موسكو تعدّ لـ«الحسم العسكري» في إدلب

TT

موسكو تعدّ لـ«الحسم العسكري» في إدلب

بدأت موسكو حملة إعلامية واسعة لتشجيع المدنيين في إدلب على مغادرة المدينة على خلفية التحضيرات لتوسيع نطاق العمليات العسكرية.
وذكّر الإعلان عن فتح معبرين لمغادرة «منطقة خفض التصعيد» في إدلب ومحيطها، بسيناريو التصعيد العسكري الذي وقع في حلب عام 2016، وفي غوطة دمشق في وقت لاحق؛ بداية عام 2018. ورغم أن الإعلان عن فتح ممرات لعبور المدنيين من المنطقتين لم يسفر عن نتائج كبيرة؛ إذ ظلت الأعداد التي غادرت المنطقتين محدودة، فإن المهم، وفقاً لتعليقات وسائل إعلام روسية، أن التطور عكس دخول الاستعدادات لمعركة الحسم في إدلب مراحلها الأخيرة رغم موقف أنقرة المعارض لتوسيع نطاق العمليات العسكرية.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس، أن الحكومة السورية أعدت نقطتي عبور لتسهيل مغادرة السكان المدنيين منطقة إدلب لخفض التصعيد.
وقال اللواء فيكتور كوبتشيشين، مدير مركز حميميم لمصالحة الأطراف في سوريا التابع لوزارة الدفاع الروسية، إن فتح المعبرين تم «بهدف ضمان الخروج الطوعي وغير المعرقل للمدنيين من منطقة إدلب لخفض التصعيد، عبر نقطتي عبور قرب بلدتي صوران في محافظة حماة وأبو الظهور في محافظة إدلب». وأشار كوبتشيشين إلى أن المسلحين المتمركزين في أراضي منطقة خفض التصعيد قصفوا خلال الساعات الـ24 الماضية 13 بلدة في محافظتي اللاذقية وحماة، بالإضافة إلى مركز أبحاث علمية في حلب.
وأعقب هذا الإعلان صدور بيان عسكري روسي اتهم المسلحين في إدلب بإطلاق 4 صواريخ من مناطق سيطرتهم على قاعدة حميميم الروسية قرب اللاذقية. كما أشارت وزارة الدفاع في البيان إلى أن طائرات مسيرة قامت بإلقاء 5 قنابل على محطة الطاقة في حماة من دون أن توقع إصابات. وحملت هذه المعطيات إشارة من جانب موسكو إلى أن «المسلحين يقومون بتصعيد تحركاتهم العسكرية ضد المنشآت الحكومية السورية وضد (قاعدة حميميم)، وهما أمران كانت موسكو توعدت بأنها سترد عليهما بشكل حازم».
وترافقت تأكيدات البيانات العسكرية الروسية حول «تكثيف الإرهابيين هجماتهم» مع انطلاق حملة إعلامية واسعة تمهد لتوسيع نطاق العمليات العسكرية ضد «جبهة النصرة» والفصائل المتحالفة معها. ونشرت صحف روسية تصريحات لعسكريين ودبلوماسيين روس أكدوا فيها أن موسكو ودمشق «يجب ألا تصبرا إلى الأبد على التصعيد الإرهابي الحاصل». وذهب بعض التحليلات إلى وضع تصورات عن الوجهة التي يمكن لمقاتلي «جبهة النصرة» والفصائل الأخرى أن ينتقلوا إليها بعد حسم الموقف في إدلب، إذ نقلت «نيزافيسيمايا غازيتا» عن خبراء في شؤون التنظيمات المتشددة أن تحضيرات بدأت بالفعل لانتقال آلاف المقاتلين إلى أفغانستان وبلدان أخرى مجاورة.
ونقلت وسائل الإعلام الروسية عن مصادر حكومية سورية تفاصيل عن أن «التنبيه الموجه إلى سكان مدينة إدلب لن تكون مدته طويلة»، وأفادت بأن القوات الحكومية نقلت رسائل واضحة إلى سكان محافظة إدلب بشأن بدء عملية عسكرية واسعة لاستعادة المنطقة.
ورأى خبراء أن اندلاع الاشتباكات أول من أمس بين القوات الحكومية ومسلحي «هيئة تحرير الشام» في محيط بلدة كفر نبودة الاستراتيجية عند الحدود الإدارية بين محافظتي إدلب وحماة، شكل إشارة البدء لانطلاق العملية. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية بعد ذلك عن صد الجيش السوري 3 هجمات كبرى للمسلحين منذ صباح الثلاثاء الماضي.
ونقلت أمس، شبكة «سبوتنيك» الروسية الحكومية عن مصادر في حماة أن مضادات الدفاع الجوي السوري «تصدت لطائرات مسيرة آتية من مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، وأجبرتها على الانسحاب باتجاه المحاور التي أتت منها».
وقالت إن الدفاعات الجوية تمكنت من إسقاط طائرة مسيرة محملة بالقنابل بمحيط المطار. وأشارت إلى أن محطة الزارة الكهربائية الواقعة بريف حماة الجنوبي، تعرضت في وقت سابق من مساء الأربعاء، لقصف عبر طائرة مسيرة أدى إلى خروجها من الخدمة، فيما أشار معلقون روس إلى أن الإعلانات المتتالية عن صد هجمات «لن تستمر طويلاً» وأنه «لا بد من البدء بعملية هجومية تهدف إلى تقويض قدرات الإرهابيين على تهديد المناطق المجاورة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم