القضاة اللبنانيون المعتكفون نحو استقالات جماعية

TT

القضاة اللبنانيون المعتكفون نحو استقالات جماعية

اقترب الخلاف المستفحل بين السلطتين التنفيذية القضائية في لبنان من مرحلة اللاعودة، مع اتساع الهوّة بينهما، نتيجة ما يراه القضاة تجاهلاً من قبل الحكومة لمطالب القضاة، وتحذيراتهم من عدم المس بمخصصاتهم في صندوق التعاضد، وعدم إلغاء بنود الموازنة التي تقتطع نسبة من مكتسباتهم المادية والصحية والتعليمية. لكن التطور الأبرز يتمثّل بتلويح القضاة المعتكفين بالاستقالة الجماعية، وتحميل القوى السياسية مسؤولية ما ستؤول إليه أوضاع القضاء.
ويبدو أن أزمة الاعتكاف آخذة بالتشعّب، ومفتوحة على تطورات كبيرة، تبدأ برفض القضاة المسّ بالمستحقات المالية، ولا تقبل بأقل من إقرار قانون تكريس الاستقلالية الكاملة للسلطة القضائية. وشددت مصادر قضائية على أن «هذه المسلّمات لا عودة عنها، ودونها ذهاب القضاة المعتكفين إلى تقديم استقالات جماعية، ولتتحمّل السلطة السياسية مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع، ومسؤولية ضرب القضاء الذي يشكل الركيزة الأساسية لدولة القانون». وكشفت المصادر لـ«الشرق الأوسط» عن أن «قرار الاستقالة يدرس جدياً من قبل القضاة، ولا سيما الذين تجاوزت خدمتهم في السلك القضائي 20 عاماً والذهاب إلى التقاعد»، مشيرة إلى أن «هذه الاستقالة ستخلق أزمة كبيرة ذات بعدين، الأول أنها تسبب نقصاً هائلاً في عدد القضاة الذي هو حالياً أقل من ملاك القضاء، والآخر أنه سيفرغ السلطة الثالثة من قضاة الدرجات المتوسطة، ويصبح الكثير بأغلبيته بين القضاة أصحاب الدرجات العليا، على مستوى رؤساء وأعضاء محاكم التمييز والجنايات، وبين الجدد مثل القضاة المنفردين ومحاكم البداية والمستشارين في محاكم الاستئناف والمحامين العامين لدى النيابات العامة».
هذا التهديد، رغم خطورته، لا يربك السلطة السياسية التي تحضّر حلولاً لهذه الأزمة، إن وقعت. وعلمت «الشرق الأوسط» أن «القضاة تلقوا أجوبة تفيد بأن هذا الخيار لا يقلق السياسيين الذين توافرت لديهم البدائل لسدّ هذا الفراغ في حال حصلت الاستقالات بالفعل، وذلك عبر تعديل المادتين 77 و78 من قانون تنظيم القضاء العدلي، بما يسمح لمجلس القضاء الأعلى باختيار قضاة من المحامين والمساعدين القضائيين، والذي أقرّته لجنة الإدارة والعدل في عهد مجلس النواب السابق، وأحيل على الهيئة العامة لمجلس النواب، رغم معارضة ممثلي وزارة العدل على هذا المشروع».
ووفق المعلومات، فإن «هذا المشروع سُحب من الهيئة العامة وأعيد إلى لجنة الإدارة والعدل، بناءً على إلحاح رئيس اللجنة النائب جورج عدوان، الذي هدد بأنه، في حال عدم سحبه، سيُخرج من جيبه لائحة بأسماء المحامين والمساعدين القضائيين، المحسوبين على قوى وأحزاب، لإدخالهم إلى القضاء، فتمت الاستجابة لطلبه وسحب المشروع».
لكن هذا الكباش المحتدم يقلّص، كما يبدو، الثقة بين السلطتين الثانية والثالثة. وعبّرت مصادر قضائية عن أسفها لأن «الحكومة، وبدلاً من أن تحلّ مشكلتها مع القضاة، تلجأ إلى حلول تضرب القضاء وتفرغه من طاقاته، عبر إدخال محسوبين عليها، وإخضاعهم لدورة تدريبية محصورة بمهلة ستة أشهر». وشددت على أن «هذا الخيار يمثّل قمّة المؤامرة على القضاء، ويقود إلى تصحّر قضائي، يؤدي إلى ضرب مفهوم العدالة في الصميم».
وكان الاجتماع القضائي الموسّع الذي عقد يوم الجمعة الماضي، انتهى بتباين في الطروحات بين مجلس القضاء الأعلى والقضاة المعتكفين، حيث أصدر مجلس القضاء بياناً يشير بوضوح إلى معارضته قرار الاعتكاف، مشيراً إلى أن «مجلس القضاء وضع القضاة بصورة ما آلت إليه نتائج الاتصالات بخصوص ما هو متعلق باستقلال القضاء وصندوق تعاضد القضاة، وأعلمهم بأنه جرى إدخال التعديل اللازم على مشروع قانون الموازنة بما يمكّن صندوق تعاضد القضاة من المحافظة على الأمان الاجتماعي للقضاة وعائلاتهم».
وأكد البيان أنه «تمّ تفنيد سائر البنود في المشروع التي تتناول القضاء، وجرت دعوة القضاة إلى تحمّل مسؤولياتهم وعدم تحميل المتقاضين أعباء إضافية في هذه المرحلة الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها لبنان».
ولا يخفي القضاة عتبهم حول بيان مجلس القضاء الأعلى الذي يحمّل القضاة مسؤولية تأخير البت بملفات المتقاضين. ويقول أحد القضاة الذي رفض ذكر اسمه: «نحن بالمبدأ نرفض مفاوضة السياسيين على حقوقنا، بل يجب أن يأتي السياسيون ويسألون القضاة عما يريدون». واعتبر القاضي أن «الوعود التي أعطاها السياسيون لمجلس القضاء الأعلى تفتقد إلى الضمانات». ويسأل: «لماذا تضرب الحكومة حق القاضي ثم تعده بتحسين وضعه لاحقاً؟»، مؤكداً أن «الموازنة غير قانونية لأنها تصدر بقانون مؤقت ولسنوات محددة، فيما القانون يجب أن يكون ثابتاً ودائماً».
وحول مساواة القضاة بأعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية الذين سيشملهم قرار خفض الرواتب، ترفض المصادر القضائية مساواة القاضي بالوزير والنائب. وتشير إلى أن «أكثرية الوزراء والنواب هم رجال أعمال ومتمولون ولديهم مصالح تجارية تحقق لهم موارد مالية هائلة، بينما القاضي ليس لديه مصدر رزق سوى راتبه الشهري». وسألت: «هل يعقل أن تتصرف السلطة السياسية مع مصرف لبنان على أنه سلطة مستقلّة، ولا تنظر إلى القضاء كسلطة (مستقلة)؟»، معتبرة أن «صندوق تعاضد القضاة يعطي القضاء شيئاً من الاستقلالية عن السلطة السياسية، ولا نريد أن تحصل خضّة كل سنة، ونستجدي السلطة السياسية». وشددت على «حقّ القاضي بأن يكون مطمئناً إلى وضعه المادي والاجتماعي، بحيث إذا مرض أولاده لا يخشى موتهم على أبواب المستشفيات»، مستغربة أن «دولة فيها هذا الكمّ من الفساد، تأتي الحكومة لتغطي هذا الفساد باقتطاع نسبة من رواتب موظفي القطاع العام، ومن رواتب الأيتام والأرامل».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.