استغلال الجريمة كمادة روائية

حين يتفوق الواقع على الخيال

استغلال الجريمة كمادة روائية
TT

استغلال الجريمة كمادة روائية

استغلال الجريمة كمادة روائية

هل يمكن أن يصبح الواقع المعاش أكثر خصوبة من خيال كاتب مبدع؟ وهل وصلنا لمرحلة أصبح فيها القارئ أكثر تعطشاً للأدب الذي يرسم تراجيديا الواقع على حساب أوهام الخيال؟ السؤال مطروح على ضوء ما يُلاحظ في المشهد الأدبي الفرنسي من انتعاش جديد لأدب الواقع، وعودة قوية للرواية الفنية الوثائقية التي تجد في حوادث الإجرام أرضاً خصبة لأعمال أدبية قيمة تحصد الجوائز الأدبية وتلقى استحسان النقاد.
الظاهرة ليست جديدة، فاعتماد الكتاب على «الحوادث» كمادة خام لأعمالهم الروائية تعود للأدب الكلاسيكي. بدءاً بـ«الأحمر والأسود» لستندال، التي تتطابق فيها كل شخصيات الرواية مع أحداث قضية «برتي» التي هزت الرأي العام بُعيد الثورة، مروراً برواية فلوبير «مدام بوفاري» المستوحاة من حادثة وقعت في محيط الكاتب بين أوجين دالمار، الطبيب الذي تتلمذ على يد والد فلوبير، وزوجته دلفين كوتوريي التي انتحرت بسبب الديون وهجر عشيقها، إلى رواية ألكسندر دوما الشهيرة «لوكونت دو مونتي كريستو»، الموجودة في أرشيف شرطة باريس، عن إسكافي ناجح يتعرض للحبس بسبب تهمة لفقت له، ثم ينجح في الهرب، ويحاول الثأر من أعدائه، بعد أن يرث ويصبح غنياً. الفرق بينهما هي أن فرنسوا بيكو «المونتي كريستو الحقيقي» يقُتل، بينما ألكسندر دوما تصور نهاية سعيدة لبطل الرواية.
وعن استغلال «الجريمة» كمادة أدبية، يتحدث الباحث دومينيك خليفة في كتابه «الحبر والدم»، الصادر عن دار نشر «فايار»، عن شغف حقيقي للأدباء: «السياق السياسي والاقتصادي الذي ميز المجتمع الفرنسي آنذاك، مع انتشار الرقابة السياسية، شجع ظهور منشورات تنقل أخبار العنف والإجرام، بعضها لاقى إقبالاً كبيراً، لا سيما عند الكتاب. بلزاك وزولا وستندال كانوا شغوفين بقراءة (جريدة المحاكم) المتخصصة؛ بلزاك كان يحضر جلسات المحاكم باستمرار، أما زولا فكان يحتفظ بقصاصات الجرائد التي تنقل هذه الأخبار».
الشغف جعل بعضهم يحاول الاقتراب أكثر لتقمص دور فعال قبل الانتقال لمرحلة الكتابة والإبداع. أندريه جيد (الحائز على جائزة نوبل للآدب) الذي ألف روايته «المزورون»، مُستنداً إلى قضية تزوير أوراق مالية قامت بها عصابة من الشباب في بلدته، كان قد عايش «عالم الإجرام» عن قرب، حين عمل محلفاً لدى المحكمة، واصفاً إياها بأعظم «تجربة عاشها في حياته». أما مارغريت دوراس فقد اخترقت الخطوط الحمراء، حين تقمصت ثوب المُحققة البوليسية، وطلبت بنفسها من صحيفة «ليبارسيون»، أقل من سنة بعد حصولها على «الغونكور»، تغطية قضية مقتل الطفل غريغوري التي أثارت اهتماماً إعلامياً كبيراً في ثمانينات القرن الماضي. صاحبة «العشيق» صدمت كثيرين حين كتبت مقالاً بعنوان: «كاترين الرائعة»، متهمة بصفة مباشرة كاترين الأم بقتل طفلها: «كلما أرى البيت، أصيح بأن الجريمة وقعت... لقد قتل غريغوري في هدوء وحب أصبح... جنوني».
أقرب إلينا مجموعة من الكتاب الذين يجّسدون هذه الموجة الجديدة من الرواية الواقعية التي تعتمد على سرد أحداث حقيقية مع هيكلتها فنياً وجمالياً. أبرزهم إيمانويل كاريير، وأبرز أعماله «العدو»، دار نشر «بي أو إل»، الذي نال استحسان النقاد. وفي عمله هذا، يسرد كاريير أحداث قتل جون لوي رومان لأفراد أسرته، بعد أن أوشكوا على اكتشاف السر الذي أخفاه عنهم ثماني عشرة سنة. لقد قام الكاتب بعمل وثائقي شامل، مع التحقيق في محيط القاتل، كما راسله زواره في سجنه، مُتبعاً بذلك خطوات رائد الرواية الفنية الوثائقية الأميركي ترومان كابوتي، وروايته الشهيرة «بدم بارد» التي قام فيها بالتحقيق في مقتل عائلة مزارعين لسنوات، ومقابلة المتهمين، لغاية التعاطف مع أحدهم والتكفل بنفقات محاميه. وبينما اختار إيمانويل كاريير الغوص في نفسية القاتل، ركز إيفان جابلونكا على الضحية وصمتها لتقديم قراءة مختلفة. رواية «ليتيسيا... أو نهاية الرجال» التي حاز بها على جائزة «ميديسيز» اهتمت، من دون الخوض في بشاعة الجريمة، بقصة الفتاة التي اغتالها صديقها، قبل أن يقطع جسدها بالمنشار. الكاتب حاول رسم ملامح حياتها القصيرة من خلال رصد أهم المحطات: طفولتها الممزقة، والملاجئ، والأصدقاء. والخوض في وضع المرأة الاجتماعي والاقتصادي هو ما حاولت ليلى سليماني معالجته في روايتها الحائزة على الغونكور «أغنية هادئة»، من خلال شخصية الأم مريم، وشخصية المربية لويز. بالنسبة لسليماني، القضية ليست إعادة تركيب أو استنساخ، أو حتى تسليط الضوء على أحداث واقعية، فحادثتا مصرع أطفال على يد مربيتين، الأولى في فرنسا والثانية في نيويورك، اللتين ألهمتا رواية سليماني كانتا منطلق الفكرة، ومن عناصر بناء الرواية، لكن رغبة الكاتبة كانت واضحة في عرض «الحكاية» التي تختبئ وراء الأشخاص الذين نراهم وحوشاً.
بعض الكُتاب ذهب لغاية التخصص في هذا النوع الأدبي: ريجيس جوفري اعتمد على قضايا تداولها الإعلام بإسهاب كمادة خام لأعماله: «كلوستريا» مستوحاة من حادثة الأب الذي احتجز ابنته واغتصبها لمدة أربع وعشرين سنة في النمسا، وكانت رواية «قاسية» حول اغتيال امرأة لعشيقها رجل الأعمال السويسري المعروف إدوارد شتارن، وكذا «جولة في رايكرس آيلاند»، حول تورط الوزير الفرنسي السابق سترواس كان في قضية اغتصاب. لماذا كل هذا الإسهاب في استغلال الجريمة كمادة أدبية؟ يجيب الكاتب فيليب بيسون الذي كتب رواية «طفل أكتوبر»، حول مقتل الصغير غريغوري فيلمان: «ما يهمني في (الحوادث) فكرة أن الواقع يصبح فجأة أقوى من الخيال... كان أمامي خياران: إما قصة من وحي خيالي، أو الاعتماد على حدث واقعي؛ اخترت قضية غريغوري الواقعية لاحتوائها على عنصر طالما أبهرني: لقاء الإنسان والوحش».
هذا المزيج من علاقة الانبهار والتقزز الذي يشعر به الكُتاب تأكده مين تران هوي، في كتابها «الكُتاب وقضايا الإجرام»، دار نشر «فلاماريون»، حين تكتب: «بالنسبة للكتُاب، الجريمة دعوة للكتابة، للتعبير عما عجزت أو أهملت أو رفضت إظهاره المحاكم ووسائل الإعلام، وضع كلمات على شفاه كل من المجرمين والضحايا».
وسواء أكانت الرواية خيالية أم واقعية تستمد أحداثها من الحياة اليومية، فإن المهارة الفنية في البناء الروائي والصياغة والأسلوب المتقن هو في النهاية ما يخلق الرواية ذات القيمة الفنية العالية.



أنغام تراهن على مواكبة الصيحات الموسيقية بألبومها الجديد

أنغام تطلق ألبومها الجديد «تيجي نسيب» (الشركة المنتجة)
أنغام تطلق ألبومها الجديد «تيجي نسيب» (الشركة المنتجة)
TT

أنغام تراهن على مواكبة الصيحات الموسيقية بألبومها الجديد

أنغام تطلق ألبومها الجديد «تيجي نسيب» (الشركة المنتجة)
أنغام تطلق ألبومها الجديد «تيجي نسيب» (الشركة المنتجة)

تراهن الفنانة المصرية أنغام على مواكبة أحدث الصيحات الموسيقية العالمية في ألبومها الجديد «تيجي نسيب» الذي احتفلت بإطلاقه، الأربعاء، في حفل كبير بإحدى دور العرض السينمائية المصرية، بحضور صناع أغنيات الألبوم، وعدد من الفنانين ورموز الإعلام المصري.

وشهد الحفل عرض كليب أغنية «تيجي نسيب» لأول مرة، الذي عرض بتقنية «Dolby Atmos» التي تمنح الجمهور تجربة استماع ثلاثية الأبعاد تضيف بعداً جديداً للموسيقى.

ويذكر أن ألبوم أنغام الجديد «تيجي نسيب» هو من إنتاج شركتها الجديدة «صوت مصر»، وتضمن 12 أغنية هي: «وبقالك قلب»، و«تيجي نسيب»، و«موافقة»، و«إيه الأخبار»، و«خليك معاها»، و«اسكت»، و«أقولك إيه»، و«كان بريء»، و«القلوب أسرار»، و«مكانش وقته»، و«بنعمل حاجات»، و«هو أنت مين».

وتعاونت في الألبوم مع نخبة من صناع الأغنية المصرية أبرزهم: أمير طعيمة، وطارق مدكور، وهالة الزيات، ومحمود خيامي، ومصطفى حدوتة، وإيهاب عبد الواحد، وأكرم حسني، ونادر حمدي، ونور عبد الله، ومصطفى العسال، ومحمد العشي، وتامر عاشور، ومحمد الشرنوبي، وعزيز الشافعي، وخالد سليمان.

كانت أنغام قد فاجأت جمهورها بضم أغنية «وبقالك قلب»، التي تستحوذ على حقوقها منذ أكثر من 17 عاماً، للألبوم لتكون «هيد» عملها الفني الجديد، وهي من ألحان الموسيقار الراحل رياض الهمشري.

ووصفت أنغام ألبومها خلال لقائها مع وسائل أإعلام بأنه «تجربة مميزة»، قائلة: «ألبوم (تيجي نسيب)، هو تجربة مميزة في مسيرتي الفنية، حاولت من خلالها مواكبة التطور الموسيقي في العالم، من خلال تقديم أشكال موسيقية لم تقدم من قبل في الشرق الأوسط، وأتوقع أن الأجيال القادمة التي ستستمع للألبوم، ستشكر فريق العمل على ما قدموه بهذا التطور وبتلك التقنيات».

وحول سبب إطلاقها اسم «صوت مصر» على شركتها الفنية الجديدة، قالت أنغام: «من يتابعني جيداً، يعلم أن هذا اللقب يطلق علي منذ فترة طويلة، وهو أمر ليس بجديد علي، وفي النهاية أنا لست متعمقة في الأمور الإدارية مقارنة بالغناء والموسيقى».

الفنانة أنغام شكرت فريق العمل على ما قدموه من أغانٍ (الشركة المنتجة)

وقدمت الفنانة المصرية الشكر لكل فريق عمل ألبومها الجديد وبالتحديد الفنان أكرم حسني، مضيفة: «رحلة العمل على ألبوم (تيجي نسيب) تجربة ممتعة وصعبة، والمبدعون الذين شاركوني تلك الرحلة كانوا على مستوى عالٍ من الرقي والفن، وهم سبب نجاحي، وأقدم شكراً خاصاً للفنان أكرم حسني، الذي أصبح في مصاف كبار الشعراء في الوطن العربي، بعد أن ظهرت حقيقته وموهبته في الشعر مثلما هي في التمثيل».

وأعرب الموسيقار محمود الخيامي عن سعادته البالغة لمشاركته الفنانة أنغام في ألبومها الجديد بأغنية «هو أنت مين»، وكشف عن كواليس الأغنية، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت الفكرة بعد أن أعجبت بأغنية أنغام التي قدمتها في ألبومها الماضي (يا ريتك فاهمني)، التي أراها إحدى أغنياتها العظيمة من ألحان الفنان تامر عاشور، ولا أنكر أنني استلهمت فكرة أغنيتي منها، ثم عملت على الأغنية مع الشاعرة هالة الزيات، وقدمنا الأغنية لأنغام، التي تحمست لها كثيراً، ووافقت فوراً على تقديمها في ألبومها الجديد، وبعد نجاح الأغنية اقترحت علي أنغام دمج أغنية (هو أنت مين) مع أغنية (يا ريتك فاهمني) في حفلاتها الغنائية».

أما الشاعر أمير طعيمة الذي قدّم لأنغام في ألبومها 4 أغنيات، فتحدث قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «منذ ما يقرب من 20 عاماً، وأنا وأنغام دائماً ما نقدم سنوياً أعمالاً غنائية، نحن أصبحنا معتادين على بعضنا البعض، ونفهم ما نريده، ولذلك لم أجد صعوبة في العمل معها خلال هذا الألبوم، ربما فكرة الأغنيات الـ4 التي قدمتها لها هذا العام بها النزعة الهجومية أعلى من الرومانسية بعض الشيء».

كشف طعيمة عن الأغنية الأقرب لقلب أنغام من كلماته قائلاً: «أعتقد أن الأغنيات الأربع قريبة من قلب أنغام، وربما أقربها (مكنش وقته)، لأننا وقتها تحدثنا كثيراً عن الأغنية وفكرتها».