الهجرة غير الشرعية والتوازن داخل المجتمعات الغربية

كتاب فرنسي يكشف تأثيراتها على أوروبا ثقافياً واقتصادياً

الهجرة غير الشرعية الجماعية تمثل ضغطاً كبيراً على المجتمع المستقبل
الهجرة غير الشرعية الجماعية تمثل ضغطاً كبيراً على المجتمع المستقبل
TT

الهجرة غير الشرعية والتوازن داخل المجتمعات الغربية

الهجرة غير الشرعية الجماعية تمثل ضغطاً كبيراً على المجتمع المستقبل
الهجرة غير الشرعية الجماعية تمثل ضغطاً كبيراً على المجتمع المستقبل

عن الهجرة غير الشرعية التي أصبحت تشكل صداعاً غير مسبوق في رأس القادة الأوروبيين، ومعضلة كبيرة للقارة الأوروبية، صدر مؤخراً عن دار النشر الفرنسية «ارتيلور» كتاب بعنوان «الهجرة وتعدد الثقافات في القرن الواحد والعشرين»، لمؤلفه بول كولييه أستاذ الاقتصاد بجامعة أكسفورد، المعروف بإسهاماته الفكرية الكثيرة فيما يتعلق بإشكاليات القارة الأوروبية، ومنها بالطبع ملف الهجرة.
يقع الكتاب في 416 صفحة من القطع المتوسط. وبداية، يشير المؤلف إلى احتدام الجدل في الغرب، خلال العقد الأخير، حول موضوع الهجرة غير الشرعية الذي يطرح تحت وطأة حالة الاستقطاب الواسعة المسيطرة على الأحزاب السياسية المختلفة هناك، مما حال دون ظهور رؤية واضحة للرهانات الحقيقية للهجرة غير الشرعية، على الأقل فيما يتعلق ببعدها الاقتصادي، بين انفتاح وتعصب يُظهران التناقض المسيطر على الجدل الدائر فيما يتعلق بهذا الملف.
لكن المؤلف يقفز على هذا الوضع المعقد، ويخرج بنا من الطريق المسدود، مقدماً تحليلاً مقنعاً للرهانات الاقتصادية لظاهرة الهجرة غير الشرعية، موضحاً إلى أي مدى تسرع حالة عدم المساواة السائدة في كل ربوع العالم من وتيرة تدفقات الهجرة غير الشرعية، بل تجازف كذلك بإحداث حالة من عدم التوازن الخطير داخل المجتمعات الغربية، خصوصاً أن تأثيرها يفرض علينا عدم التحلي بالمشاعر والعاطفة، بل يجب علينا دراسة نتائج الهجرة غير الشرعية، ليس فقط على الفرد المهاجر، ولكن أيضاً على مواطني الدول المصدرة، وكذلك المستقبلة للهجرة. فالهجرة تتم في الأساس نتيجة حالة الفقر المنتشرة في المدن المصدرة لها، وتقابلها في الوقت نفسه حالة من الاستقرار في الدولة المستقبلة، وسط عالم غير مكترث إلى حد كبير بمتطلبات المهاجرين، الأمر الذي يضفي على الهجرة الصفة الطبيعية في كثير من المجتمعات الغربية، لا سيما أنها بدأت في فرض نفسها وبشكل واضح على التركيب المجتمعي، خصوصاً الأنجلوساكسوني.
حجم الظاهر
يؤكد المؤلف على اختلاف تقديرات الأوروبيين، خصوصاً البريطانيين، فيما يتعلق بأعداد الأفراد المزمع هجرتهم من شرق أوروبا إلى غربها، على خلفية قرار الاتحاد الأوروبي التاريخي في 2003، بشأن التوسيع وضم 10 دول من الشرق الأوروبي إلى كتلة الاتحاد، إذ كانت تشير التقديرات البريطانية إلى هجرة 13 ألف فرد فقط سنوياً من الشرق إلى الغرب الأوروبي، ولكن جاءت الأرقام الواقعية مغايرة تماماً للتقديرات البريطانية، إذ تجاوز عدد المهاجرين من الشرق إلى الغرب الأوروبي مليون فرد خلال السنوات الخمس التي تلت إجراءات التوسيع الأوروبية، أي خلال الفترة من 2003 إلى 2008. أي أن عدد المهاجرين قد تضاعف 15 ضعفاً عن التقديرات التي ساقها الأوروبيون في هذا الشأن.
وفيما يتعلق بالهجرة من جنوب إلى شمال المتوسط، فإنها لم تختلف كثيراً عن حالة الهجرة من الشرق إلى الغرب الأوروبي، خصوصاً في ظل التقديرات العالمية التي تشير إلى احتمال تضاعف عدد سكان القارة الأفريقية 4 مرات قبل نهاية القرن الحالي، وهو ما ينعكس بدوره على الهجرة من جنوب إلى شمال المتوسط.
ورغم ذلك، لا يتفق المؤلف مع رؤية أنجيلا ميركل، ولا رؤية المفوضية الأوروبية، بشأن أن الهجرة تمثل حلاً لحالة الشيخوخة التي يعانى منها الاتحاد الأوروبي.
ويشير كولييه إلى أن الهجرة غير الشرعية قد انعكست سلباً على المهاجرين غير الشرعيين أنفسهم، في ظل تراجع معدلات المساعدات والمنح التي يتلقونها في الغرب، على خلفية زيادة أعداهم بشكل غير محسوب أو غير متوقع، لدرجة أنهم أضحوا يمثلون عبئاً حقيقياً على المجتمعات المستقبلة، ويهددون كذلك السلام الاجتماعي هناك. فأطفال المهاجرين بمدارس الدول المستقبلة قد عجزت، وبشكل واضح، عن مجابهة صعوبات التعلم التي تجابه أطفال المهاجرين، الأمر الذي يؤثر سلباً على نظم الأمن الاجتماعي داخل المجتمعات المستقبلة، ويتفاقم مع زيادة تدفقات أعداد اللاجئين بشكل كبير، ما يعنى استقطاع نسبة كبيرة من عوائد الطبقة المتوسطة في المجتمعات المستقبلة لأفراد لا يعرفونهم، الأمر الذي يدفعهم نحو تغيير محل إقامتهم، والنزوح داخلياً في قلب مجتمعاتهم، بما يغير من شأنه التركيب المجتمعي للبلاد، الذي يترتب عليه غياب الثقة بين اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين داخل المجتمع الواحد، خصوصاً في ظل تباطؤ مردود التدابير الأوروبية فيما يتعلق بالاندماج، وأيضاً تعدد أساليب المساعدات المالية، لنجد المهاجرين ينتمون إلى طبقات دنيا في المجتمع، أي أن الهجرة غير الشرعية الجماعية تمثل ضغطاً كبيراً على المجتمع المستقبل.
وعلى ضوء ذلك، يرى المؤلف أن الهجرة غير الشرعية تؤدى إلى تنوع سكاني كبير داخل المجتمعات المستقبلة لها، أي أنها تحدث خللاً بين سكان المجتمع الواحد، بما يؤثر سلباً على المجتمع بأكمله، كما ينعكس هذا الوضع سلباً على مدى ولائهم لمجتمعاتهم الأصلية، وبالتالي تراجع معدلات تحويل أموالهم إلى مجتمعاتهم الأصلية، ومن ثم تباطؤ عمليات التنمية.
ويقترح المؤلف مجموعة من السياسات العامة التي يجب على الدول المستقبلة للمهاجرين تبنيها، مثل الهجرة المختارة التي تكمن في حق الدول الأوروبية في اختيار العناصر التي تفتقر إليها من بين المهاجرين، وكذلك تطوير نظم وأدوات سياسة الاندماج التي تنتهجها المجتمعات المستقبلة لتقليل الآثار السلبية الناجمة عن الهجرة غير الشرعية الجماعية، هذا بالإضافة إلى التوصية بعدم حصول المهاجرين غير الشرعيين على المميزات الاجتماعية ذاتها التي يحصل عليها السكان الأصليون أو المهاجرون الشرعيون، وهو الاقتراح الذي سبق أن سعت نحو تنفيذه حكومة ديفيد كاميرون في 2015.
وفي ختام كتابه، يشدد المؤلف بول كولييه على ضرورة التخلي عن أي نزعة عنصرية في تناول مشكلة الهجرة، لا سيما أن هذا الملف يحمل في طياته كثيراً من الأبعاد العنصرية لدى الأحزاب اليمينية الغربية، الأمر الذي يهدد نجاح الجهود الرامية لحل هذه الإشكالية.



الشبحُ في الآلة

سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"
سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"
TT

الشبحُ في الآلة

سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"
سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية. الموضوعات التأصيلية الأكثر إشغالاً للتفكير البشري منذ العصر الإغريقي ثلاثة: أصل الكون، أصل الحياة، أصل الوعي.

الوعي بين هذه الموضوعات الثلاثة ظلّ اللغز الأكثر إثارة ورهبة واستجلاباً للأسطرة والمقاربات غير العلمية، وربما تكون عبارة «الشبح في الآلة The Ghost in the Machine» التي شاعت منذ أيام الفلسفة الديكارتية تمثيلاً للوعي تتفق مع ثنائية العقل-الجسد The Mind-Body Duality. بمقتضى هذه الثنائية الديكارتية يكون الوعي كينونة غير مادية (الشبح) وقد استوطن في كينونة مادية (الآلة أو الجسد البشري).

فضلاً عن الأهمية الفلسفية لدراسة الوعي فقد صارت المقاربات العلمية في هذه الدراسة تتعاظم يوماً بعد آخر بسبب ارتباطها العضوي مع موضوعات عظيمة الأهمية في مقدّمتها مباحث الذكاء الاصطناعي بكلّ تفريعاته (الذكاء الاصطناعي العام، تعلّم الآلة، الشبكات العصبية...)، بعبارة أخرى: صار الوعي موضوعاً يقع في صميم الجهد البحثي الذي تتأسّس عليه القيمة الجيوستراتيجية للدولة المعاصرة. أمرٌ آخر تتوجّب الإشارة إليه: الوعي بطبيعته جهد بحثي عابر للتخصصات؛ لذا فهو يتناغم مع طبيعة المباحث العلمية المميزة لعصرنا.

لكن، بعيداً عن الأسباب البحثية والاستراتيجية، لماذا يتوجّبُ على كلٍّ منّا أن يهتمّ بأمر الوعي على مستوى شخصي بمقدار قد يزيد أو ينقص بين الأفراد؟ أوّلاً يتوجّبُ علينا الانخراط في هذا المسعى لأنّ الوعي بصورة جوهرية هو الشيء الأساسي الذي يعرفه كلٌّ منّا بشأن العالَم، أو هو بوّابته إلى العالم، وأعني بهذه البوّابة: التجارب الحسية Sensory Experiences، ومن الطبيعي أنّ كلاً منّا يتوق لأن يفهم -بكيفية علمية منسّقة ومنضبطة وليس بتفكّرات شخصية متناثرة- لماذا يعدّ الوعي البوّابة الأساسية لتجاربنا في العالم. يحبّ كلّ منّا هذا المسعى ولا يرغب في جعله اختصاصاً حصرياً للفلاسفة وعلماء الأعصاب ومطوّري الذكاء الاصطناعي بكلّ متفرّعاته. ثانياً: دراسة الوعي في غاية الأهمية أيضاً في جوانب الغاية Purpose والمعنى Meaning في حياتنا البشرية. ليس في قوانين الفيزياء ما يشيرُ إلى المعنى، وليس مِنْ معادلة لحساب المعنى في تلك المعادلات. لا أظنّ -وسيتشارك معي كثيرون كما أحسب- أنّ الاكتفاء بالتطلّع في كوننا يمنحنا معنى لحياتنا هو ما يحقّقُ فعلاً هذا الأمر؛ لأننا نحن من يخلعُ المعنى على كوننا. يحصل هذا الأمر لأننا نمتلك الوعي الذي يتيحُ لنا اختبار الأشياء والتعامل معها. لدينا هنالك بعيداً في تخوم الكون البعيدة مجرّات كثيرة العدد وجميلة بما يفوق التصوّر. لماذا هي جميلة؟ لأنّنا واعون بها. هي صارت جميلة لأننا نمتلك وعياً يخبرنا أنها جميلة. أعيد القول ثانية: الوعي هو ما يخلعُ معنى وغاية على الحياة.

الدراسات الخاصة بالوعي

يُنظرُ في الأوساط الأكاديمية العالمية إلى سوزان بلاكمور Susan Blackmore على أنّها مؤلفة الكتاب المرجعي في دراسة الوعي، وأقصدُ بهذا كتابها الشائع بين دارسي علم النفس والعلوم العصبية والإدراكية وفلسفة العقل والذكاء الاصطناعي، وأشيرُ بهذا إلى كتابها الموسوم «الوعي: مقدّمة Consciousness: An Introduction» الذي صدرت طبعته الرابعة عن دار نشر «راوتليدج Routledge» قبل بضعة شهور. سوزان بلاكمور عالمة نفس وكاتبة حرة ومحاضرة جامعية بريطانية، ألّفت الكثير من المقالات العلمية وأسهمت في تأليف عددٍ من الكتب. تكتب في مجلات وصحف كثيرة، وكثيراً ما تشارك في برامج إذاعية وتلفازية في المملكة المتحدة أو خارجها. قدّمت الكثير من البرامج التلفازية التي نالت شهرة واسعة بما في ذلك برنامجٌ وثائقيٌ حول ذكاء القردة. من بين كتبها الأخرى سيرة ذاتية بعنوان: «بحثاً عن النور» 1996، و«حوارات عن الوعي» 2005.

ما يميّزُ كتاب بلاكمور هو جمعها بين الخبرة الأكاديمية وتقنيات التعامل مع النطاق العام، فهي معروفة باهتمامها بموضوعات التأمّل والامتلاء الروحي والذهني والباراسايكولوجيا، وقد أفردت كتاباً كاملاً للحديث عن تجربة شخصية خاصة بها شهدت فيها ما تُدعى تجربة مغادرة الجسد Out of Body Experience، وقد حكت عن هذه التجربة في سيرتها الذاتية.

الخصيصة الثانية في كتابها هو مشاركة ابنتها لها في تأليف الكتاب، وتلك علاقة نادرة للغاية بين المؤلفين. لن نتغافل بالتأكيد عن النكهة الفلسفية الأنيقة التي طبعت لغة الكتاب (مثل تناول الإرادة الحرّة وعلاقتها بالوعي)، وهذا أمرٌ متوقّعٌ فيمن يكتب عن موضوع الوعي.

ثمّة موضوعان علينا الانتباه إليهما عند دراسة الوعي: هل سنبلغُ يوماً مرحلة الفهم العلمي الكامل للوعي؟ تؤكّد بلاكمور: لا أظنّ ذلك. الفرق بين حيوان حيّ وآخر ميّت ليس محض فرق نوعي يكمنُ في أنّ الحيوان الحيّ (الإنسان على سبيل المثال) يمتلك نوعاً من مصدر للحياة السرية فيه (بكلمة أخرى: الوعي). الحيوانات الحيّة ميكانيزمات فعّالة دينامية دائمة التغيّر؛ في حين أنّ انكساراً أصاب ميكانيزمات الحركة والتغيّر في الحيوانات الميتة.

تكمن صعوبة وتعقيد دراسة الوعي في حتمية اقتران دراسة الشيء مع موضوع الدراسة؛ بمعنى آخر: استخدام الوعي في دراسة الوعي ذاته! يحضرني هنا مثالاً عبارةٌ قالها جون ناش في الفيلم السينمائي الرائع الذي يحكي سيرته الذاتية «عقل جميل». أخبر ناش طبيبه أنّه سيستخدم عقله في علاج اضطرابه الذهاني، فأجابه طبيبه: ولكن كيف تعالجُ نفسك بما هو المتسبّبُ في مرضك؟ لن تستطيع هذا. في السياق ذاته تصف بلاكمور صعوبة دراسة الوعي وتعريفه فتقول:

«يبدو أنه يَلزمنا إما أن نستخدم الوعي لدراسته هو نفسه، وهي فكرة غريبة نوعاً ما، وإما أن نحرِّرَ أنفسَنا من الوعي الذي نودُّ دراستَه. ولا عجب أن الفلاسفة والعلماء قد بذلوا جهوداً مضنيةً على مدى قرنين من الزمان من أجل الوصول إلى مفهوم الوعي، ولا عجب أيضاً أن العلماء رفضوا الفكرةَ برمَّتها لفترات طويلة؛ بل رفضوا أيضاً دراستَها. الانعطافة الإيجابية أنّ «الدراسات الخاصة بالوعي» أخذَتْ في الازدهار بدءاً من القرن الحادي والعشرين. وصل علم النفس وعلم الأحياء وعلم الأعصاب إلى نقطةٍ يمكن عندها مواجَهةُ بعضِ الأسئلة المحيِّرة على غرار: ما الذي يفعله الوعيُ؟ وهل كان لنا أن نتطوَّر من دونه؟ وهل يمكن أن يكون الوعي وَهْماً؟ وما الوعي على أي حال؟».

تؤكّدُ بلاكمور منذ البدء أنّ ازدهار الجهد البحثي للوعي في القرن الحادي والعشرين لا يعني أنّ الغموض الذي يكتنفه قد اختفى تماماً؛ فالواقع أنه لا يزال متغلغِلاً في هذا الأمر كما كان دائماً. الفرق الآن أننا نعرف عن الدماغ ما يكفينا للاستعداد لمواجَهةِ المشكلة البحثية التالية على نحوٍ مباشِرٍ: كيف يمكن لإطلاق النبضات الكهربائية من ملايين الخلايا العصبية الدماغية أن يُنتج تجربةً واعية ذاتية شخصية؟ إذا أردنا إحرازَ أيِّ تقدُّم فيما يتعلَّق بفهم مسألة الوعي فعلينا التعامُل مع هذا الأمر بجدية تامة. هناك كثير من الأشخاص الذين يدَّعُون أنهم قد وجدوا حلًّاً للغز الوعي؛ فهم يقترحون نظرياتٍ موحِّدةً عظمى، ونظرياتٍ ميكانيكيةً كموميَّة، ونظرياتٍ روحانيةً حول «قوة الوعي»، وغيرها الكثير؛ لكنّ أغلبهم يتجاهلون الفجوةَ العميقة بين العالمين المادي والعقلي.

بعد مقدّمة وتمهيد ابتدائي لموضوع الكتاب (الوعي) اختارت المؤلفّة جعل كتابها موزّعاً في خمسة أقسام، كلّ قسم منها يضمُّ ثلاثة فصول: تناول القسم الأوّل معضلة الوعي تعريفاً ومناظرةً مع مفاهيم أخرى، ثمّ تناولت الوهم الكبير The Grand Illusion في التعامل مع ظاهرة الوعي. في القسم الثاني تناولت موضوع الدماغ بوصفه الحاضنة الطبيعية (مسرح العمليات بلغة المؤلفة) للوعي، وقد أفاضت في شرح العلاقة الوثقى بين دراسة العلوم العصبية وظاهرة الوعي. خصّصت المؤلفة القسم الثالث لتناول موضوع العقل والفعل، وتناولت في القسم الرابع موضوع التطوّر ومنعكساته المهمّة على ظاهرة الوعي، ثمّ تناولت في القسم الخامس الحدود التخمية Borderlands بين الوعي وظواهر أخرى على شاكلة: أشكال الوعي المعدّلة، الواقع والخيال، والأحلام وما بعدها. أما القسم السادس والأخير فتناولت فيه المؤلّفة موضوع «الذات والآخر»؛ فكانت النكهة الفلسفية بيّنة فيه. ألحقت المؤلفة كتابها بسلسلة مصادر مرجعية ضخمة ومتعدّدة امتدّت على عشرات الصفحات من الكتاب.

كتاب بلاكمور هذا قراءة شيّقة رغم رصانته الأكاديمية ومشقّة موضوعه؛ لكنّ من يرغب في قراءة أقلّ تطلباً للجهد والوقت والتفاصيل الصغيرة فيمكنه الرجوع إلى كتاب المؤلفة ذاتها والصادر عن جامعة أوكسفورد بعنوان «الوعي: مقدّمة قصيرة جداً»، وتوجد له ترجمة عربية متاحة بالمجّان على شبكة التواصل العالمية (الإنترنت).

Consciousness: An Introduction

الوعي: مقدمة

المؤلّفتان: Susan Blackmore & Emily Troscianko

سوزان بلاكمور وأميلي تروسيانكو

سنة النشر: 2024

دار النشر: Routledge ) Taylor & Francis Group )

عدد الصفحات: 766 الوعي بصورة جوهرية هو الشيء الأساسي الذي يعرفه كلٌّ منّا بشأن العالَم... أو هو بوّابته إلى العالم