ترخيص بناء معمل إسمنت في «منطقة استراتيجية» يثير مخاوف بيئية وأمنية

سيارة تمر أمس في طريق جبلية محاطة بجدار ثلجي ارتفاعه 10 أمتار في قرية عيناتا الأرز  التي تقع على ارتفاع 1620 متراً عن سطح البحر في شمال لبنان (أ.ف.ب)
سيارة تمر أمس في طريق جبلية محاطة بجدار ثلجي ارتفاعه 10 أمتار في قرية عيناتا الأرز التي تقع على ارتفاع 1620 متراً عن سطح البحر في شمال لبنان (أ.ف.ب)
TT

ترخيص بناء معمل إسمنت في «منطقة استراتيجية» يثير مخاوف بيئية وأمنية

سيارة تمر أمس في طريق جبلية محاطة بجدار ثلجي ارتفاعه 10 أمتار في قرية عيناتا الأرز  التي تقع على ارتفاع 1620 متراً عن سطح البحر في شمال لبنان (أ.ف.ب)
سيارة تمر أمس في طريق جبلية محاطة بجدار ثلجي ارتفاعه 10 أمتار في قرية عيناتا الأرز التي تقع على ارتفاع 1620 متراً عن سطح البحر في شمال لبنان (أ.ف.ب)

تشعّبت المشاكل البيئية والأمنية الناجمة عن قرار وزير الصناعة السابق حسين الحاج حسن (حزب الله)، الذي أعطى بموجبه رخصة لآل فتوش، لبناء معمل للإسمنت في منطقة عين دارة في جبل لبنان، رغم الرفض المطلق لأبناء المنطقة ومسؤولي بلديتها الذين اعتبروا أن «مواجهة هذا المشروع يعدّ مسألة حياة أو موت بالنسبة إليهم، نظراً للآثار البيئية الكارثية على الطبيعة وعلى المياه الجوفية، والخشية من تحوّله إلى مربّع أمني في مرحلة لاحقة».
ناشطون معارضون للمشروع الذي لم تبدأ أعمال بناؤه بعد، اتهموا صاحبه بيار فتوش، شقيق النائب والوزير السابق نقولا فتوش، بأنه «استحصل على رخصة بناء المعمل، من خلال علاقاته الوثيقة بالنظام السوري وحزب الله، دون أن يكترث للأضرار الجسيمة التي سيلحقها بالبيئة في هذه المنطقة الجبلية المحاذية لمحمية أرز الشوف». وتحدّثوا عن «تجنيد عناصر أمنية لمواجهة أبناء المنطقة المعترضين على المشروع وفرضه بالقوّة، ما يعزز المخاوف من تحويل المعمل إلى قاعدة عسكرية وأمنية لحزب الله، بالنظر للموقع الاستراتيجي الذي يقع عليه، والذي يفصل منطقة الشوف عن المتن، ويؤدي إلى الإمساك بمنطقة البقاع، كونه يشكل مدخلاً لها»، على حدّ تعبير الناشطين المعارضين لـ«حزب الله».
وتسبب هذا المشروع في أزمة سياسية بين «حزب الله» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، غداة إلغاء وزير الصناعة الحالي وائل أبو فاعور الترخيص الذي أعطاه سلفه حسين الحاج حسن لبناء معمل الإسمنت بسبب أضراره البيئية، كما يواجه اعتراضاً سياسياً وشعبياً، حيث أكد نائب رئيس حركة «التجدد الديمقراطي» الدكتور أنطوان حداد لـ«الشرق الأوسط»، أن «معمل الإسمنت لن يبصر النور في عين دارة، وهو مسألة حياة أو موت بالنسبة لأبناء المنطقة، خصوصاً أن الترخيص الذي أعطي للمعمل، يقوم على مجموعة من المخالفات والتعديات على الأملاك العامة والخاصة، وينتهك قانون المقالع والكسارات، ويشكل خطراً كبيراً على محمية أرز الشوف المتاخمة له». وحول ما يثار عن أخطار أمنية وإمكانية تحويل المعمل لاحقاً إلى قاعدة أمنية، أوضح حداد أن «لا أدلة ملموسة على تحويله إلى قاعدة عسكرية».
وكان مجلس شورى الدولة أبطل قرار وزير الصناعة الحالي وائل أبو فاعور، ومنح آل فتوش حقاً مكتسباً ببناء هذا المعمل. لكنّ هذا الحقّ القانوني لم يثنِ أبناء المنطقة عن مواجهته. وكشف رئيس بلدية عين دارة العميد المتقاعد مارون بدر لـ«الشرق الأوسط»، أن مشروع بناء معمل الإسمنت «يقع فوق آبار مياه وينابيع جوفية تغذّي عين دارة وبلدات بقاعية»، لافتاً إلى «تراجع محاصيل التفاح بسبب اللوث البيئي والكسارات التابعة لآل فتوش في المنطقة»، بحسب رأيه.

وعن التحذيرات من استغلال المشروع لخلفيات أمنية أو عسكرية، قال رئيس بلدية عين دارة: «لست متأكداً من وجود أبعاد أمنية، ونحن ضدّ هذا المعمل سواء بناه آل فتوش أو حزب الله أو الحزب الاشتراكي أو أي فريق سياسي آخر»، لافتاً إلى أن المشروع محمي من عناصر أمن ومسلحين، و«هذا ينذر بوقوع إشكال مع أبناء المنطقة في أي لحظة، ما يعني أن هذا المشروع المبطّن ينذر بخطر أمني».
ولم يستبعد منسّق هيئة المبادرة المدنية في عين دارة عبد الله حداد، وهو أحد أبرز المعارضين لهذا المشروع، وجود خلفيات أمنية وراء هذا المشروع، ورأى أن «الدليل يكمن باستماتة حزب الله في الدفاع عنه، لدرجة افتعال أزمة سياسية مع وليد جنبلاط، من أجل المضي ببنائه».
إلى ذلك، اعتبرت مصادر مقرّبة من «حزب الله» أن «اتهام الحزب ببناء قاعدة عسكرية في عين دارة لا يستحقّ الردّ أو التعليق». وأكدت لـ«الشرق الأوسط» غياب «الدواعي الأمنية لبناء مقرّ عسكري في هذه المنطقة». وقالت: «إذا كان البعض يجد أهمية في هذه النقطة لأنها قريبة من البقاع وسوريا، فإن منطقة البقاع تشكل القاعدة التمثيلية الأوسع لحزب الله، كما أن الوجود العسكري للحزب في سوريا علني».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.