«زلزال» يستعيد الصراع الطبقي في «رد قلبي»

شخصية محمد رمضان الحقيقية تطغى على «حربي»

مشهدان من مسلسل «زلزال»
مشهدان من مسلسل «زلزال»
TT

«زلزال» يستعيد الصراع الطبقي في «رد قلبي»

مشهدان من مسلسل «زلزال»
مشهدان من مسلسل «زلزال»

يعتبر مسلسل زلزال الذي يلعب بطولته محمد رمضان وكتبه المؤلف عبد الرحيم كمال، الدراما الواقعية الناجية من فخ الميلودراما التي وقعت فيها أغلب مسلسلات رمضان 2019. التي تتضمن الكثير من مشاهد المقابر والقتل والخطف، فخطف المشاهدين منذ الحلقة الأولى باللعب على وتر نوستالجيا التسعينيات، وببداية صادمة وهي وقوع الزلزال؛ إلا أنه سرعان ما وقع في فخ الذاتية لانعكاس أسلوب وشخصية الفنان محمد رمضان الحقيقية التي فرضت نفسها على شخصية (محمد حربي كرامة) بطل المسلسل.
فرغم السياق الدرامي، يبادر محمد رمضان بإضافة تعليقات سابقة لزمن المسلسل و«قفشات» كوميدية عادة لا تكون في محلها وتخرج به من سمات وملامح الشخصية، فاعتماده الكلي على الكاريزما التي يظهر بها على الشاشة، يأخذه بعيداً عن الشخصية التي يجسدها ويمكن استثناء شخصية (حبيشة) التي جسدها قبل أعوام في مسلسل «ابن حلال»، لكن في الأعوام الأخيرة تتماثل الشخصيات بسبب «خلطة رمضان»، ومع ذلك لا يمكن إنكار موهبته في خطف المشاهد ليتابعه ويتعاطف مع الشخصية التي يقدمها.
يتمحور البناء الدرامي لـ«زلزال» حول مسألة الطبقية والفروق بين الأغنياء والفقراء، التي تلخصها قصة حب بين بنت الأغنياء وابن الفقراء التي تذكرنا بقصة حب «إنجي وعلي» في الفيلم الخالد «رد قلبي» فالفتاة تسكن سرايا منيفة بينما الشاب مشرد دون مأوى.
صراع محمد رمضان الملقب بـ«زلزال»، تتصاعد حدته مع ماجد المصري «خليل كتخا» الذي يعشق السلطة ويحيط نفسه برجالها. وبعدما فقد محمد حربي أسرته رعاه (العم غبريال) الرجل المسيحي الذي يشفق على حال الشاب المسلم ويحتضنه ويرعاه حتى دخوله للجامعة. وعبر «فوتو مونتاج» يلخص كفاح محمد حربي والذي يلقب بـ(زلزال) نجده يتنقل بين المهن تارة صبي قهوجي وتارة بائع غزل البنات ويعمل في تركيب فراشة الأفراح وتعليق الأنوار ويقع في حب «أمل» ابنة خليل كتخا الذي نهب حقه وحق والده، ويتقرب منها رغم ما بينه وبين هذا الرجل من عداء.
تتابع أحداث المسلسل بشكل منطقي يمهد تدريجيا للصراع والمواجهة القوية بين (كتخا) و(حربي) الخير والشر، التي تصل به إلى حد إهانته في منزله ثم سجنه وطرده من القرية لينتهي حلمه بالزواج بابنته «أمل» التي تؤديها هنادي مهنا، بأداء صادق لفتاة تجد نفسها معلقة بحب عدو والدها وتستميت في سبيل الدفاع عنه وتمثيلها يتسم بعذوبة وهدوء، فلا تعبيرات مبالغ فيها أو تصنع، ونتوقع أن تكون تلك بداية انطلاقه قوية لها في فضاء الدراما والسينما المصرية.
في السياق ذاته، تظهر الفنانة حلا شيحة في المسلسل بعد 11 عاماً من اعتزالها التمثيل، لتعود بشخصية «صافية» بأداء غير مفتعل لشخصية فتاة ذات جذور ريفية يقال عنها «مدب» من شدة صراحتها وصرامتها فهي تقول الحق بدون مواراة أو مجاملة، تسأل عما يدور ببالها فور التفكير فيه، تشاكس محمد رمضان بالأسئلة كلما قابلته بعد أن رأته في حلم أنه نصيبها وحبيبها، وأبرز مشهد لها مشهد تعاتب فيه والدتها على عدم تعليمها بعد أن زارت «محمد حربي» في الجامعة ورأته مع حبيبته أمل، استطاعت فيه أن تؤثر في المشاهد بأداء متزن. تتطور الأحداث في سياق يصب في مصلحة صافية إذ تجمع الأحداث بينها وبين محمد رمضان.
أيضا الفنانة منى عبد الغني تقدم أداءً راقياً وتلقائياً في دور «الحاجة لمياء» زوجة خليل كتخا (ماجد المصري) التي تمثل الضمير الحي الذي يواجهه. كذلك يذكرنا دور الفنان أحمد صيام القائم بدور معلم اللغة العربية، ودوره مع دور «عم غبريال»، بالثنائيات التي شهدنها في أعمال لا تنسى «ليالي الحلمية» و«أرابيسك» هذا الثنائي الذي يكشف التفاصيل وخبايا شخصيات العمل لا تخلو أحاديثهم من التندر والفكاهة التي تعكس روح الشارع المصري، وهو الأمر الذي جذب الكثير من المشاهدين. يجب الإشادة بدور «ربيع» للفنان حسام داغر الذي يمسك جيداً بتفاصيل شخصية ابن أخت خليل كتخا والذي يراوغ خاله ويتجسس عليه لينتقم منه، هذا الإتقان في الانغماس في تفاصيل الشخصية سيسجل له هذا الدور المميز في مسيرته الفنية.
ولعل من أبرز أسباب نجاح المسلسل إلى الآن نجاح مصمم الأزياء حسن مصطفى في نقل المشاهدين لزمن التسعينيات بكل تفاصيله، رغم بعض الأخطاء الطفيفة التي لم تؤثر على أجواء الدراما.
المخرج إبراهيم فخر استطاع أن يقود فريق العمل ويذكرنا هنا بالمخرج إسماعيل عبد الحافظ حيث البطولة هنا لكل شخصية، كما يستعين بزوايا تصوير متنوعة تخدم كل مشهد بما يناسبه ما بين الزوايا الواسعة والقريبة ليتلقط أداء الممثلين باحترافية، لكنه يبدو أنه تساهل مع طغيان شخصية محمد رمضان على شخصية حربي كرامة، ولم يتدخل لتوجيهه؛ مما أخل بمسار السياق الدرامي للعمل ويأخذه للمنحى المفضل لدى رمضان وهو ثيمة الانتقام والانتصار بقوة الذراع. وهو الأمر الذي فسره مؤخرا بيان مؤلف المسلسل عبد الرحيم كمال الذي استنكر فيه تعديل السياق الدرامي للعمل.
بوجه عام إيقاع المسلسل مشوق وتتابع الأحداث متوازن فلا نشعر بنقلات فجائية أو تطور شاذ في الأحداث، لكن الملحوظ أن الموسيقى التصويرية للعمل لا تقدم تميزاً له بل يشعر المشاهد أنها غير مبتكرة حتى أن كلمات شارة النهاية لم تسلم من مبدأ محمد رمضان «نمبر وان» إذ يتغنى فيها أحمد شيبه: «وهكسب وأبقى في الأول رقم واحد مش التاني... الله في سماه حالف يا دنيا لأكسبك». يسير المسلسل نحو ذروة الصراع لكن الخوف يكمن في تعويل رمضان كثيراً على الجمهور، فقد يخسر رهانه يوماً ما إذا ما طغت شخصيته أكثر على موهبته».



«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.