عشرات القتلى بمعارك وقصف في ريفي حماة وإدلب

استهداف المزيد من المستشفيات شمال سوريا... وواشنطن تلوّح مجددا بالرد على استخدام «الكيماوي»

بعد غارة في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)
بعد غارة في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)
TT

عشرات القتلى بمعارك وقصف في ريفي حماة وإدلب

بعد غارة في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)
بعد غارة في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)

تسببت المعارك وعمليات القصف على مناطق عدة في شمال غربي سوريا، الخميس، في مقتل 20 شخصاً على الأقل، بينهم خمسة مدنيين، جراء غارات نفذتها قوات النظام، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الذي أشار إلى استمرار القصف الروسي والسوري بنحو 120 غارة و«برميلاً» على شمال حماة وريف إدلب، الأمر الذي أسفر عن خروج مزيد من المراكز الطبية من الخدمة.
وتدور منذ يومين اشتباكات عنيفة بين قوات النظام من جهة، و«هيئة تحرير الشام» (النصرة سابقاً) مع فصائل إسلامية من جهة ثانية، في ريف حماة الشمالي المجاور لمحافظة إدلب، أوقعت عشرات القتلى من الطرفين، وتتزامن مع غارات كثيفة.
وأحصى «المرصد» الخميس، مقتل 11 عنصراً من هيئة تحرير الشام والفصائل، مقابل 4 من قوات النظام، في الاشتباكات وعمليات القصف على محاور عدة في ريف حماة الشمالي، لا سيما في بلدة كفرنبودة ومحيطها. وتمكنت الفصائل إثر هجوم شنته الثلاثاء على نقاط تابعة لقوات النظام، من استعادة السيطرة على الجزء الأكبر من البلدة، بعدما كانت قد طُردت منها في الثامن من الشهر الحالي.
وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن وحدات من الجيش دمرت «آليات وعتاداً لإرهابيي (جبهة النصرة) بين بلدتي الهبيط وكفرنبودة».
ونفذت طائرات روسية، وفق المرصد، الخميس، غارات استهدفت مناطق في ريف إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، طالت تحديداً بلدتي كفرنبودة والهبيط، تزامنت مع شن الطيران السوري ضربات جوية وصاروخية، وإلقائه براميل متفجرة على المنطقة.
وأحصى المرصد مقتل خمسة مدنيين، جراء القصف الجوي والبري لقوات النظام في ريف إدلب الجنوبي.
وتأتي هذه الحصيلة غداة إعلان «المرصد» مقتل 23 مدنياً في الغارات و87 مقاتلاً من الطرفين، الجزء الأكبر منهم من «هيئة تحرير الشام» والفصائل، في المعارك المستمرة منذ الثلاثاء. وقال «المرصد» لاحقاً: «ارتفع إلى 8 عدد الشهداء المدنيين الذين قضوا جراء القصف الجوي والبري، ضمن منطقة (خفض التصعيد)، وهم رجل ومواطنة جراء قصف طائرات النظام الحربية على بلدة كفرسجنة بريف إدلب الجنوبي، ورجل آخر جراء تنفيذ طائرات النظام الحربية غارات على بلدة حيش جنوب إدلب، و3 أشخاص بينهم مواطنة جراء قصف قوات النظام على أماكن في بلدة كفرنبل، وطفلتان اثنتان جراء قصف طائرات النظام الحربية على بلدة كفرعويد بريف إدلب الجنوبي».
على صعيد متصل، ارتفع إلى 44 عدد الضربات الجوية التي نفذتها طائرات «الضامن الروسي» منذ ما بعد منتصف الليل، وإلى 70 عدد البراميل المتفجرة التي ألقاها الطيران المروحي على بلدات وقرى ضمن منطقة «خفض التصعيد»؛ حيث ارتفع إلى 6 عدد المشافي التي خرجت عن الخدمة، وهي: مشفى كيوان في كفرعويد، ومشفى السيدة مريم في كفرنبل، ومشفى الأورينت بكفرنبل، ومشفى نبض الحياة في حاس، ومشفى الـ111 في قلعة المضيق، ومشفى المغارة في بلدة اللطامنة، بالإضافة لمركزين صحيين في بلدتي كفرنبودة والهبيط.
وتسيطر «هيئة تحرير الشام» على الجزء الأكبر من محافظة إدلب، وتوجد مع فصائل إسلامية في أجزاء من محافظات مجاورة. وتخضع المنطقة لاتفاق روسي - تركي ينص على إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين قوات النظام والفصائل، لم يتم استكمال تنفيذه. وشهدت المنطقة هدوءاً نسبياً بعد توقيع الاتفاق في سبتمبر (أيلول). ونشرت تركيا كثيراً من نقاط المراقبة لرصد تطبيق الاتفاق. إلا أن قوات النظام صعّدت منذ فبراير (شباط) وتيرة قصفها، قبل أن تنضم الطائرات الروسية إليها لاحقاً.
وتتهم دمشق أنقرة الداعمة للفصائل بالتلكؤ في تنفيذ الاتفاق، إلا أن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، اتهم ليل الثلاثاء النظام السوري بتهديد اتفاق وقف إطلاق النار.
ودفع القصف والمعارك منذ نهاية أبريل (نيسان) نحو 200 ألف شخص إلى النزوح، بينما طالت الغارات 20 مرفقاً طبياً، لا يزال 19 منها خارج الخدمة، بحسب الأمم المتحدة.
وقال التلفزيون الرسمي السوري، في وقت متأخر الأربعاء، إن الجيش أسقط طائرة مسيرة محملة بالمتفجرات قرب مطار حماة. وأضاف التلفزيون أن متشددين من «جبهة النصرة» أطلقوا الطائرة.
وكانت الولايات المتحدة قد دعت الأربعاء إلى وقف إطلاق النار مجدداً في سوريا. وقالت واشنطن إنها ترى دلائل على أن الأسد استخدم أسلحة كيماوية، بما في ذلك غاز الكلور، في أحدث هجوم، وحذرت من أنها سترد «سريعاً وبشكل متناسب»، إذا ثبتت هذه المزاعم التي ينفيها الأسد منذ بدء الحرب.
وقال الممثل الأميركي الخاص بسوريا جيمس جيفري: «ما نحتاجه حقاً في إدلب وباقي أنحاء البلاد هو وقف إطلاق النار». وأضاف أمام لجنة بمجلس النواب: «لذلك فنحن نشارك بشكل كبير في محاولة لوقف هذا». وأردف قائلاً: «هذه الصراعات والهجمات المتبادلة... تضع ضغطاً كبيراً على المدنيين، وتزيد من احتمال نشوب صراع بين الأمم».
بيد أن وسائل إعلام سورية رسمية، والمعارضة، و«المرصد»، قالوا إن القتال استعر مع سعي المعارضة لصد تقدم الجيش في مواجهة قصف عنيف.
وعندما سئل عن استخدام الأسلحة الكيماوية، قال جيفري إن الولايات المتحدة لا تزال تتابع بحرص أي هجوم محتمل من هذا النوع؛ لكنه أضاف أنها لا تملك تأكيداً. وقال: «ليس لدينا حتى هذه اللحظة أي تأكيد على أن الكلور هي المادة التي استُخدمت. لم ننته من مراجعتنا».
وقصفت إدارة ترمب سوريا مرتين: في أبريل 2017 وأبريل 2018، بسبب مزاعم عن استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية. وفي سبتمبر قال مسؤول أميركي كبير إن هناك أدلة على أن قوات الحكومة السورية تعد أسلحة كيماوية في إدلب.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية مورغان أورتوغاس، إن واشنطن لا تزال تحقق في المعلومات التي تحدثت عن استخدام نظام الرئيس السوري بشار الأسد للسلاح الكيماوي في هجمات أخيرة وقعت في إدلب.
وأضافت في إيجاز صحافي، أمس (الخميس)، أن النظام أظهر بالفعل الاستعداد لاستخدامه في الماضي، وأن البيت الأبيض قد تحدث بالفعل عن هذا الأمر. وأكدت أن واشنطن سترد بسرعة وبشكل مناسب على أي استخدام من نظام الأسد للأسلحة الكيمياوية. وقالت إن استخدام الأسلحة الكيمياوية «يُظهر عدم احترامٍ للإنسان وينتهك حقوق الإنسان وستتم محاسبة أي شخص، لا سيما هذا النظام، على القتل العشوائي للرجال والنساء والأطفال الذي حصل نتيجة استخدام الأسلحة الكيماوية».
كانت مصادر قد تحدثت عن احتمال قيام قوات النظام باستخدام غاز الكلور في هجمات على مناطق سكنية ومدنيين في محافظة إدلب، بعد تصاعد الهجمات والمعارك بين الأطراف المتحاربة في تلك المنطقة في الأيام الأخيرة.
وأضافت أورتاغوس أن المعلومات عن هذه الهجمات المحتملة جاءت من مصادر عدة بينها مصادر طبية، مشيرة إلى أن واشنطن لم تتصل بعد بمسؤولين من الحكومة الروسية حول تلك الهجمات. لكنها أشارت إلى أن وزير الخارجية مايك بومبيو، ناقش ملف سوريا بشكل مفصّل مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، عندما التقاه في سوتشي قبل نحو عشرة أيام.
وشددت أورتاغوس على أنْ لا جدول زمنياً محدداً لمتابعة تلك التحقيقات في استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، مؤكدة أن «على نظام الأسد أن يعلم أننا نراقبه عن كثب وأننا سنحاسبه على ذلك عندما يتم التأكد من تلك الادعاءات».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».