تونس.. الرهان الأكبر

أكثر من 170 حزبا.. أغلبها تستعد للانتخابات التشريعية

تونس.. الرهان الأكبر
TT

تونس.. الرهان الأكبر

تونس.. الرهان الأكبر

عادة ما يتزامن شهر أغسطس (آب) في تونس مع خروج التونسيين في إجازاتهم الصيفية وتوجههم نحو مواطنهم الأصلية أو نحو المدن الساحلية طلبا للراحة والاستجمام ويبتعدون بذلك عن أخبار السياسة والسياسيين.. لكن الأمر كان مختلفا هذه السنة، إذ لاحقت أخبار السياسة التونسيين وفرضت نفسها عليهم حيثما كانوا، وذلك بسبب تزامن شهر أغسطس الماضي مع أوج إعداد الأحزاب السياسية للوائحها الانتخابية استعدادا لانتخابات 26 أكتوبر (تشرين الأول). وقد رافق عملية اختيار الأحزاب لرؤساء لوائحها ضجيج كبير، وكثر الحديث عن وجود خلافات داخلية عميقة وحتى عن استقالات وانشقاقات صلب بعض الأحزاب. وقد أثارت هذه الأخبار اهتمام الكثير من التونسيين وجعلتهم يعيشون أجواء هذه الانتخابات المقبلة بشكل مبكر. ومن المنتظر بعد هذه «المعارك» الداخلية أن تبدأ الأحزاب في إعداد العدة لحملاتها الانتخابية والتعريف بمرشحيها وبرامجها، في أكبر استحقاق، وأهم رهان أمام البلاد، التي تخطو بشكل حثيث نحو الاستقرار، رغم المخاوف الأمنية، الناتجة من تصاعد العمليات الإرهابية في الداخل وعلى الحدود وفي المنطقة، وانعكاسات الوضع الاقتصادي المتأزم.
السؤال الذي يخامر أذهان التونسيين اليوم سواء وسط الطبقة السياسية أو الرأي العام هو ما إذا ستكون انتخابات 26 أكتوبر 2014 المنتظرة مختلفة عن انتخابات 23 أكتوبر 2011، وذلك ليس في مستوى النتائج فحسب، بل في الممارسة السياسية نفسها. ويمكن القول إن أول المفاجآت هو عدد اللوائح الانتخابية التي ستتقدم لانتخابات 26 أكتوبر التي ناهزت 1500 لائحة مقابل أكثر من 1600 لائحة انتخابية في انتخابات 2011.

* التشتت من جديد
* أظهرت انتخابات 2011 أن نحو مليون ونصف المليون ناخب (ما يمثل ثلث عدد الذين اقترعوا في تلك الانتخابات) تفرقت أصواتهم على عدد كبير من المرشحين ولم يتمكنوا بسبب العدد الكبير من اللوائح التي خاضت غمار هذه الانتخابات سواء من الأحزاب أو من المستقلين من إيصال من صوتوا لهم إلى المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان التونسي). وقد أكدت الكثير من الأحزاب غداة الانتخابات أنها «استوعبت الدرس» وأنها ستعمل في المواعيد الانتخابية المقبلة على «تكوين تحالفات انتخابية واسعة لـ«مواجهة حركة النهضة الإسلامية» التي فازت بانتخابات 2011 بحصولها على 89 مقعدا من جملة 217 مقعدا، وجمع مرشحوها أصوات نحو مليون ونصف المليون ناخب، وهو نفس عدد الأصوات التي وصفت بأنها «ذهبت أدراج الرياح» بسبب تعدد اللوائح وتشتت أصوات الناخبين. وعملا على تجاوز ظاهرة التشتت وضياع الأصوات أقدمت 5 أحزاب من عائلات سياسية مختلفة، في صائفة 2013 بعد اغتيال محمد البراهمي النائب في المجلس الوطني التأسيسي والقيادي في التيار الشعبي (حزب قومي عربي)، هي «حزب نداء تونس» (ليبرالي)، و3 أحزاب ذات توجهات يسارية هي «حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي»، و«حزب العمل الوطني الديمقراطي» و«الحزب الاشتراكي اليساري»، و«الحزب الجمهوري» (وسط اليسار) حينها على تكوين ما يسمى «الاتحاد من أجل تونس»، وهو عبارة عن جبهة سياسية.
وجرت مشاورات كثيرة من أجل تحويل هذه الجبهة السياسية إلى تحالف انتخابي. ولكن العملية فشلت لتقرر أغلب الأحزاب دخول الانتخابات المقبلة بشكل منفرد. ويمكن القول بناء على عدد اللوائح المقدمة لانتخابات 2014 أن ظاهرة تشتت الأصوات سيكون لها تأثيرها من جديد على النتائج المنتظرة وأن الكثير من الأصوات التي ستذهب إلى القوائم المستقلة أو إلى الأحزاب «الصغيرة» التي ليس لها إشعاع كبير على المستوى الوطني لن يتمكن أصحابها من الوصول إلى «مجلس نواب الشعب» وهي التسمية الجديدة التي ستطلق على البرلمان التونسي بعد الانتخابات المقبلة.
* تصنيفات
* يوجد في تونس اليوم نحو 170 حزبا سياسيا سيشارك الكثير منها في انتخابات 26 أكتوبر 2014. وسيكتفي البعض من الأحزاب بالمشاركة في عدد محدود من الدوائر وحتى في دائرة واحدة أو في دائرتين بالنسبة لبعضها، فإن ما يعرف بـ«الأحزاب الكبرى»، ستشارك في كل الدوائر وعددها 33 دائرة 27 دائرة في الداخل و6 دوائر في الخارج.
ولئن كان يصعب القيام بعملية ترتيب موضوعية ودقيقة للأحزاب التونسية من حيث قوتها وإشعاعها على الساحة السياسة فإن مختلف التصنيفات للأحزاب اليوم تعتمد بالأساس على نتائج انتخابات أكتوبر 2011 رغم أن بعض الأحزاب، وخصوصا «حزب نداء تونس» لم تكن موجودة حينها، فضلا عن بروز أحزاب أخرى هي بالأساس منشقة عن أحزاب أخرى معروفة تاريخيا على الساحة السياسية التونسية.
وعلى هذا الأساس يصنف المراقبون الأحزاب السياسية التونسية إلى مستويات كثيرة يأتي على رأسها في الصف الأول كل من حزب حركة النهضة (إسلامي) الذي يتزعمه راشد الغنوشي، و«حزب نداء تونس» الذي يرأسه الباجي قائد السبسي، وذلك اعتمادا على استطلاعات الرأي التي غالبا ما أعطت كليهما نسبا متقاربة من الأصوات تتراوح بين 25 و35 في المائة لكل منهما.
وفي مستوى ثان نجد مجموعة أخرى من الأحزاب مثل «حزب التكتل من أجل العمل والحريات» برئاسة مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي و«حزب المؤتمر من أجل الجمهورية» الذي كان يرأسه محمد المنصف المرزوقي قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية، و«الحزب الجمهوري» الذي تقوده مية الجريبي وأحمد نجيب الشابي، وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي (الحزب الشيوعي التونسي سابقا) ويقوده سمير الطيب. كما نجد في هذا المستوى «الجبهة الشعبية» وهي عبارة عن تحالف بين عدد من الأحزاب اليسارية والقومية وعلى رأسها «حزب العمال» الذي يترأسه حمة الهمامي. كما تحوم أسئلة كثيرة حول حظوظ «تيار المحبة» الذي يتزعمه الهاشمي الحامدي، القيادي السابق في حركة «الاتجاه الإسلامي» (النهضة حاليا) والذي خاض الانتخابات السابقة باسم «العريضة الشعبية» التي حصلت على المرتبة الثانية بعد حركة النهضة بـ29 مقعدا في المجلس التأسيسي. وفي مستوى آخر نجد «حزب المبادرة» الذي يترأسه كمال مرجان آخر وزير خارجية لتونس في عهد بن علي، وحزب «آفاق تونس» برئاسة ياسين إبراهيم و«التحالف الديمقراطي» برئاسة محمد الحامدي المنشق عن الحزب الجمهوري و«التيار الديمقراطي» برئاسة محمد عبو المنشق عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وحركة وفاء برئاسة عبد الرؤوف العيادي المنشقة عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية.
كما نجد مجموعة أخرى من الأحزاب التي تصف نفسها بالبورقيبية نسبة للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة أو الدستورية نسبة للحزب الاشتراكي الدستوري الذي تحول في ما بعد إلى التجمع الدستوري الديمقراطي، وتترأس بعض هذه الأحزاب شخصيات عملت مع بورقيبة وزين العابدين بن علي، مثل حامد القروي الوزير الأول الأسبق لـ«بن علي»، ونائب رئيس التجمع الدستوري الديمقراطي الذي وقع حله بعد يناير (كانون الثاني) 2011، والذي شغل أيضا مناصب وزارية مع بورقيبة. ومجموعة من الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية التي ستخوض بدورها الانتخابات المقبلة ولا يعرف الكثير عن حجمها وإشعاعها. وكذلك الشأن بالنسبة لبعض الأحزاب ذات التوجه القومي العروبي التي ستخوض الانتخابات منفردة. ويرى الكثير من المراقبين أن العامل الأبرز المختلف بين انتخابات 2011 وانتخابات 2014 وانتخابات هو ظهور حزب نداء تونس. وهو حزب لم يكن موجودا خلال انتخابات 2011 السابقة ويجمع في صفوفه عناصر من حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل ونقابيين ويساريين ومستقلين. ويقول مؤسسوه إنهم بعثوا الحزب من أجل «تحقيق التوازن على الساحة السياسية» (المقصود خلق توازن مع حركة النهضة الإسلامية التي فازت بانتخابات 2011). وهذا التوازن يبدو أنه تحقق ولو نظريا بالاعتماد على استطلاعات الرأي التي غالبا ما أعطت «النهضة» و«النداء» نسبا متقاربة في نيات التصويت للانتخابات المقبلة. ولكن حزب نداء تونس عاش في الأيام الأخيرة عواصف كثيرة بسبب اختيار لوائحه الانتخابية، وهو أمر لم يرض عنه بعض قيادييه وقواعده في الجهات، وأعلن عدد منهم عن استقالتهم من الحزب وتقدم بعضهم على لوائح أحزاب أخرى أو على لوائح مستقلة، والسؤال المطروح اليوم يتعلق بمدى تأثير هذه الأوضاع التي عاشها الحزب على نتائجه في الانتخابات المقبلة.
من جانبها، لم تتحالف حركة النهضة مع أي حزب سياسي واستعانت فقط بعدد من المستقلين من بينهم وزراء سابقون في حكومة علي العريض ليكونوا رؤساء للوائحها الانتخابية. كما أن الحركة لم تشهد مشكلات داخلية كبرى بسبب اختيار مرشحيها. وهذا ما يؤكد مدى الانضباط السائد بين قيادييها وإطاراتها وقواعدها وأنصارها، رغم أن هذا الانضباط الذي أظهرته الحركة لا يعني وفق بعض المسؤولين فيها أو المقربين منها أنه «لم تكن هناك خلافات حول بعض الاختيارات». ويمكن القول إن الحركة ستدخل غمار الانتخابات المقبلة دون مشكلات داخلية قد تؤثر على حظوظها.

* الأمن والاقتصاد أولوية الجميع في البرامج الانتخابية
* ماذا عن الحظوظ المنتظرة لكل حزب وما هي خطط وبرامج الأحزاب لاستمالة الناخبين؟ تعكس خطابات بعض الأحزاب، وخصوصا الفاعلة منها على الساحة السياسية التونسية ثقة متناهية بشأن حظوظها في الانتخابات المقبلة رغم أن البعض يعد مثل هذه الخطابات الموغلة في التفاؤل «تكتيك» انتخابي وليس قراءة مبنية على معطيات واقعية. فقياديو حركة النهضة ولئن لم يتحدثوا عن نسبب محددة ينتظرون تحقيقها في الانتخابات المقبلة فإن بعضهم أكدوا أن الحركة ستفوز بثقة أغلبية التونسيين من جديد. ووفقا لبعض المصادر القريبة من الحركة فإن «النهضة» تتطلع لتحقيق نفس نتائج انتخابات 2011 على الأقل، وخصوصا المحافظة على ما يسمى «الثلث المعطل» من عدد نواب مجلس نواب الشعب الذي ستفرزه الانتخابات المقبلة. وفي المقابل ما فتئ قياديون في حزب نداء تونس يؤكدون أنهم سيفوزون بالانتخابات المقبلة، مستندين بالخصوص إلى بعض نتائج استطلاعات الرأي، ومقللين في ذات الحين من تداعيات المشكلات الأخيرة التي عاشها الحزب. أما بقية الأحزاب فلا أحد بإمكانه التكهن بالنتائج التي ستحققها رغم أن البعض يتحدث عن إمكانية حصول مفاجآت من عدد من الأحزاب، وذلك مقارنة بنتائج انتخابات مثل التحالف الديمقراطي، أو حزب المبادرة ومن تيار المحبة الذي يمكن أن يحدث مفاجأة جديدة.
أما على مستوى البرامج الانتخابية فإنه وإلى حد الآن لم تكشف الأحزاب التونسية التي ستشارك في الانتخابات المقبلة بشكل رسمي عن تفاصيل برنامجها الانتخابية. ويرى الكثير من المراقبين أن توجهات أغلب الأحزاب لا يختلف بعضها عن بعض خاصة على المستوى الاقتصادي، باستثناء بعض الأحزاب اليسارية التي تتحدث عن منوال تنموي جديد يختلف جذريا عن النهج الليبرالي الذي تعتمده تونس منذ عقود، أو الدعوة إلى تغيير نموذج المجتمع التونسي بالنسبة لبعض الأحزاب اليمينية ذات التوجه الديني التقليدي. ويتوقع هؤلاء المراقبون أن تسيطر قضية «مكافحة الإرهاب» و«معالجة الوضع الاقتصادي المتأزم للبلاد» على الحملة الانتخابية المقبلة، ويؤكدون أن هاتين المسألتين تمثلان أولوية بالنسبة للتونسيين الذين ينتظرون من الأحزاب السياسية مقترحات وأفكارا بهذا الشأن.
من جهة أخرى، بدأت الساحة السياسية التونسية تشهد جدلا واسعا حول طرق تمويل الأحزاب السياسية لحملاتها الانتخابية ومدى التزام الجميع بتطبيق القوانين في هذا الخصوص. وتذهب بعض الأوساط إلى القول إن المال سيكون عاملا محددا في نتائج الانتخابات المقبلة وإن الإمكانيات بين الأحزاب ستكون متفاوتة جدا، وسيكون لذلك تأثيره على هذه النتائج. وقد غذى هذا الجدل وجود الكثير من أصحاب المؤسسات على رأس لوائح انتخابية لبعض الأحزاب من بينها، وخاصة حزبي النهضة ونداء تونس. وهو خيار كان محل اختلاف في الآراء، حيث انتقدت بعض الجهات هذا الخيار وقادت ما يشبه الحملة ضده، في حين عده آخرون مسألة طبيعية وأنه من حق رجال ونساء الأعمال الترشح لعضوية البرلمان مثل أي مواطن تونسي آخر، دون أن يكونوا محل «شبهة». كما أثار الحضور الضعيف للمرأة التونسية في اللوائح الانتخابية استياء الكثير من الأوساط، وخصوصا الجمعيات ذات التوجه النسوي والحقوقي. ويتوقع بالنظر إلى موقع المرأة في اللوائح الانتخابية أن يكون تمثيل النساء في البرلمان التونسي القادم أقل من تمثيليتها في المجلس الوطني الحالي بعد التخلي عن خيار التناصف في تكوين اللوائح الانتخابية.
أما الرهان الأكبر والأهم بالنسبة للانتخابات المقبلة حسب الكثير من المتابعين للشأن التونسي فيتعلق بالجانب الأمني والاحتياطات التي ستتخذ حتى تجري هذه الانتخابات في أجواء عادية خاصة مع تنامي الحديث من جهات رسمية عن وجود تهديدات إرهابية جدية مع قرب موعد الانتخابات، والتأكيدات المتكررة لأكثر من جهة سياسية وحزبية، أن «الجماعات الإرهابية ستعمل على إفشال المسار الانتخابي في تونس»، وهو أهم ملف تعمل عليه السلطات الأمنية والعسكرية التونسية في علاقة بالانتخابات المقبلة وفق عدد من المصادر.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».