«ميني فاشن أكاديمي»... أطفالٌ يبنون غدهم في تصميم الأزياء

أطفال الأكاديمية خلال عرض أزياء لهم في بيروت
أطفال الأكاديمية خلال عرض أزياء لهم في بيروت
TT

«ميني فاشن أكاديمي»... أطفالٌ يبنون غدهم في تصميم الأزياء

أطفال الأكاديمية خلال عرض أزياء لهم في بيروت
أطفال الأكاديمية خلال عرض أزياء لهم في بيروت

ليس غريباً أن تكون بيروت هي الأولى عربياً في إنشاء أكاديمية لتعليم الصغار فن تصميم الأزياء؛ فلبيروت حكاية قديمة مع الأناقة، تجلّت في نجاحات أبنائها العالمية، وعلاقة حب وشغف تُكتب هذه المرّة سطورها في سن صغيرة بإبرة حياكة لا تخيف الطفل من «شكّتها»، بل تحاكيه فناً وإبداعاً وتضيء طريقه.
حنان كلش، هي صاحبة ومؤسسة «ميني فاشن أكاديمي» التي قدّم أطفالها أوّل أعمالهم خلال أسبوع الموضة الأخير في بيروت Designers and Brands ليلاقي العرض، أصداءً إيجابية فاقت كل التوقعات.
في حديث لـ«الشرق الأوسط» تشير حنان كلش إلى أنّ الأكاديمية مدرسة لتعليم فن تصميم الموضة، لأطفال تتراوح أعمارهم من 6 سنوات إلى 16 سنة، وتعمل وفقاً لبرنامج أكاديمي متخصص مدروس ومعدّل يناسب سنهم.
وتشير كلش إلى أنّ الفكرة طرأت على بالها حين طلبت منها ابنتها ميا البالغة حينها 8 أعوام أن تعلّمها كيفية خياطة ملابسها. وبعد البحث وجدت أنّ العالم العربي يفتقر تماماً إلى هذا النوع من المدارس، في حين يمكن إيجادها في لندن ونيويورك وإيطاليا. فكرت جدياً في تنفيذ المشروع، وبدأت العمل لنحو عامين مع استشاريين من عالم الأزياء، ومدارس موضة في إيطاليا من أجل إعداد برنامج مناسب للأطفال.
وتكمل كلش بالقول: «نحن نعمل مع الأطفال حسب مشاريع معينة، بهدف تصميم قطعة ملابس وتنفيذها وارتدائها. وخلال هذه العملية يتم تعليمهم الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك، من البحث والرسم مروراً بالتصميم وصولاً إلى التنفيذ النهائي». وتشمل الدروس جوانب فن تصميم الأزياء كافة، حيث لا تقتصر على الرسم والخياطة فحسب، بل تتعداهما إلى قص الأقمشة وقياسات الجسم ودراسة الألوان وكيفية اختيارها، والخياطة على الماكينات المخصصة لهم. كما يتم العمل على جعلهم يتعلمون كيفية البحث عن تاريخ كل قطعة، لتعزيز معرفتهم في عالم الموضة، بهدف خلق ما يشبه المرجعية.
حنان التي تؤمن بأنّه كلّما تعلّم الإنسان في سن صغيرة أبدع في الكبر، تشعر بالدهشة، في كثير من الأحيان، لأن الأطفال يواكبون الموضة ويعرفون ماذا يريدون، ويؤمنون بالأهداف التي يضعونها نصب أعينهم، كما أن كل طفل يعمل وفق أسلوبه. وتؤكد أنّ «الأكاديمية لا تتدّخل في عملهم، بل تعمل على تنمية ملكة الابتكار والإبداع لديهم. أما الدروس فتعلم الطفل التركيز من خلال العمل على التطريز وخياطة التفاصيل الصغيرة، والصبر لأشهر من أجل الوصول إلى النتيجة النهائية».
لا شروط محددة لدخول الأكاديمية، باستثناء العمر وحب التعلم. مشكلة بعض الأطفال أنهم يأتون وهم يفتقرون إلى الثقة بقدرتهم على الفعل، وهنا يتم العمل على تعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتحفيزهم على التجريب والاستمتاع، وصولاً إلى تحقيق الهدف. وتجدر الإشارة إلى أن الأكاديمية تفتح أبوابها لهؤلاء بعد دوامهم المدرسي لمدة ساعة ونصف. وهي مدة كافية -حسب مؤسسة الأكاديمية- من أجل العمل على قطعة يصممونها ويرتدونها في نهاية الموسم. وتنوي حنان كلش أن توسع أنشطة الأكاديمية قريباً بتنظيم لقاءات بين الأطفال ومصممين محترفين في إطار التعرف أكثر على المهنة.



هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
TT

هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)

إذا اتفقنا على أن مجلس الموضة البريطاني هو الربان الذي يقود دفة هذا القطاع بتقديم وسائل الدعم والأمان لصناعها والمبدعين فيها، فإن تعيين لورا وير رئيساً له، ذو أهمية قصوى. ربما الآن قبل أي وقت مضى. فهذا القطاع يعاني منذ عدة مواسم. محلات كبيرة أغلقت أبوابها واكتفت بتوفير منتجاتها عبر التسوق الإلكتروني، ومصممون شباب اختفوا من الساحة، أو على الأصح من الواجهة بسبب شح الموارد والإمكانات وغيرها من المشكلات التي لا تزال تبحث عن حلول.

شح الموارد والتغيرات الخارجية

حتى دار «بيربري» التي كانت أكبر قوة جذب لأسبوع لندن تعرضت لمشكلات كثيرة (بيربري)

لهذه الأسباب، كان من البدهي أن يفقد أسبوع لندن وهجه، إلى حد أنه بات يمر مرور الكرام من دون تهليل أو حماس في الآونة الأخيرة. المقياس هنا لا يقتصر على تراجع حجم التغطيات الإعلامية فحسب، بل أيضاً على عدد الحضور العالمي، الذي تقلص بشكل ملحوظ، بسبب الحجر أيام جائحة كورونا ومنع السفر بدايةً، ثم بسبب خفض الميزانيات المخصصة لمجلات الموضة، التي لم تسلم هي الأخرى من تبعات الأزمة الاقتصادية.

في ظل هذا التخبط، بين شح الإمكانات ومتطلبات الأسواق العالمية الجديدة وتغير سلوكيات تسوق جيل شاب من الزبائن، يأتي تعيين لورا مثيراً للحماس والفضول. فالمطلوب منها هو تحريك المياه الراكدة وقيادة الدفة بالاتجاه الذي تحتاج إليه الموضة البريطانية لتتجاوز العاصفة إلى بر الأمان.

مَن لورا وير؟

لورا وير الرئيس الجديد لمجلس الموضة البريطانية (مجلس الموضة)

السؤال الذي يمكن أن يطرحه البعض :هو كيف وصلت وير إلى هذا المنصب المؤثر؟ وما سيرتها الذاتية؟ والجواب أنها حتى عهد قريب عملت في محلات «سيلفردجز» اللندنية رئيساً في قسم الإبداع والتواصل. قبل ذلك ولعقدين من الزمن، عملت محررة أزياء متخصصة في عدة مجلات، نذكر منها «درايبرز» و«فوغ» النسخة البريطانية، وصحيفة «ذي صانداي تايمز». في عام 2015، عُيِنت رئيسة تحرير للملحق الأسبوعي ES لجريدة «إيفنينغ ستاندرد» الذي أعادت تصميمه بالكامل. بعد أن تركت المجلة ES أنشأت وكالة استراتيجية متخصصة في الاتصالات والتوجيه الإبداعي، وفي عام 2023، انضمت إلى محلات «سيلفردجز» للإشراف على فريق الإبداع والتسويق والاتصالات. هذا فضلاً عن مناصب أخرى شغلتها وكانت لها ذات الأهمية. كانت مثلاً عضواً في مجلس الموضة البريطاني قبل أن تكون رئيساً له. كما كانت مستشارة للأكاديمية البريطانية لفنون الأفلام والتلفزيون (بافتا).

هذه المناصب وغيرها فتحت أمامها أبواب التعامل المباشر مع صناع الموضة الكبار والصغار وأيضاً مع المواهب الصاعدة من شتى الفنون. تعرفت على طموحاتهم ومشكلاتهم. على خبايا الأمور وظاهرها. وهذا ما يجعلها خير خلف لكارولاين راش التي تبوأت هذه الوظيفة لـ16 عاماً، وأعلنت مغادرتها له في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

التحديات

كادت «روكساندا» تُعلن إفلاسها لولا تدخل مستثمرين (روكساندا)

رغم أهمية المنصب الذي ستبدأه بشكل فعلي في شهر أبريل (نيسام) المقبل، فإن التوقيت شائك ويحتاج إلى دراية عالية ونَفَس طويل. فصناعة الموضة البريطانية تعاني من تباطؤ وركود منذ سنوات، وأسبوعها الذي يعد الأوكسجين الذي يتنفس منه مبدعوها ويطلون من خلاله على العالم أصابه الوهن بشكل لم يشهده منذ انطلاقه في عام 1984. صحيح أنه مرَّ بعدة أزمات في السابق، لكنها كانت ماليّة في الغالب، إذ كان يشكو من شح التمويل والإمكانات، فيما هي الآن نفسية أيضاً بسبب التراكمات الاقتصادية والسياسية وما نتج عنها من ضغوط وقلق.

من تشكيلة إيرديم الأخيرة (تصوير: جايسون لويد إيفانس)

ما لا يختلف عليه اثنان أن أسبوع لندن لا يزال يتمتع بروح الابتكار، وأنه لا يزال أكثر واحد من بين العواصم العالمية الأخرى، نيويورك وميلانو وباريس، احتضاناً للآخر. يفتح الأبواب على مصراعيها لكل الجنسيات، ويمنح فرصاً لكل من توسّم فيه الإبداع، إلا أنه يتعثَّر منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فنسبة عالية من العاملين في صناعة الموضة من جنسيات مختلفة. كأن هذا لا يكفي، جاءت جائحة كورونا ثم حرب أوكرانيا وغيرها من الأحداث التي كان لها أثر مباشر على كثير من المصممين وبيوت الأزياء. روكساندا إلينشيك، مثلاً، وهي مصممة صربية الأصل ومن أهم المشاركين في أسبوع لندن، كادت تتعرض للإفلاس العام الماضي، لولا تدخل أحد المستثمرين. وإذا كانت «روكساندا» محظوظة في هذا الجانب، فإن غيرها تواروا عن الأنظار بصمتٍ لأنه لا أحد أمدَّهم بطوق نجاة.

دار «بيربري» لم تنجُ من تبعات الأزمة الاقتصادية وتغيرات السوق (بيربري)

بل حتى دار «بيربري» التي كانت تتمتع بأكبر قوة إعلانية في بريطانيا، الأمر الذي يجعلها عنصر جذب مهماً لوسائل إعلام وشخصيات عالمية تحرص على حضور الأسبوع من أجلها، تشهد تراجعاً كبيراً في المبيعات والإيرادات. بدأت مؤخراً تراجع استراتيجياتها وتُعيد النظر في حساباتها.

استثمار في المواهب

ومع ذلك فإن قوة الموضة البريطانية تكمن في شبابها. هم الورقة الرابحة التي تُعوِّل عليها للإبقاء على شعلة الإبداع من جهة، وعلى سمعة أسبوعها العالمي منبعاً للابتكار وتفريخ المصممين من جهة ثانية. قد يجنحون إلى الغرابة أو حتى إلى الجنون أحياناً لكنه جنون يغذّي الخيال ويحرِّك الأفكار الراكدة، وهذا ما تعرفه لورا جيداً بحكم تعاملها الطويل معهم.

من عرض «روكساندا» لربيع وصيف 2025 (روكساندا)

والدليل أن لورا لا تقبل التحدي فحسب، بل تعده مثيراً. في بيان صحفي وزَّعه مجلس الموضة البريطاني قالت: «يشرفني أن أقود الفصل الجديد في وقت مثير ومحوري لصناعة الأزياء البريطانية... إني أتطلع إلى العمل مع فريق المجلس لدعم الثقافة والإبداع، وتحفيز نمو الأزياء البريطانية، محلياً وعالمياً، وكذلك دعم المصممين الناشئين والمخضرمين على حد سواء».

ما مهمات الرئيس؟

رغم موهبة «روكساندا» وبراعتها الفنية تعثّرت مؤخراً وتدخُّل مستثمرين أعاد لها قوتها (روكساندا)

ما خفيَ من مسؤوليات منصب رئيس مجلس الموضة البريطانية أكبر من مجرد دعم الشباب وتحريك السوق. من بين ما على لورا وير فعله، عقد شراكات مجدية مع صناع الموضة، من رجال أعمال وأصحاب مصانع وحرفيين من شتى المجالات، إلى جانب التواصل مع جهات حكومية. فقطاع الموضة من أهم القطاعات الصناعية في بريطانيا، ويعد الثاني بعد صناعة السيارات، وهو ما يجعله من أعمدة الاقتصاد الأساسية.

في دورها الجديد أيضاً، ستشرف لورا على المعاهد الدراسية والأكاديميات المتخصصة، بتوفير منح للمتفوقين أو من ليست لديهم الإمكانات لدفع رسوم الدراسات العليا من خلال برامج عدة جرى إنشاؤها منذ سنوات، وكل ما عليها الآن هو إمدادها بطاقة جديدة تُعيد لها حيويتها وديناميكيتها.