفاوضات. وأشار مدني إلى أن تنفيذ الإضراب كان فوق مستوى توقعات قوى الحراك، وبعث برسالة واضحة إلى المجلس العسكري، وكل القوى التي تشكك في قدرة وإمكانية قوى الحرية والتغيير في قيادة الثورة والحراك الشعبي. وقطع نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي»، أول من أمس (الثلاثاء)، بأن المجلس لن يقفل باب التفاوض والحوار مع قوى الحرية والتغيير على أن يتم ذلك بمشاركة الجميع، مؤكداً أن المجلس وقوى الحراك شركاء في الإطاحة بالنظام السابق وفي التغيير، وتابع: «إذا رجعت قوى الحرية والتغيير إلى شعاراتها (الحرية والسلام والعدالة) سيتم الاتفاق معهم». وقال حميدتي إن القوات المسلحة السودانية جزء من الثورة، وإنها لو لم تنضمّ إليها لبقى نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وشدد بالقول إن المجلس لن يسمح بانزلاق البلاد نحو الفوضى كما في سوريا وليبيا.
وفي منحى تصعيدي آخر قال نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان –قطاع الشمال- ياسر عرمان، إنه تلقى 6 رسائل من رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان ونائبه حميدتي تطالبه بالخروج من البلاد، وأكد أنه رفض ذلك الطلب.
ووصل ياسر عرمان إلى البلاد على نحو مفاجئ فجر الأحد الماضي دون ترتيبات للعودة. وأضاف أن «الحركة الشعبية جزء من قوى الحرية والتغيير. أتينا للعمل من أجل السلام، وأن الموقف السلبي من وفد (الشعبية) يعني موقفاً سلبياً من السلام».
وأوضح عرمان تفاصيل حكم الإعدام الغيابي الذي صدر بحقه ومعه رئيس الحركة مالك عقار، في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، وقال إن «الحكم سياسي بامتياز»، مبدياً استغرابه من تمسك المجلس العسكري بهذا الأمر في ظل المناخ الثوري، وتساءل عن أسباب عدم تسليم الرئيس المخلوع للمحكمة الجنائية الدولية.
من جهة أخرى، أفاد «تجمع المهنيين» السوداني المعارض بمقتل محتجة وسقوط عدد من الجرحى في شارع النيل قرب مقر الاعتصام وسط الخرطوم. وذكر التجمع، وهو أحد مكونات قوى «الحرية والتغيير» التي تقود الحراك الشعبي في السودان، عبر حسابه على موقع «تويتر»، أن الضحايا سقطوا جراء «اشتباك بالرصاص الحي وقع بين قوات عسكرية ومتفلتين منها في شارع النيل بالخرطوم».
وأدان التجمع «مثل هذه التصرفات الصبيانية غير المسؤولة من القوات النظامية التي يجب أن يكون وجودها لحفظ أمن المواطن وسلامته». وحث التجمع «الثوار، على ضبط النفس والتمسك بالسلمية والالتزام بخريطة الميدان، والوجود في ساحة الاعتصام، وتفويت الفرصة في هذا الظرف الذي سيحاول المتربصون بالثورة استغلاله في إشاعة الفوضى لضرب سلميتنا».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.