صدرت مؤخراً الطبعة الثالثة من كتاب «الصابئة المندائيون» من تأليف المستشرقة الإنجليزية الليدي دراوور (أثيل ستيفنا، وهذا هو اسمها قبل الزواج)، وترجمة اثنين من خيرة مثقفي الطائفة المندائية، وهما الفقيدان نعيم بدوي وغضبان الرومي.
والمؤلفة دراوور باحثة وكاتبة جدية، التحقت بزوجها القاضي أدوين دراوور في مدينة البصرة بعد الانتداب البريطاني على العراق سنة 1919، واهتمت بجمع الموروث الشعبي العراقي بعد أن تعلمت اللغة العربية. وحصلت على شهادة الدكتوراه من جامعة أكسفورد عام 1954، وعلى شهادة مماثلة من جامعة أوبسالا السويدية وقلّدتها الحكومة الألمانية أعلى وسام في الدراسات السامية وهو «وسام ليدزبارسكي» تثميناً لما قامت به من بحوث وتراجم حول أصول المندائيين.
وأضفت المقدمة التي كتبها أ. نعيم بدوي وغضبان الرومي قيمة كبيرة على الكتاب.
ومن المعروف، كان تاريخ الطائفة المندائية على مدى سنوات كثيرة عُرضة للتشويه من قِبل بعض الكتاب، إما لجهلهم وإما لغرض الإساءة للطائفة واعتبارها وثنية، في حين أن القرآن أنصف الصابئة باعتبارهم أصحاب دين كتابي، إذ ورد ذكرهم في القرآن، ويسميهم الصابئين في ثلاث آيات. وإحدى هذه الآيات في سورة البقرة وهي (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، وهذه الآية تنفي ما أُلصق بهم من اتهامات بأنهم من المجوس أو غيرهم من المشركين من عبدة الأوثان والنجوم.
كما أنصفهم العديد من الكتاب المسلمين والمسيحيين من أمثال سيد قطب، والأب أنستاس ماري الكرملي، والدكتور جواد علي، والباحث عبد الرزاق الحسني وغيرهم، الذين أكدوا أن دين الصابئين المعاصرين ليس ديناً وثنياً بأي حال من الأحوال، بل هو دين يؤمن بالله الحي الأزلي واليوم الآخر، وهو دين يعتقد معتنقوه أنه من أقدمها، وهم طائفة عراقية قبل أن يكونوا أي شيء آخر، عاشت في العراق منذ آلاف السنين.
لقد كان عدد نفوس الصابئين في القرن السابع عشر حسب روايات بعض المؤرخين نحو مائة ألف نسمة. وفي ثلاثينات القرن الماضي، ورغم التحسن النسبي في الظروف الاجتماعية والصحية، أصبح عددهم لا يتعدى عشرين ألف نسمة، حسب تقدير الكاتبَين نعيم بدوي وغضبان الرومي.
أما الآن فلا شك أنهم أقل من هذا العدد بكثير بسبب ما لحق بهم من اضطهاد وملاحقة من قبل المتعصبين والتكفيريين، الأمر الذي يمكن أن يجعل منهم طائفة في طريق الاضمحلال في المستقبل.
يتألف كتاب الباحثة دراوور مما يزيد على الثلاثمائة صفحة، مقسمة إلى أربعة عشر فصلاً، بالإضافة إلى مقدمتي المترجَمين والمؤلفة. وتناولت الفصول تاريخ المندائيين (الصابئة) في العراق وإيران، وتطرقت إلى كتبهم وشعائرهم وملابس الطقوس والحياة العامة للطائفة والزواج ومراسيمه، والخليقة والتنجيم والأعياد والتعميد، والمندا – بيت العبادة والكهانة وتدشين الكاهن أو الترمذا، والكاهن الأعلى (كنز قوة)، والموت والطقوس وتناول الطعام على روح الميت، والوجبات الطقسية الفارسية والأتقياء الصابئية.
وشفعت المؤلفة فصولها الأربعة عشر بخمسة عشر ملحقاً ضمّنتها مقتبساً من كتاب الصابئة المقدس «كنز ربه» بالحرف المندائي، ونطق المقتبس بالحرف العربي وترجمته و«البسملة» – الحي العظيم و«الفاتحة» رحمة الرب وفك اللثام والوضوء والصلاة صباحاً وظهراً ومساءً، والاغتسال والذباحة والتحلل من خطيئة الذبح وطعام الغفران، وقائمة بالأسماء التي تعد ميمونة للمواليد، وجدول بالأيام التي يحرم فيها الذبح، وكلمات مندائية ورد استعمالها كثيراً في الكتاب.
وكان ذلك حصيلة معايشة طويلة لعشرات السنين قامت بها المؤلفة للصابئة المندائيين في العراق وفي إيران، حيث يوجد جزء من الطائفة يعيشون على ضفاف نهر الكارون الذي يصب في شط العرب.
يمثل كتاب الباحثة دراوور جهداً علمياً مرموقاً جعل المترجمَين يعتمدانه للتعريف بالديانة الصابئية المندائية، كما أن المقدمة الضافية للمترجمين أسهمت في التعريف بأهمية بالكتاب وإغناء فصوله.
- كان الصحافي والشخصية الوطنية العراقية المعروفة عبد الرزاق الصافي قد بعث بهذا العرض إلى الجريدة قبل أربعة أيام من رحيله في 13 من هذا الشهر.
الصابئة المندائيون... طائفة موحِّدة
طبعة ثالثة لكتاب المستشرقة البريطانية الليدي دراوور
الصابئة المندائيون... طائفة موحِّدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة