الحكومة اللبنانية بين غضب الشارع والضغوط الدولية

نتيجة «موازنة تقشفية» طالت الفقراء وشروط «مؤتمر سيدر» الإصلاحية

الحكومة اللبنانية بين غضب الشارع والضغوط الدولية
TT

الحكومة اللبنانية بين غضب الشارع والضغوط الدولية

الحكومة اللبنانية بين غضب الشارع والضغوط الدولية

بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على تشكيل الحكومة اللبنانية التي رفعت شعار «إلى العمل»، يجد مجلس الوزراء نفسه اليوم محاصراً بين غضب الشارع والضغوط الدولية، وعلى رأسها مؤتمر «سيدر» الذي وعد بإطلاق ورشة مشاريع واستثمارات تقدّر بـ11.8 مليار دولار أميركي، لكن شرط تطبيق «إصلاحات» من أجل خفض العجز وزيادة إيرادات الخزينة ومحاربة الفساد.
إنها الإصلاحات والوعود التي أطلقها السياسيون منذ تشكيل الحكومة، لكن من دون أن يرى منها اللبنانيون أي خطوة عملية، باستثناء خطة للكهرباء توصف بـ«غير المقنعة»، وسبق أن أعدت قبل عشر سنوات، و«موازنة تقشفية» بُحثت على وقع غضب الشارع نتيجة إجراءاتها التي لم تر الإصلاحات إلا في رواتب الموظفين وأصحاب الدخل المحدود.

عقدت الحكومة اللبنانية 18 جلسة مناقشة للموازنة (الميزانية العامة للدولة)، لكنها كلها لم تنهِ البحث في المشروع. وهو ما اضطر الحكومة إلى استئناف المناقشات أمس (الجمعة) في الجلسة الرقم 19، على نية الانتهاء من المناقشات ولإقرارها تمهيداً لإحالتها إلى مجلس النواب كي يقرها بدوره. إلا أن الجلسات لبحث مشروع الموازنة انعقدت على وقع تحركات الشارع وخلافات بين الأفرقاء، وتحديداً بين وزير المال علي حسن خليل ووزير الخارجية جبران باسيل، الذي قال: «البعض في الحكومة يعتقد أن مسوّدة ميزانية 2019 تكفي في صورتها الحالية، ونحن نراها غير كافية»، وذلك بعدما طرح ورقة مختلفة عن تلك التي كان قد قدمها خليل طالباً البحث بها.
غير أن ما يمكن تأكيده، بناءً على ما سرّب وبات معروفاً من إجراءات، فإن مشروع الموازنة الذي ينتظر رد الفعل الدولي عليه، سيأتي مخيباً للآمال سياسياً وشعبياً. وهو ما أدى إلى إعلان قطاعات عدة تصعيد تحركاتها الاحتجاجية، وقال عنها نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني في تصريح لوكالة «رويترز»: إن «مسوّدة الموازنة لا ترقى إلى مستوى الإصلاحات الضخمة الضرورية لبناء النمو».
اللافت أن التحركات التي سُجلت في المرحلة الأخيرة هي الأولى من نوعها في تاريخ لبنان. ولعل أبرزها خروج العسكريين المتقاعدين إلى الشارع رفضاً للمساس برواتبهم في موازاة إضرابات شملت الجامعات والمدارس والجمارك والجسم القضائي، حيث هدّد القضاة باستقالات جماعية، كذلك اعتصمت الجمعيات الأهلية رفضاً لتخفيض موازنات بعضها والإحجام عن الدفع لها منذ أكثر من سنة ونصف السنة.
لكن كل هذا لم يحل دون المساس بالرواتب، علماً بأن الضرائب شملت معظم فئات المجتمع، ولا سيما تلك الفقيرة والمتوسطة. ورغم التطمينات التي كان يطلقها بعض المسؤولين من جهة... كان البعض الآخر يدعو المواطنين إلى «التضحية لإنقاذ لبنان». وكانت النتيجة التفافاً على الإجراءات التي اعترض عليها اللبنانيون وليس إلغاء هذه الإجراءات، عبر قرارات شملت القطاعين العام والخاص. ثم إنه بين الضرائب المفروضة وضع ضريبة ألف ليرة لبنانية على «النرجيلة»، وتشريع السلاح والزجاج الداكن الأسود مقابل مبالغ مالية.
من هنا يرى النائب في «اللقاء الديمقراطي» بلال عبد الله في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أنه «بدلاً من أن تكون وظيفة الموازنة اقتصادية اجتماعية نراها أصبحت مالية بهدف واحد هو خفض الأرقام بالإنفاق والعجز عبر إجراءات غب الطلب»، هذا في الوقت الذي كان يمكنهم (يعني أهل السلطة) الوصول إلى الهدف بعيداً عن جيوب الموظفين ورواتبه، لكنهم سلكوا الطريق الأسهل. وأردف «نتائجها بلا شك ستكون سيئة على مختلف القطاعات، ونحن نتجه إلى المزيد من الانكماش الاقتصادي».
هذا، وكان طرح تخفيض رواتب الوزراء والنواب قد لاقى رفض عدد من الأفرقاء السياسيين. وكان رد وزير الخارجية باسيل أن «رواتب الوزراء لا تكفي بدل بنزين لسياراتهم»، وللعلم، فإن راتب النائب والوزير هو نحو 8500 دولار شهري ما عدا المخصّصات، وهو يعتبر من الأعلى عالمياً، في حين أن الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص لا يزال 450 دولاراً أميركياً، وأصبح في القطاع العام نحو 630 دولاراً بعد سلسلة الرتب والرواتب التي أقرت العام الماضي. ويشكل العاملون في القطاع الخاص بلبنان حاليا أكثر من 75 في المائة، في حين تقدر نسبة موظفي القطاع العام بـ25 في المائة من القوى العاملة، وأقر قانون الضرائب لتمويل زيادة رواتبهم بقيمة 1200 مليار ليرة لبنانية (800 مليون دولار).

- جانب إصلاحي
في نظرة دقيقة إلى مشروع الموازنة، التي وإن نجحت في خفض العجر إلى نحو 7.5 في المائة بعدما وصل في عام 2018 إلى 11.5 في المائة... واستجابت لشروط «سيدر» عبر خفض العجز من 6.5 مليار دولار إلى ما دون الـ5 مليارات دولار، فهي تخلو من أبرز مصادر الفساد والهدر. وعلى رأس هذه المصادر التهرّب الضريبي والجمركي والأملاك البحرية. وهنا يؤكد النائب جورج عقيص من «حزب القوات اللبنانية» أنها «تفتقر إلى الجانب الإصلاحي»، ووصفها الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي 2019 بـ«موازنة الأمر الواقع التي ستعمّق الركود الاقتصادي».
عقيص في حديث لـ«الشرق الأوسط» قال: إنه «رغم كل عيوب مشروع الموازنة، فإن لبنان بأمسّ الحاجة إليها اليوم؛ نظراً للواقع الذي يعيشه اقتصادياً واجتماعياً... الشعب يريدها، لكن ليس على حسابه والمجتمع الدولي يطالب بأن دون بالحد الأدنى من الإصلاحات». وفي المقابل، أكد يشوعي لـ«الشرق الأوسط» أن «الحل الوحيد هو بوقف العمولات»... وأن يكتفي المسؤولون الممسكون بالبلد وهم ستة أو سبعة أشخاص من كل ما حصلوا عليه حتى الآن، ووقف التهرب الضريبي على أن تنتقل إدارة الخدمات العامة إلى القطاع الخاص وتبقى إدارتها للدولة. ثم أضاف: «هذه الأمور كافية لزيادة النمو الاقتصادي وتأمين فرص عمل من دون حاجة للجهات الدولية، وقادرة على أن تخفف أعباء الخزينة والموازنة وتأمين استثمارات في الاقتصاد ما بين 15 و20 مليار دولار سنوياً، لكن من الواضح أنهم لا يريدون هذا الأمر في ظل وجود 6 أو 7 دوليات تحكم لبنان لحسابها وعلى حساب الدولة... موازنة أجور وخدمة دين لم تجد أمامها إلا مخصّصات الوظيفة العامة المدنية والعسكرية وزيادة الضرائب على كل الشعب اللبناني لا يمكن إلا أن تعمق الركود الاقتصادي في موازاة انهيار القطاع الخاص الذي تأتيه الأعباء من كل حدب وصوب».
في هذه الأثناء، يؤكد مصدر وزاري لبناني أن «ما تقوم به الحكومة اليوم هو خطة استباقية لتفادي الوقوع في المحظور وتقدم على تقليص العجز الذي تعوضه مداخيل مؤتمر سيدر». ويتابع أن «المرحلة المقبلة ستشهد تغيرات كبيرة في السياسات المعتمدة، وتحديداً، حيال مكافحة الفساد...، وهو ما يجمع عليه كل الأفرقاء، ولقد بدأت بوادره تظهر من إجراءات عدة».

- ترقب ودعوات للتصعيد
أمام هذه الإجراءات التي يجمع الشعب والخبراء الاقتصاديون على أنها تفتقر إلى أي رؤية اقتصادية بينما تتجاهل أهم مصادر الهدر، تترقب القطاعات العامة ما ستؤول إليها ساعات المباحثات الأخيرة بحذر، داعية جميعها إلى الاستعداد لتصعيد تحركاتها. لكن، رغم كل هذه التحركات يستبعد النائب بلال عبد الله أن يشهد لبنان «ثورة شعبية»، معتبراً أن النظام الطائفي الذي «شرّع» ما وصفه بـ«محميات الفساد» وقضى على دور الرقابة لا يزال يحول حتى الآن دون ذلك.
وبالفعل، تجمع مختلف القطاعات على الدعوة إلى التصعيد، وهو ما أكد عليه العميد المتقاعد مارون خريش، لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «احتجاجنا دائم والمعركة الكبرى خلال جلسات مناقشة الموازنة في مجلس النواب بعدما كنا علقنا التحركات بناء على وعود بعدم المس برواتبنا... لكن اليوم وفي ظل التوجه لاقتطاع أكثر من 6.5 من رواتبنا فسنعود إلى الاعتصام ولن نتنازل عن حقوقنا». ويضيف «نحن جيل متقاعدي الحرب الذي أمضينا سنوات خدمتنا على الجبهات، وأنا من الذين أصيبوا ثلاث مرات، ليأتي اليوم الذي يحسمون من وراتبنا التي تشكّل نسبة ضئيلة من رواتبهم ومخصصاتهم»، مستطرداً: «بعدما عمدوا إلى تجزئة حقنا في سلسلة الرتب والرواتب عام 2017 ها هم اليوم يقضمون رواتبنا بدلاص من منحنا حقوقنا». وفي بيان لهم، أكد المتقاعدون رفضهم القاطع لأي مساس بحقوقهم، داعين إلى وقف «مزاريب» الهدر والفساد واستعادة الأموال المنهوبة. وأعلنوا «استمرار التصعيد في وجه السلطة المتعنتة طالما استمرت بضرب الدستور والقوانين وتجاهل مطالبه الثابتة شرعاً وقانوناً».

- عسكريون وموظفون وقضاة
في الوقت نفسه، تزامنت دعوة العسكريين مع دعوات من جهات عدة، أهمها من موظفي الإدارة العامة وأساتذة الجامعة اللبنانية - الذي حذروا من مصير العام الدراسي - والقضاة المعتكفين منذ ثلاثة أسابيع وهددوا باستقالات جماعية.
ففي بيان لها، قالت الهيئة التنفيذية لرابطة أساتذة الجامعة اللبنانية، أن تحركاتها تأتي رفضاً لأمور عدة، أبرزها «سياسة الترقيع التي تنتهجها السلطة بمد اليد إلى جيوب الأساتذة والموظفين والمتقاعدين والعمال وأصحاب الدخل المحدود، بدلاً من وضع خطة اقتصادية مالية صلبة تبدأ باسترداد الأموال المنهوبة وسد مزاريب الهدر والصفقات وضبط الجبايات ووقف التهرب الضريبي والجمركي، وتنتهي باستراتيجية بعيدة المدى تحمي اقتصاد ووحدة البلاد وسيادة الدولة على مقدراتها».
وشدّدت الهيئة على رفضها «تخفيض موازنة الجامعة اللبنانية للسنة التالية على التوالي بمقدار 80 مليار ليرة؛ ما يجعل الجامعة بحالة بائسة على جميع الصعد الأكاديمية وغير قادرة على تجهيز مختبراتها وتعزيز أبحاثها وصيانة مبانيها وتفرغ أساتذتها...»، ورفضها أيضاً «تخفيض الرواتب والتقديمات الاجتماعية والمعاشات التقاعدية التي هي حقوق تم تحصيلها بعد نضالات طويلة، وتخفيض موازنة صندوق تعاضد الأساتذة الذي يعطيهم خصوصية هي حق لهم، وزيادة سن التقاعد للحصول على المعاش التقاعدي من 20 إلى 25 سنة، ما يحرم شريحة كبيرة من الأساتذة هذا المعاش التقاعدي». وحملت الهيئة التنفيذية السلطة «المسؤولية الكاملة عن استمرار الإضراب وعن مصير العام الجامعي».

- شروط مؤتمر «سيدر»
إذا كان الهدف الأساسي للإجراءات التقشفية في الموازنة هو الالتزام بمقررات «مؤتمر سيدر» (الدولي الذي عقد في فرنسا) وتوصياته. وبالتالي، الحصول على المساعدات التي وعدت بها، بحسب ما يرى البعض، فإن الأنظار في المرحلة التالية تتجه إلى ما سيصدر عن الجهات المعنية، وعن البنك الدولي الذي سبق له أن وصف الوضع في لبنان بـ«المقلق»، داعياً الحكومة إلى التحرك وإنقاذه.
لكن وزير العمل كميل أبو سليمان، دعا إلى وقف «المزايدات الإعلامية»، معتبراً أن ما تم التوصل إليه لا بأس به. وانطلاقاً من خبرته الطويلة واختصاصه في إصدارات الدولة ووكالات التصنيف، أشار أبو سليمان في حديث تلفزيوني إلى أن «ما يهمّ الأسواق المالية الخارجية ووكالات التصنيف ‏هو الالتزام بوعدنا بـ7.5 في المائة»، وشدّد على أن «المهم في الوقت ‏الحاضر إنهاء ما توصلنا إليه وإقرار الموازنة سريعاً؛ لأن عامل الوقت أصبح ضاغطاً».
لكن في حين يبدي مسؤولون لبنانيون تفاؤلهم في هذا الأمر، منطلقين مما تحقق في الموازنة، يشكّك الدكتور سامي نادر، مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية، في استجابة المجتمع الدولي منطلقاً من أمور عدّة.
ويقول نادر لـ«الشرق الأوسط» إنه «بداية، ومهما وضع من أرقام بعد مرور ستة أشهر من السنة لا يمكن تحقيق الهدف من الموازنة، وهي الإشارة السلبية الأولى للمجتمع الدولي في ظل أيضاً غياب أي ضمانات للتنفيذ مع الفريق نفسه الموجود في الحكم والنظام التشغيلي عينه». ويلفت نادر إلى أن الخطوة المقبلة ستكون عبر طرح لبنان خطته التي تتضمن الموازنة بإصلاحاتها المفترضة والمشاريع على رأسها خطة الكهرباء غير المقنعة وخطة الشراكة مع القطاع الخاص الموضوعة منذ العام 2015 ولم ينفذ منها شيئاً. ثم يضيف «الموازنة تعكس غياب أي جهد استثنائي، وهو ما سيبدو واضحاً بالنسبة إلى المجتمع الدولي، وبخاصة، وأن نفقات الحكومة غير مخفّضة في حين خطة الكهرباء غير مقنعة وأبقت القطاع تحت سلطة الدولة». وهنا يلفت إلى صمت وقلة حماسة المجتمع الدولي بعد فترة من الإعلان عن خطة الكهرباء «... وهو ما يعكس إشارة سلبية في هذا الإطار».

- وضع لبناني دقيق
كان لبنان في الفترة الأخيرة محور مراقبة ومتابعة من الجهات المعنية بـ«سيدر»، وكان قد وصف رئيس منطقة الشرق الأوسط في البنك الدولي فريد بلحاج الوضع الاقتصادي في لبنان بـ«الدقيق». في حين أشار السفير بيار دوكان، الموفد الفرنسي الخاص المكلّف متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر»، إلى دقة الوضع بتأكيده أن «الحكومة لا تملك ترف الانتظار. عنوان البيان الوزاري هو إلى العمل، ويجب العمل بسرعة».
في رد منه على الخطوات الإصلاحية التي قامت بها الحكومة، وعما إذا كانت كافية، قال بلحاج «أعتبر أنها لم تصل إلى المستوى المرتقب». ثم قال فيما يتعلق بـ«سيدر» الذي هو «موضوع مهم، النية ثقيلة من قبل الجهات المكافحة لمنح لبنان دعماً مالياً، حتى على مستوى السياسات الاقتصادية، لكن وصلنا إلى مرحلة حيث أصبح الوقت ثميناً جداً»، معبراً في الوقت عينه عن قناعته بقدرة لبنان على القيام بالإصلاحات.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو
TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.