«الشرق الأوسط» في مهرجان «كان» (9)‬: ليس بالفن وحده تفوز الأفلام بالسعف

قراءة في حاضر وماضي لجان التحكيم

لجنة تحكيم الدورة الحالية
لجنة تحكيم الدورة الحالية
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان «كان» (9)‬: ليس بالفن وحده تفوز الأفلام بالسعف

لجنة تحكيم الدورة الحالية
لجنة تحكيم الدورة الحالية

تتمخض الدورة الحالية من مهرجان «كان» غدا عن الفيلم الذي سيفوز بالسعفة الذهبية، وهي الجائزة الأعلى شأناً بين جوائز المهرجان. المخرج الذي سيفوز فيلمه بهذا التتويج سيرفع الجائزة بين يديه. وخلال كلمات الشكر سيشعر بأن لجنة التحكيم قد خصّـته بتقديرها عنوة عن باقي أترابه من المخرجين الذين نافسوه.
ضمن طبيعة وتلقائية هذه المشاعر فإن الوصول إلى قرار بشأن من سيفوز بالسعفة وكيف ستتوزع الجوائز الأخرى كجائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة أفضل تمثيل (رجالي ونسائي) وجائزة أفضل مخرج وأفضل سيناريو ثم جائزة لجنة التحكيم (غير الخاصة) ليس بالأمر السهل. لم يكن سهلاً في معظم الدورات السابقة من عمر هذا المهرجان ولا من عمر أي مهرجان كبير وفعلي آخر.
هذا لأن لجان التحكيم تتألف من أشخاص لكل واحد منهم مرجعيته الثقافية والفنية والذاتية وكل مرجع من هذه المراجع قد يختلف عن مراجع الآخرين. حتى وإن التقى في بعض ثقافته وفهومه لماهية الفيلم مع عضو آخر أو اثنين، يبقى الأعضاء الآخرون بمثابة ذوات منفصلة لديها مفاهيمها المنفصلة التي تمارس من خلالها قراراتها وقت التصويت.
ما تنضوي تحت مظلته هو رئيس يعمل مثل قائد أوركسترا. يتطلع الجميع إليه باحثين عن قرار أخير أو للبت بقضية تثير الجدل ولا يمكن الاتفاق عليها. هو مرشد ومحكّم وحلال مشاكل ورئيس. لذلك فإن القرارات النهائية مهما واجهت من صعوبات وتناقضات في الرؤى تنضوي تحت مسؤوليته.
نسبة غالبة
رئيس لجنة تحكيم هذا العام هو المكسيكي أليخاندرو غونزالز إنياريتو الفائز بأوسكار أفضل إخراج عن فيلمه «المنبعث» (2015) وبالجائزة نفسها عن «بيردمان» (2014) وبعشرات الجوائز الأخرى عن أفلامه التي تحتوي، لجانب الفيلمين المذكورين، على «بابل» و«بيوتيفول» من بين أعمال أخرى.
تحت قيادته نجد الكاتبة والمخرجة الإيطالية أليس رورواكر ومؤلف الروايات الغرافيكية إنكي بلال (فرنسا) والمخرج يورغوس لانتيموس (يوناني- بريطاني) والممثلة إيل فانينغ (الولايات المتحدة) والمخرجة كَلي رايكهارت (الولايات المتحدة) والمخرج باڤل باڤيكوڤسكي (بولندا) والمخرج روبن كامبيلو (فرنسا) والممثلة ميمونة ندياي (بوركينا فاسو).
أمام هؤلاء مجموعة من الأفلام التي تستحق النقاش والجدال. ليس كل ما حشده المهرجان من أفلام بل على الأقل تلك الأعمال البارزة بينها مثل «حياة خفية» لترنس مالك و«آسف افتقدناك» لكن لوتش و«ألم ومجد» لبدرو ألمودوڤار و«حدث ذات مرّة في هوليوود» لكونتِن تارنتينو و«لا بد أنها الجنة» لإيليا سليمان و«الخائن» لماركو بيلوكيو و«البائسون» للادج لي. وربما يدخل في المعمعة فيلم الأخوين جان - بيير ولوك داردان «أحمد الشاب» و«الموتى لا يموتون» لجيم جارموش.
هناك عدد أكبر من الأفلام المتسابقة التي تتساقط من الاعتبار سريعاً حتى وإن تبنى بعضها أحد أعضاء لجنة التحكيم خلال الجلسة الأولى. هذا طبيعي جداً. ما هو غير طبيعي أن تتألف لجنة التحكيم من ستة مخرجين (إيناريتو، رورواكر، لانتيموس، رايكهارت، باڤيكوڤسكي، كامبيلو) ما سيقيد أصوات الآخرين إن اختلفت. الإشكال الأهم هو أن لكل مخرج من هؤلاء نظرته المختلفة عن الآخر. قد يلتقي وإياه في نقطة لكنه سيختلف عنه في باقي النقاط.
إيناريتو قد يحب فيلم ترنس مالك «حياة خفية» المبحر في أجواء فنية لا حدود لها بينما يميل باڤيكوڤسكي إلى فيلم كن لوتش «ألم ومجد» بينما يدافع لانتيموس عن «البائسون». وحتى لو اضطر كل عضو في هذه اللجنة إلى التنازل عن بعض تفضيلاته، يبقى البعض الآخر في دورة عرفت قدراً أعلى من الأفلام التي تستحق الفوز بجائزة أو أخرى.
نتائج هشّة
ما تعلمناه من الدورات الماضية هو أن العديد من جوائز السعفة الذهبية توجهت لأفلام لا تستحق. لو نظرنا إلى السنوات الإحدى عشر الماضية (2008 - 2018) وحدها لوجدنا ما يؤكد ذلك.
ترأس الأميركيون خلال تلك السنوات لجان التحكيم خمس مرات (هو بذاته نسبة عالية تبرر غياب مخرجين من بلاد وثقافات مختلفة) هم شون بن (2008) وتيم بيرتون (2010) وروبرت دينيرو (2011) وستيفن سبيلبرغ (2013) والأخوين جووَل وإيثن كووَن (اعتبرا واحداً، 2015).
للأستراليين ثلاثة حظوظ في القيادة: جين كامبيون (2014) وجورج ميلر (2016) وكايت بلانشيت (2018). وللفرنسيين والإيطاليين والإسبان حظ واحد لكل منهم: الفرنسية إيزابل أوبير ترأس لجنة تحكيم سنة 2009 والإيطالي ناني موريتي ترأسها سنة 2012 ثم الإسباني بدرو ألمودوڤار في العام 2017.
أربعة من المخرجين الأميركيين الذين تبوأوا السدة منحوا السعفة لأفلام فرنسية الإنتاج وثلاثة منهم أخفقوا في توجيه الدفة لمن استحقها. تيم بيرتون أعلن فوز «العم بونمي الذي يتذكر حيواته الماضية» لأبيتشابونغ ويراستاكول (المخرج تايلاني والفيلم تمويل فرنسي) بينما حفلت الدورة بأفلام أفضل من بينها «أميرة مونتبنسييه» للفرنسي برتران ترڤنييه و«بيوتيفول» لأليخاندرو إيناريتو نفسه و«شعر» للكوري لي تشونغ - دونغ.
ستيفن سبيلبرغ أعطى السعفة لفيلم فرنسي آخر لعبد اللطيف كشيش وقام الأخوان كووَن بمنح السعفة لفيلم «ديبان» أيضاً بوجود أفلام تماثله أو تتجاوزه فناً مثل «سيكاريو» لدنيس ڤيلنييڤ و«ماكبث» لجاستن كورزيل.
الرابع هو شون بن الذي منح الجائزة لفيلم «الصف» للوران كانتيه سنة 2008. نعم كان هناك أفضل منه لكنه على الأقل انتمى إلى طبيعة عمل بن كمخرج.
فقط روبرت دي نيرو منح السعفة لمن استحقها فعلاً عندما ذهبت إلى ترنس مالك عن «شجرة الحياة» سنة 2011. هذا الفيلم هو الوحيد الذي ما زال ساطعاً إلى اليوم. لكن من المهم القول هنا إن اختيارات غير الأميركيين كانت صائبة عموماً: الأسترالية جين كامبيون بمنحها «نوم شتوي» لنوري بيلج شيلان ومواطنها جورج ميلر بمنح الجائزة إلى البريطاني كن لوتش عن فيلمه «أنا، دانيال بليك».
أخيراً، وخلال هذه الحقبة نال النمساوي ميشيل هانيكه سعفتين. الأولى عندما قادت الممثلة الفرنسية إيزابل أوبير لجنة التحكيم سنة 2009 ففاز فيلمه «الشريط الأبيض» والثانية عندما آل القرار إلى الإيطالي ناني موريتي فمنح هانيكه سعفته الثانية عن «حب» (2012).
ما بات واضحاً أن قرارات لجنة التحكيم، بصرف النظر عن قوّة وسداد رأي من يقودها، تصل عادة إلى أحكام إن أعجبتها قد لا تعجب النقاد وإذا ما أعجبت النقاد لم تعجب الجمهور. وما علينا إلا انتظار قرارات لجنة يقودها هذه المرة مخرج مكسيكي غير متنازل.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز