اتهامات للحوثيين إثر تفاقم الأمراض النفسية بمناطق سيطرتهم

مسؤول أمني في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: معدل الجريمة ارتفع 68 % منذ الانقلاب

يمنيون يفرشون الأرض في شوارع صنعاء (الشرق الأوسط)
يمنيون يفرشون الأرض في شوارع صنعاء (الشرق الأوسط)
TT

اتهامات للحوثيين إثر تفاقم الأمراض النفسية بمناطق سيطرتهم

يمنيون يفرشون الأرض في شوارع صنعاء (الشرق الأوسط)
يمنيون يفرشون الأرض في شوارع صنعاء (الشرق الأوسط)

منذ انقلاب الميليشيات الحوثية على الشرعية في اليمن واجتياحها صنعاء ومدنا أخرى وبسط نفوذها على مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، تعرض العامل النفسي لكثير من اليمنيين لانتكاسة كبيرة، وأصيب جراء ذلك معظم السكان بأمراض نفسية تكاد تكون مستعصية.
وتحدث سكان محليون بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» عن انتشار غير مسبوق في الوقت الحالي لعدد من المرضى النفسيين في شوارع وأزقة وأحياء العاصمة ومدن أخرى خاضعة لسيطرة الانقلابيين.
وأكدوا تنامي هذه الظاهرة على نحو لافت خلال الأربعة أعوام الأخيرة (أي فترة الانقلاب الحوثية)، مع استمرار وتيرة الحرب التي شنتها وتشنها الميليشيات على مختلف المدن اليمنية، والتي أنتجت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حسب توصيفات أممية سابقة. ويتوزع معظم المرضى النفسيين، وفق معلومات رسمية، في المدن الأكثر كثافة سكانية والأشد فقراً، كالعاصمة صنعاء ومحافظات تعز والحديدة وإب وذمار الخاضعة جميعها لسيطرة الحوثيين. ويفترش مئات الآلاف من اليمنيين «إن لم يكونوا ملايين» المصابين باضطرابات نفسية بينهم أطفال ونساء، أرصفة الشوارع في صنعاء ومدن يمنية أخرى، في حين يلجأ بعضهم للتسول، ويقتات البعض الآخر من القمامات.
وفاقمت الظروف المعيشية الصعبة وارتفاع معدلات الفقر وانعدام الرواتب وفرص العمل من تدهور كبير في الصحة النفسية لدى غالبية اليمنيين، في وقت تؤكد فيه إحصائيات محلية عن وجود أكثر من 5 ملايين يمني مصاب حاليا باضطرابات نفسية.
ويروي «ع.خ.م»، أحد سكان صنعاء، قصة شقيقه الأكبر، الذي فقد عقله منتصف عام 2015 بعد أن أقصته الميليشيات الحوثية من عمله وصادرت كل حقوقه لمجرد اختلافه البسيط معهم ومعارضته لسياساتهم التدميرية داخل مؤسسة حكومية يعمل فيها منذ 30 عاما.
ويشير إلى طرد الميليشيات لشقيقه من عمله بالمؤسسة بصنعاء وقطع راتبه واستبداله به شخصاً آخر مؤهله العلمي الوحيد «الانتماء للميليشيات».
ويضيف: «منذ طرده لم يعد أخي ذلك الرجل المرح والبشوش الذي أعرفه وتعرفه بقية أفراد أسرته، خصوصاً زوجته وأبناءه الستة، بل تحول إلى شخص آخر غريب الأطوار كثير التفكير مليء بالهموم والأحزان والأوجاع، وكأنه يتحسر على سنوات عمره التي أفناها مخلصاً بعمله الإداري في المؤسسة التي ذهبت أدراج الرياح بسبب تصرفات أولئك الحمقى الذين لا يعرفون ذمة ولا رحمة ولا مبادئ ولا أخلاق ولا حتى ديناً أو عُرفاً».
ويؤكد «ع.خ.م» لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الجماعة وبمجرد اختلافك البسيط معها أو انتقادك لسياساتها الخاطئة تمحوك بجبروتها الأعمى من الوجود، إما بقتلك أو بمصادرة رزقك وقوت أولادك. ويتساءل: «أي قلوب يحملها هؤلاء؟ وما التربة الخبيثة التي أنبتتهم»؟
ويختتم حديثة قائلاً: «نحن حزينون لأننا نشاهده يتألم ويتشرد بعيدا عن المنزل لأسابيع وشهور ونعجز عن مساعدته، حتى بعض الأدوية نعجز اليوم أيضاً عن شرائها له».
وبدوره، يتحدث مواطن آخر من صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «في السابق كان هناك مثل شعبي يقول: (لا تبكِ على من مات وابكِ على من طار عقله)». اليوم تغير الحال، ولم يعد هذا المثل قائماً، فقد ارتاح من المآسي والهموم والقهر التي خلفتها الميليشيات الحوثية، كل يمني فقد عقله.
ووفق تقارير أممية، فقد احتل اليمن مراتب خطيرة من حيث ارتفاع نسبة الفقر والمجاعة، حيث أصبح نصف سكان اليمن تحت خط الفقر والعوز والمرض وعلى بُعد خطوات من المجاعة.
وشهد الوضع اليمني منذ 4 سنوات من الانقلاب بشكل عام تردياً كبيراً وصل إلى ذروته، وجلبت تلك السنوات العجاف بآثارها السلبية البالغة مختلف أنواع المآسي والآلام والدمار والأمراض النفسية لليمنيين على حد سواء.
ويقول أحد المتابعين إنه لم يكن ضحايا الانقلاب والحرب من المدنيين قتلى أو جرحى فقط، بل كان للحرب ضحايا آخرون لم يعرفهم المجتمع على حقيقتهم، كما لم تتطرق لهم ولمعاناتهم مختلف وسائل الإعلام.
ويضيف أن المرضى النفسيين في اليمن ضحايا الانقلاب الحوثي والحرب وتبعاتها السلبية.
من جانبه، يرى طبيب نفسي بصنعاء هو الآخر أن الأوضاع الحاصلة في البلاد بالوقت الحالي تُعد سبباً رئيساً في ازدياد مرضى الحالات النفسية في اليمن.
ويفصح الطبيب (الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه) لـ«الشرق الأوسط»، عن أسباب عدة تقف وراء إصابة كثير من اليمنيين بأمراض واضطرابات نفسية.
ويقول إن أكثر الأسباب التي أثرت على المرضى نفسياً الذين يتوافدون يومياً إلى عيادته بصنعاء، تتمثل بعدم قدرتهم على توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة المعيشية لأسرهم، يتلوه فقدانهم لرواتبهم وأعمالهم، وعدم الحصول على فرص عمل أخرى بديلة، ثم في المرتبة الثالثة عدم قدرة البعض من الشباب على الزواج وتحقيق الاستقرار، بالإضافة إلى أسباب أخرى، كما يضيف الطبيب، كالخوف وعدم الأمن والاستقرار ومشكلات وخلافات أسرية.
ويوجد في اليمن بحسب معلومات رسمية 3 مصحات نفسية، إلى جانب مستشفى واحد متخصص بالطب والعلاج النفسي في صنعاء، بينما يوجد أقل من 50 طبيباً فقط موزعين على عموم مناطق اليمن، ناهيك بغياب أقسام متخصصة بالطب النفسي بالمنشآت الصحية اليمنية، ولم يرُق للميليشيات الإرهابية (رغم قلة عددها) أن تبقي عليها، بل سعت إلى القضاء بسياساتها التدميرية على البعض منها، واقتحمت البعض الآخر، كما حصل في اقتحامها منتصف عام 2017 للمصحات النفسية في كل من إب وتعز وحولتهما إلى سجون خاصة بها.
ويعاني القطاع الصحي في اليمن بشكل عام من وضع متدهور وخطير، نتيجة الانقلاب الحوثي، وأدى ذلك إلى غياب شبه كامل للخدمات الصحية بما فيها خدمات الصحة النفسية، ويقول آخر مسح نفذته منظمة الصحة العالمية إن من بين 3507 منشآت صحية في اليمن تغيب فيها الخدمات المتعلقة بالأمراض النفسية ولا تتوافر إلا بنسب ضئيلة.
وفي الوقت الذي تقدر فيه معلومات وأرقام محلية وجود تزايد كبير بأعداد المرضى النفسيين، يعزي مسؤولون وأطباء ذلك إلى الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي عصفت باليمنيين جراء الانقلاب.
ويعد المسؤولون والأطباء في أحاديثهم المتفرقة لـ«الشرق الأوسط»، أن البيئة الصعبة التي يعيشون فيها ووجود كثير منهم في أقسام سجون مركزية وفي مصحات تفتقر، بسبب الانقلاب الحوثي، إلى أبسط التجهيزات والأدوية اللازمة في صنعاء والمدن، تُعدّ من بين الأسباب الرئيسية التي عملت على تزايد أعداد المرضى النفسيين في اليمن.
وأضافوا أن «عدم وجود أماكن متخصصة لعلاجهم والظروف المادية الصعبة التي تعيشها أسر المرضى وعدم قدرتهم دفع تكاليف العلاج شكلت أيضاً أسباباً أخرى في تنامي هذا الظاهرة في أوساط المجتمع».
وبينما يؤكد «مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية» أن أعداداً كبيرة لا يُستهان بها من اليمنيين تعاني اليوم من التبعات السلبية النفسية والاجتماعية والعاطفية التي خلّفتها الحرب على مدى 4 سنوات. يكشف مسؤول هو الآخر بمنشأة للطب النفسي بصنعاء عن ارتفاع كبير في أعداد المرضى النفسيين بالمقارنة مع فترة ما قبل الانقلاب الحوثي على السلطة في اليمن.
ويقول المسؤول (فضل عدم ذكر اسمه) لـ«الشرق الأوسط»: «يومياً نسجل ما بين 20 إلى 40 حالة جديدة من غير المرضى الموجودين لدينا بالمنشأة، الذين يتلقون العلاج النفسي بشكل مستمر».
ويشير إلى أن المنشأة ورغم إمكانياتها البسيطة تواجه بشكل يومي ازدحاماً شديداً في أعداد المرضى النفسيين، الأمر الذي اضطرهم لتأجيل علاج بعض الحالات.
ويضيف: «رغم ما نعانيه من ضغوط وإهمال ولا مبالاة، لكننا نقوم ولو بالحد الأدنى من دورنا بعلاج المرضى الذين قد يتحولون في يوم ما، وإذا لم تقدم لهم الرعاية الطبية والنفسية الكاملة، إما لمجرمين أو ضحايا إجرام أو يقدموا على عملية الانتحار».
وكانت إحصائية رسمية سابقة أفادت عام 2011م (وقبل اقتحام الحوثيين صنعاء في 2014) بوجود نحو 1.5 مليون مريض نفسي في اليمن، بينهم 500 ألف مريض ذهني. في حين كشفت دراسة محلية حديثة أعدتها مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري عن أن عدد المتضررين نفسياً بسبب الحرب التي أشعلتها الجماعة الانقلابية يقدر بـ5 ملايين و455 ألفاً و347 شخصاً من الجنسين ومن مختلف الفئات العمرية.
وتؤكد الدراسة (التي حصلت الشرق الأوسط على نسخة منها) أن 195 شخصاً من كل ألف يمني يعانون من ضغوط واضطرابات نفسية حادة. وقالت إن المرضى بحاجة ماسّة إلى رعاية صحية ونفسية متخصصة وعاجلة. وحذرت في الوقت ذاته من أن هذه النسبة تفوق المعدلات الطبيعية بأضعاف، وتنذر بكارثة مجتمعية.
وتقول المؤسسة في دراستها إن كثيراً من السكان يعانون على الأرجح من التبعات النفسية والاجتماعية. وتضيف أن «السبب الرئيسي في ازدياد أعداد المرضى النفسيين يعود إلى دخول اليمن بدوامة الحرب باعتبارها المتغير الوحيد الذي طرأ على البلاد، مما أدى إلى نزوح أكثر من 3 ملايين شخص من منازلهم، أي ما يقارب 11 في المائة، من مجموع السكان، إضافة إلى تدهور الحالة المعيشية للسكان بعد انقطاع الرواتب وانعدام فرص العمل وارتفاع نسب البطالة ومعدلات الفقر إلى 80 في المائة.
وأثر الانقلاب الحوثي بتداعياته المختلفة على السكان المحليين بشكل عام، وظهر بعض من اليمنيين غير قادر على تحمل تبعات الانقلاب وويلاته، الأمر الذي أدى، وفق مراقبين، إلى إصابة كثير منهم بأمراض نفسية تكاد تكون مزمنة.
وحذر المراقبون من استمرار ارتفاع نسب المرضى النفسيين في اليمن ومن مغبة تجاهل المرضى الحاليين الذين تزداد أعدادهم بشكل يومي.
وأكدوا أن عدم الوقوف بجدية تجاه هذه الظاهر الخطيرة قد يُحدث انتكاسة كبيرة لكيان المجتمع اليمني ما يزيد من ارتفاع نسبة الجريمة وحالات الانتحار وغيرها من التصرفات السلبية والخاطئة في اليمن.
وتصاعدت حالات الانتحار في اليمن على نحو لافت خلال الفترة الأخيرة، نتيجة ضغوط نفسية وظروف معيشية قاسية يعيشها السكان، وأفرزتها الجماعة الحوثية منذ عملية انقلابها. وبينما يفتقر اليمن لإحصائيات حديثة حول هذه الظاهرة، فإن مسؤولاً سابقاً بوزارة الداخلية (الخاضعة لسيطرة الانقلابيين) أكد لـ«الشرق الأوسط» أنهم كانوا يستقبلون قبل انقلاب الميليشيات، تقريباً من 20 إلى 40 حالة انتحار سنويّاً. وتوقع المسؤول الأمني (تتحفظ «الشرق الأوسط» على هويته)، ارتفاع الأرقام أضعافاً مضاعفة في ظل الحرب الدائرة، اليوم، التي تسببت بواحدة من أكبر الكوارث الإنسانية على مستوى العالم.
وبدورهم، يؤكد خبراء آخرون في الصحة النفسية بصنعاء ارتفاع معدلات الانتحار بالعاصمة صنعاء فقط بنسبة 40.5 في المائة بين 2014 و2015م، في حين أكدت تقارير إعلامية أخرى تسجيل نحو 48 حالة انتحار خلال عام 2018م، وكان أغلب ضحاياها أناساً فقدوا رواتبهم ومصادر رزقهم وأعمالهم.
وفاقمت عملية الانقلاب الحوثية من حالات المرضى النفسيين في اليمن، الأمر الذي زاد أيضاً من ارتفاع نسبة الجريمة في صنعاء وغيرها من مناطق سيطرة الانقلابيين.
وبحسب المسؤول الأمني، فقد ارتفع معدل الجريمة في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين خلال الأربعة الأعوام الماضية إلى نحو 68 في المائة.
وكشفت معلومات أمنية أخرى لـ«الشرق الأوسط»، عن تسجيل أزيد من 39 ألف جريمة العام الماضي، ونحو 350 جريمة منذ مطلع العام الحالي جميعها في مناطق سيطرة الانقلابيين.
وأشارت المعلومات إلى أن جرائم القتل بدافع السرقة وسرقة منازل وسيارات ودراجات نارية تصدرت قائمة الجرائم، فيما توزعت البقية ما بين قطع طرق، واغتصاب، وخطف، وتجارة مخدرات، وتهريب أدوية ومواد غذائية منتهية، ومبيدات زراعية سامة، ووقود وغاز منزلي.


مقالات ذات صلة

قيود حوثية جديدة تستهدف طالبات كُبرى الجامعات اليمنية

المشرق العربي طالبات جامعة صنعاء في مواجهة قيود حوثية جديدة (غيتي)

قيود حوثية جديدة تستهدف طالبات كُبرى الجامعات اليمنية

بدأت الجماعة الحوثية إجراءات جديدة لتقييد الحريات الشخصية للطالبات الجامعيات والتضييق عليهن، بالتزامن مع دعوات حقوقية لحماية اليمنيات من العنف.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

تتزايد أعداد القتلى من قيادات الجماعة الحوثية الذين يجري تشييعهم دون الإشارة إلى أماكن سقوطهم، بالتوازي مع مقتل مشرفين حوثيين على أيدي السكان.

وضاح الجليل (عدن)
أوروبا مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

تقرير: بمساعدة الحوثيين... روسيا تجند يمنيين للقتال في أوكرانيا

أفاد تقرير صحافي أن روسيا تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية نموذج لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي، وبين مصر والمملكة خصيصاً. وأضاف: «كما يعد المشروع نموذجاً يحتذى به في تنفيذ مشروعات مماثلة مستقبلاً للربط الكهربائي»، موجهاً بإجراء متابعة دقيقة لكافة تفاصيل مشروع الربط الكهربائي مع السعودية.

جاءت تأكيدات السيسي خلال اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزيري الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، والبترول والثروة المعدنية، كريم بدوي. وحسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية»، الأحد، تناول الاجتماع الموقف الخاص بمشروعات الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، في ظل ما تكتسبه مثل تلك المشروعات من أهمية لتعزيز فاعلية الشبكات الكهربائية ودعم استقرارها، والاستفادة من قدرات التوليد المتاحة خلال فترات ذروة الأحمال الكهربائية.

وكانت مصر والسعودية قد وقعتا اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي في عام 2012، بتكلفة مليار و800 مليون دولار، يخصّ الجانب المصري منها 600 مليون دولار (الدولار يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية). وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، خلال اجتماع للحكومة، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن خط الربط الكهربائي بين مصر والسعودية سيدخل الخدمة في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) المقبلين. وأضاف أنه من المقرر أن تكون قدرة المرحلة الأولى 1500 ميغاواط.

ويعد المشروع الأول من نوعه لتبادل تيار الجهد العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من مدينة بدر في مصر إلى المدينة المنورة مروراً بمدينة تبوك في السعودية. كما أكد مدبولي، في تصريحات، نهاية الشهر الماضي، أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، الذي يستهدف إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء على مرحلتين، يعد أبرز ما توصلت إليه بلاده في مجال الطاقة.

وزير الطاقة السعودي يتوسط وزيري الكهرباء والبترول المصريين في الرياض يوليو الماضي (الشرق الأوسط)

فريق عمل

وفي يوليو (تموز) الماضي، قال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، خلال لقائه وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، في الرياض، إن «هناك جهوداً كبيرة من جميع الأطراف للانتهاء من مشروع الربط الكهربائي المصري - السعودي، وبدء التشغيل والربط على الشبكة الموحدة قبل بداية فصل الصيف المقبل، وفي سبيل تحقيق ذلك فإن هناك فريق عمل تم تشكيله لإنهاء أي مشكلة أو عقبة قد تطرأ».

وأوضحت وزارة الكهرباء المصرية حينها أن اللقاء الذي حضره أيضاً وزير البترول المصري ناقش عدة جوانب، من بينها مشروع الربط الكهربائي بين شبكتي الكهرباء في البلدين بهدف التبادل المشترك للطاقة في إطار الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة وزيادة الأحمال في الدولتين، وكذلك تعظيم العوائد وحسن إدارة واستخدام الفائض الكهربائي وزيادة استقرار الشبكة الكهربائية في مصر والسعودية.

ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، الأحد، فإن اجتماع السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول تضمن متابعة مستجدات الموقف التنفيذي لمحطة «الضبعة النووية»، في ظل ما يمثله المشروع من أهمية قصوى لعملية التنمية الشاملة بمصر، خصوصاً مع تبنى الدولة استراتيجية متكاملة ومستدامة للطاقة تهدف إلى تنويع مصادرها من الطاقة المتجددة والجديدة، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأكد السيسي أهمية العمل على ضمان سرعة التنفيذ الفعال لمشروعات الطاقة المختلفة باعتبارها ركيزة ومحركاً أساسياً للتنمية في مصر، مشدداً على أهمية الالتزام بتنفيذ الأعمال في محطة «الضبعة النووية» وفقاً للخطة الزمنية المُحددة، مع ضمان أعلى درجات الكفاءة في التنفيذ، فضلاً عن الالتزام بأفضل مستوى من التدريب وتأهيل الكوادر البشرية للتشغيل والصيانة.

وتضم محطة الضبعة، التي تقام شمال مصر، 4 مفاعلات نووية، بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات، بواقع 1200 ميغاوات لكل مفاعل. ومن المقرّر أن يبدأ تشغيل المفاعل النووي الأول عام 2028، ثم تشغيل المفاعلات الأخرى تباعاً.

جانب من اجتماع حكومي سابق برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

تنويع مصادر الطاقة

وتعهدت الحكومة المصرية في وقت سابق بـ«تنفيذ التزاماتها الخاصة بالمشروع لإنجازه وفق مخططه الزمني»، وتستهدف مصر من المشروع تنويع مصادرها من الطاقة، وإنتاج الكهرباء، لسد العجز في الاستهلاك المحلي، وتوفير قيمة واردات الغاز والطاقة المستهلكة في تشغيل المحطات الكهربائية.

وعانت مصر من أزمة انقطاع للكهرباء خلال أشهر الصيف، توقفت في نهاية يوليو الماضي بعد توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية. واطلع السيسي خلال الاجتماع، الأحد، على خطة العمل الحكومية لضمان توفير احتياجات قطاع الكهرباء من المنتجات البترولية، وانتظام ضخ إمدادات الغاز للشبكة القومية للكهرباء، بما يحقق استدامة واستقرار التغذية الكهربائية على مستوى الجمهورية وخفض الفاقد.

ووجه بتكثيف الجهود الحكومية لتعزيز فرص جذب الاستثمارات لقطاع الطاقة، وتطوير منظومة إدارة وتشغيل الشبكة القومية للغاز، بما يضمن استدامة الإمدادات للشبكة القومية للكهرباء والقطاعات الصناعية والخدمية، وبتكثيف العمل بالمشروعات الجاري تنفيذها في مجال الطاقة المتجددة، بهدف تنويع مصادر إمدادات الطاقة، وإضافة قدرات جديدة للشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى تطوير الشبكة من خلال العمل بأحدث التقنيات لاستيعاب ونقل الطاقة بأعلى كفاءة وأقل فقد.