الاتحاد الأوروبي: لا يمكن النظر حالياً في إمكانية حدوث تقدم بمفاوضات تركيا

أنباء عن وقف واشنطن تدريب طياريها على مقاتلات «إف 35»

الاتحاد الأوروبي: لا يمكن النظر حالياً  في إمكانية حدوث تقدم بمفاوضات تركيا
TT

الاتحاد الأوروبي: لا يمكن النظر حالياً في إمكانية حدوث تقدم بمفاوضات تركيا

الاتحاد الأوروبي: لا يمكن النظر حالياً  في إمكانية حدوث تقدم بمفاوضات تركيا

وجّه الاتحاد الأوروبي ضربة قوية لجهود تركيا لاستئناف مفاوضات الانضمام إلى عضويته، ووجّه إليها انتقادات حادة بسبب التراجع الخطير للحريات والنظام القضائي وتأثير ذلك على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، معلناً أن المفاوضات معها توقفت فعلياً، ولا يمكن النظر حالياً في إمكانية حدوث تقدم. وأعربت أنقرة عن رفضها لهذه الانتقادات، ووصفتها بـ«المجحفة». ولفت الاتحاد إلى أن النظام القضائي التركي شهد «مزيداً من التراجع الخطير»، موجهاً انتقادات حادة للحكومة التركية، برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان، في عدد من القضايا، بدءاً من حقوق الإنسان، وانتهاء بالسياسات الاقتصادية.
وقالت المفوضية الأوروبية، في تقريرها السنوي بشأن تقييم التقدم الذي أحرزته تركيا في إطار مسيرة مفاوضاتها لنيل عضوية الاتحاد، والذي عرضته وزيرة خارجية الاتحاد فيدريكا موغيريني في مؤتمر صحافي مع المفوض المكلف بشؤون التوسيع يوهانس هان، في بروكسل، أمس (الأربعاء)، إن حرية التعبير تواجه قيوداً، وإن الحكومة «أثرت سلباً» على الأسواق المالية، وإن التراجع الخطير في الاقتصاد التركي يستمر، ما يؤدي إلى مخاوف أعمق بشأن أداء اقتصاد السوق في البلاد. وأشار التقرير إلى ما وصفه بـ«تراجع خطير في مجالات سيادة القانون والحقوق الأساسية». ورأت موغيريني أن تركيا تواصل النأي بنفسها عن الاتحاد الأوروبي وقيمه، معتبرة كما جاء في التقرير أن الاتحاد لا يرى سبباً لإلغاء مفاوضات عضوية تركيا. وقالت إن مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد توقفت فعلياً، ولا يمكن النظر حالياً في إمكانية حصول تقدم.
في المقابل، قال فاروق كايماكجي نائب وزير الخارجية التركي، رداً على التقرير الأوروبي، إن التقرير لا يقيّم بشكل سليم الوضع الحالي في البلاد، ومن غير الممكن قبول الانتقادات «المجحفة» الواردة به. وأشار كايماكجي إلى أن تركيا ستضع في اعتبارها الانتقادات البناءة في التقرير، وأنها تتوقع من حلفائها الأوروبيين دعم حربها في مواجهة التهديدات الأمنية.
ومن جانب آخر، تحافظ الولايات المتحدة، أو على الأقل جهاتها الرسمية المخولة بالتصريح عن العلاقات الأميركية – التركية، على لغتها الدبلوماسية في التعامل مع الأزمة المندلعة معها، على خلفية صفقة الصواريخ الروسية «إس 400». وتسعى تلك الجهات حتى الآن إلى عدم قطع «شعرة معاوية» مع أنقرة، التي بات تقييمها لدى شرائح سياسية واسعة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بأنها قاربت «الخروج من السرب». ورغم أن البعض يرى أن الصفقة ما هي إلا ورقة ابتزاز تسعى أنقرة لاستخدامها، في ملفات عدة عالقة، على رأسها الملف السوري، سواء مع واشنطن أو موسكو، يعتقد أيضاً أنها ورقة للاستخدام الداخلي في معارك الرئيس إردوغان، وخصوصاً في جولة إعادة الانتخابات البلدية في إسطنبول.
وأمام تصريحات الجانب التركي وتأكيد أكثر من مسؤول على أن الصفقة ستتم، نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر أن الولايات المتحدة تدرس جدياً تعليق تدريب الطيارين الأتراك على مقاتلات «إف 35» المتقدمة، التي هددت واشنطن بوقف تسليمها لتركيا إذا ما أصرت على موقفها من الصفقة الروسية. وقال مسؤول من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن أنقرة «لن يكون بإمكانها الحصول على طائرات (إف 35) وصواريخ (باتريوت)، حال اقتنائها منظومة (إس 400)». وسلّمت واشنطن أول دفعة من طائرات «إف 35» إلى تركيا في يونيو (حزيران) الماضي، إلا أن هذه الطائرات باقية في الولايات المتحدة لتدريب الطيارين الأتراك عليها، وهي عملية قد تمتد سنة أو سنتين، ويبدو أنها حالياً في طريقها للتعليق من الجانب الأميركي.
في هذا الوقت، أكدت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية المقدم كارلا غليسون المسؤولة عن ملف تركيا لـ«الشرق الأوسط»، أن واشنطن لا تزال على استعداد للدخول في مزيد من المناقشات مع الحكومة التركية بشأن المخاوف من صفقة الاستحواذ على صواريخ «إس 400» الروسية.
ورغم حرصها على عدم التحدث مباشرة عن قضية تسليم الطائرات إلى تركيا، قالت غليسون إن وزارة الدفاع أبرزت بشكل واضح المخاوف المتعلقة بتلك الصفقة، والعواقب التي قد تترتب على العلاقات الدفاعية بين الولايات المتحدة وحلف الناتو مع تركيا.
وأمس، أكدت موسكو، بلسان المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، أن عمليات تسليم المنظومة «إس 400» إلى تركيا ستتم قبل المواعيد المخطط لها، بناء على طلب الجانب التركي، ودون تأخير. وقالت غليسون إن دول «الناتو» تحتاج معدات عسكرية قابلة للتشغيل المتبادل مع أنظمة الحلف، ونظام الصواريخ الروسية لا يفي بهذا المعيار. وقد عرض كثير من أعضاء الحلف على تركيا، بما في ذلك الولايات المتحدة، أنظمة قابلة للتشغيل البيني مع «الناتو». واستبعدت غليسون أن يؤثر التوتر في المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران على مستقبل التعاون العسكري مع أنقرة، وخصوصاً في سوريا، في ظل الحديث عن اعتراض إردوغان على سياسات ترمب في بعض الملفات المهمة بين البلدين. وقالت إن تركيا «حليف وثيق» لحلف الناتو، وعلاقتنا العسكرية معها قوية، ولدينا التزام بضمان سلامة حليفنا في «الناتو»، ودعمه بما يعود بالنفع على الأمن والاستقرار الإقليميين، بما في ذلك عمليات مكافحة الإرهاب الجارية في المنطقة.
وبحسب موقع «الناشيونال إنترست»، السؤال المطروح هو؛ عما إذا كانت قضية «إس 400» هي مجرد عثرة على الطريق أم بداية لإعادة توجيه دائم في أولويات الدفاع التركية.
وشكّلت خطط تركيا لشراء المنظومة الروسية تحولاً كبيراً في تلك التوجهات، ما أثار استجابة حادة من واشنطن. ورغم ذلك يرى الموقع أن صفقة «إس 400» بالكاد تشكل اختراقاً كبيراً في العلاقات الروسية التركية، وتهدد تماسك حلف «الناتو».
ويضيف التقرير أن الكرملين وشركة «روسبورون إكسبورت» الحكومية لتصنيع السلاح يسعيان للاستفادة من تلك الصفقة لتوقيع عقود إضافية، بما في ذلك الطائرات الروسية المقاتلة من الجيل الجديد، وكذلك الجيل الجديد من الصواريخ «إس 500».
عندما هدد البنتاغون الشهر الماضي بوقف تسليم طائرات «إف 35» لأنقرة، بانتظار موقف تركي لا لبس فيه للتخلي عن الصفقة الروسية، توقع البعض أن تتراجع روسيا عن صفقة طائرات «سو 35»، لكنها بدلاً من ذلك عرضت تسليم طائرات «سو 57» الأكثر تطوراً في المنظومة الروسية.
ولم يعلق الرئيس التركي إردوغان على العرض الروسي لطائرات «سو 57» حتى الآن، لكنه قال في مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي: «نحن انتهينا من (إس 400)، وسنبدأ الإنتاج المشترك، ونتطلع الآن إلى (إس 500)».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟